خير الله خير الله يكتب:
التغيير الإيراني في انتظار 2023
مر على الثورة الشعبيّة في إيران ما يزيد على مئة يوم. يتمثل جوهر تلك الثورة في وجود أزمة نظام لم تعد مرتبطة بحرّية ارتداء الحجاب وكيفية ارتدائه… أو عدم ارتدائه. تتعلّق الأزمة بما ناضل الإيرانيون من أجله طوال سنوات، من أجل التخلّص من نظام الشاه، فإذا بهم ضحيّة نظام أسوأ من ذلك الذي كانوا يشكون منه قبل العام 1979. ناضل الإيرانيون من أجل الحريّة ففقدوها كليّا بعد العام 1979. هل يحصل التغيير الإيراني في السنة 2023؟ لا جواب عن مثل هذا السؤال. لكنّ كلّ ما يمكن قوله أنّ التغيير سيحصل في إيران، لا لشيء سوى لأنّ الثورة مستمرة منذ مقتل الفتاة الكرديّة مهسا أميني في السادس عشر من أيلول – سبتمبر الماضي من جهة ولأنّ هذه الثورة تشمل معظم الشعوب الإيرانيّة، في مقدّمها الآذريين من جهة أخرى.
ثمة حاجة، بين حين وآخر، إلى الاستعانة بالمنطق ولغة الأرقام للتأكّد من أن النظام القائم، الذي يعمل تحت عنوان “الجمهوريّة الإسلاميّة” لم يقدم شيئا للإيرانيين كما لعب دورا في جعل المنطقة كلّها، خصوصا المنطقة العربيّة، تسير من سيّء إلى أسوأ.
بالنسبة إلى إيران نفسها، وعد النظام الذي أسّسه آية الله الخميني مستندا إلى نظرية “الوليّ الفقيه”، التي تناسب شخصه والتي وضعها على مقاسه، بالاستغناء عن عائدات النفط والغاز. في السنة 2022، لا عائدات لإيران سوى من النفط والغاز. إذا كان هناك اهتمام أميركي وأوروبي بإيران، فإن منبع هذا الاهتمام ما تمتلكه من نفط وغاز واحتمال مساهمتها في التخفيف من أزمة الطاقة العالميّة. في أساس هذه الأزمة الحرب الروسيّة على أوكرانيا وما تسببت به من شبه انقطاع للغاز الروسي الذي كان يذهب إلى الدول الأوروبيّة ومن عقوبات أميركيّة وأوروبيّة على الاتحاد الروسي. مثل هذا الاعتماد على إيران في موضوع النفط والغاز لم يعد واردا، بعدما كشفت “الجمهوريّة الإسلاميّة”، في ضوء المغامرة الأوكرانيّة لفلاديمير بوتين، عمق العلاقة بينها وبين الرئيس الروسي. صارت، بعدما زودت الجيش الروسي بأسلحة مختلفة، بينها صواريخ ومسيّرات، شريكا في الحرب الروسيّة على أوكرانيا. تماما مثلما أن بوتين شريك لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” في الحرب على الشعب السوري. ذهب الرئيس الروسي إلى سوريا عسكريا ابتداء من خريف العام 2015. صار شريكا في الدفاع عن نظام بشّار الأسد بهدف منع سقوطه والحؤول دون خروج الأسد الابن من دمشق.
ليس معروفا أين فائدة المواطن الإيراني في أن يكون بلده حليفا لروسيا في عدوانها على بلد أوروبي مثل أوكرانيا ليس مسموحا بسقوطه في يد بوتين لسبب في غاية البساطة. يعود السبب إلى أنّ سقوط أوكرانيا يعني سقوطا لأوروبا كلّها تحت الابتزاز الروسي. ماذا تفعل إيران في سياق هذه اللعبة الدوليّة التي هي أكبر منها بكثير؟ الأهمّ من ذلك كلّه، ما الذي يمكن أن يجنيه المواطن الإيراني من المشاركة في هذه اللعبة التي لا يمكن أن تؤدي سوى إلى فرض المزيد من العقوبات على إيران؟
على الصعيد الإقليمي، يمكن توجيه سلسلة من الأسئلة إلى النظام الإيراني. تتعلق هذه الأسئلة بما الذي يفعله في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟ هناك جواب واحد عن كلّ هذه الأسئلة. لم تجلب “الجمهوريّة الإسلاميّة” إلى أي بلد من البلدان الأربعة المذكورة سوى الخراب والبؤس والتخلّف عبر ميليشيات مذهبيّة مولتها ورعتها طوال سنوات. لا يختلف دور النظام الإيراني في المنطقة العربيّة في شيء عن دور الاتحاد السوفياتي في دول أوروبا الشرقيّة في مرحلة ما قبل سقوط جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989.
في النهاية، ارتدّت سياسة النظام الإيراني في الداخل والخارج عليه. لم تعد المسألة مسألة شرطة أخلاق، جرى حلّها نظريا، وما شابه ذلك. المسألة مسألة ماذا يفعل النظام الإيراني في إيران وخارج إيران. ما الفائدة من حصوله على سلاح نووي ما دام ما يزيد على نصف شعبه يعيش تحت خطّ الفقر.
بعد مضي ما يزيد على مئة يوم على اندلاع الثورة الشعبيّة في إيران، من المفيد إيراد بعض الملاحظات. الملاحظة الأولى أنّ النظام يقدّم للمرّة الأولى منذ قام في العام 1979 تنازلا ما. مثل هذا التنازل شكلي المرتبط بشرطة الأخلاق. إنّه تنازل شكلي لكنه يعني الكثير. أول ما يعنيه أنّه يسعى، عبر إعادة النظر في وضع الحجاب أو عدم وضعه، إلى التصالح مع شعبه. من الواضح، أنّه يجهل أمرا في غاية الأهمّية. تجاوز الشعب الإيراني وتجاوزت المرأة الإيرانيّة مسألة الحجاب. الأمر يتعلّق بكرامة المواطن ورفضه البقاء في أسر نظام عزل بلدا ذا حضارة عظيمة، هي الحضارة الفارسيّة، عن كلّ ما هو حضاري في هذا العالم.
لن يستطيع النظام التصالح مع الشعب الإيراني. هذه مشكلته الكبرى. ليس أمامه سوى خيار الرحيل أو اعتماد الطريق الذي سار عليه النظام الأقلّوي في سوريا الذي شنّ حربا على شعبه ابتداء من آذار – مارس 2011 لمجرّد مطالبة هذا الشعب ببعض من كرامته.
في حال اختار السير على خطى النظام السوري، هناك سؤالان يفرضان نفسهما. الأوّل من سيدعمه في هذا الخيار؟ أما السؤال الثاني فهو هل أدت الحرب التي شنّها النظام السوري على شعبه إلى نتيجة غير تفتيت سوريا وتحويلها إلى بلد واقع تحت خمسة احتلالات.
يقف النظام الإيراني أمام خيارين أحلاهما مرّ. خيار الرحيل، أي الخضوع للإرادة الشعبيّة… وخيار بشّار الأسد، مع ما يعنيه ذلك من تفتيت لإيران على غرار ما حلّ بسوريا.
ستكون السنة 2023 بمثابة سنة مهمّة بالنسبة إلى مصير النظام الإيراني الذي سيعني أي تغيير يطرأ على تركيبته الكثير. لن يعني مثل هذا التغيير الكثير لإيران نفسها فحسب، بل سيعني أيضا الكثير لبنانيا وسوريا وعراقيا ويمنيا، أي في أربعة بلدان عربيّة بات مصيرها على المحكّ…