د. صلاح الغول يكتب:

الإمارات والنظام الدولي في 2023

يمثل النظام الدولي، إطاراً حاكماً لتفاعلات الدول الثنائية ومتعددة الأطراف، ومحدداً رئيسياً لسياساتها الخارجية، ومن ثم، فإن تحديد طبيعة النظام الدولي من الأهمية بمكان، ونحن نودع عاماً ونستقبل آخر جديداً. وفي هذا الخصوص، يمكن القول إن الاتجاه نحو التعددية في النظام الدولي سوف تكون أهم الاتجاهات الاستراتيجية في عام 2023.

وأسهمت عدة متغيرات في التمهيد لذلك، يأتي في مقدمتها الحرب الروسية - الأوكرانية، والقمة الصينية - الروسية في فبراير 2022 على هامش افتتاح دورة أوليمبياد الألعاب الشتوية في بكين، وقمة سمرقند لمنظمة شنغهاي للتعاون، في سبتمبر الماضي، إضافة إلى زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية، في ديسمبر، والقمم الثلاث التي جمعته مع القادة السعوديين والخليجيين والعرب، والقمة الأمريكية - الإفريقية في واشنطن منتصف هذا الشهر، والمناورات العسكرية الصينية - الروسية في منطقة آسيا - الباسيفيك في آخره.

وكانت دولة الإمارات في طليعة الدول التي استشرفت التحول الهيكلي في النظام الدولي باتجاه التعددية. والواقع أن الطبيعة التعددية للنظام الدولي تصب في مصلحة دولة الإمارات؛ حيث توسع هامش المناورة والحرية للدول الصغيرة والمتوسطة لانتهاج سياسة خارجية أكثر استقلالية وتوازناً.

فقد تابعت دولة الإمارات سياسة خارجية تقوم على مبدأي التوازن والتنويع، لاسيما مع الدول الكبرى، بمعنى أن تنخرط الدولة في علاقات تعاونية مع هذه الدول، من دون أن تؤثر شراكتها مع أي واحدة منها في شراكاتها مع الأخرى، والنأي بالنفس عن سياسات الأحلاف الدولية أو الانخراط في التنافس أو الصراع العالمي بين القوى الكبرى. ولا يشتمل التوازن في السياسة الخارجية الإماراتية على الفاعلين الدوليين وحسب؛ بل والقضايا «الاستراتيجية والاقتصادية» كذلك.

وفي هذا الخصوص، أسهمت الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى روسيا، في 11 أكتوبر 2022، وتفاعلاتها في تعميق الشراكة الاستراتيجية وتوسيعها بينهما؛ وهي الشراكة التي أعلنت عام 2018 أثناء زيارة سموه الأولى إلى روسيا، ثم زيارة الرئيس بوتين إلى دولة الإمارات عام 2019.

كما تنامت الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والصين، والتي تقوم على شراكة اقتصادية متنامية، وتبادل ثقافي وتعليمي واجتماعي، وتعاون أمني. وتعد الصين أكبر شريك تجاري للإمارات على مستوى العالم، وأكبر شريك تجاري للصين في المنطقة العربية، واحتلت المرتبة الأولى عربياً واجهةً للاستثمارات الخارجية الصينية، دون الحديث عن وجود أكبر جالية صينية بالمنطقة في الإمارات. وثمة تعاون أمني بين دولة الإمارات والصين في إطار سعي الأولى إلى تنويع مصادر السلاح والتكنولوجيا العسكرية.

وتأتي الولايات المتحدة في صدارة الدول التي تستهدف الإمارات تعزيز الشراكة الاستراتيجية معها، وهي شراكة ممتدة ومتنوعة، تمتد إلى المجالات الاقتصادية والسياسية والدفاعية، وتاريخية تعود إلى تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1972. وتسهم المتغيرات التي يحملها العام المقبل في زيادة أهمية هذه الشراكة؛ فسوف يتزايد الاهتمام الأمريكي بمنطقة الخليج، وهي المنطقة التي تأتي ثانياً (بعد منطقة آسيا -الباسيفيك) في دوائر الحركة الخارجية الأمريكية.

علاوة على ذلك، صممت دولة الإمارات سياستها الخارجية لتتلاءم مع تعدد القوى الكبرى في إطار نظام عالمي متعدد الأقطاب. فإضافة إلى محاولة تطوير دور خارجي يستند إلى كونها قوة معيارية في مجالات الصراع الدولي والإقليمي والدبلوماسية الإنسانية والتجارة الدولية وتغير المناخ، تعمد الإمارات إلى متابعة سياسة براغماتية أحياناً من أجل متابعة مصالحها الوطنية وتعزيز التعاون الدولي.

ويتصل بذلك أن أحد أسس السياسة الخارجية الإماراتية هو زيادة الانخراط في المنظمات الدولية. ولعل استضافة الإمارات منظمة آيرينا للطاقة المتجددة، وعضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، واستضافة الدولة مؤتمر COP28 العام المقبل، واختيارها لاستضافة الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في مستهل 2024 وغيرها ما يؤكد ذلك.

والخلاصة أن دولة الإمارات، استشرفت فترة السيناريو التعددي للنظام الدولي الآخذ في التبلور، واستعدت له، عن طريق تفاعلاتها الدولية «متعددة المستويات»، واستراتيجيتها الجديدة للسياسة الخارجية التي كشف عن مبادئها الثمانية المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، الدكتور أنور قرقاش، في كلمته الرئيسية في افتتاح ملتقى أبوظبي الاستراتيجي التاسع، الذي نظمه مركز الإمارات للسياسات، يومي 14-15 نوفمبر المنصرم.