سليمان جودة يكتب:
طوق نجاة من موسكو
ربما تكون المبادرة التي طرحها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على قناة «روسيا 1» هي الشيء الجديد في الحرب الروسية الأوكرانية.
المبادرة تقدم بها بوتين خلال حديث له مع المحطة الروسية يوم 25 ديسمبر(كانون الأول)، كأنه قد أبى أن نستقبل السنة الجديدة، إلا وفي يدها مبادرة مطروحة من جانبه.. وهو في مبادرته قال إنه مستعد للتفاوض مع كل أطراف الصراع الأوكراني لإنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية سلمية.
هذا بالطبع تطور جديد، وصريح، ولا شك في أنه تطور مفاجئ في هذه الحرب التي ستكمل عاماً كاملاً في الرابع والعشرين من فبراير (شباط) المقبل.
وأهمية مثل هذا التطور أنه يأتي من جانب الطرف الذي بدأ الحرب، أو الطرف الذي أطلق العملية العسكرية قبل أكثر من عشرة شهور.. فالمعروف أن موسكو لا تسمي ما يدور بينها وبين أوكرانيا حرباً، ولكن تصف ما أطلقته بأنه عملية عسكرية، ولا تزال العاصمة الروسية هي العاصمة الوحيدة في العالم التي تسميها كذلك، أما بقية العواصم فتسميها حرباً بصريح العبارة.
وهناك أهمية أخرى للمبادرة، هي أنها جاءت صريحة من دون لف ولا دوران.. فمن قبل كانت هناك مبادرات روسية شبيهة، ولكنها كانت تخرج من العاصمة الروسية على استحياء، وكانت تخرج على لسان وزير الخارجية، أو على لسان مسؤول آخر سواه في الكرملين، ولم تكن تأتي على لسان بوتين شخصياً، كما حدث في هذه المرة.
ويلفت الانتباه في ما صدر عن الرئيس الروسي، أنه قال إنه مستعد للتفاوض مع «كل أطراف الصراع الأوكراني»، وهذا يعني أنه يدرك جيداً أن حربه، أو عمليته العسكرية، هي في الحقيقة مع أطراف عدة، وليست مع الطرف الأوكراني وحده، وأن الحرب هي بين روسيا على جبهة، وبين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحلفائهما على الجبهة الأخرى.
وقد كان هذا معروفاً منذ بدء الحرب، ولم يكن سراً على كل حال، ولكنها المرة الأولى كذلك التي يقال فيها هذا المعنى بوضوح هكذا ومن دون مواربة. وإذا كان الحال كذلك، فالحقيقة أن الغرب مدعو إلى أخذ المبادرة بجدية، ومدعو إلى أن يتعامل معها بما تستحقه من اهتمام.
وهذا للأسف ما لم يحدث، بل حدث العكس منه على طول الخط، وكان ذلك عندما استهدفت القوات الأوكرانية قاعدة جوية روسية في داخل الأراضي الروسية بطائرة مسيرة. لقد جرى الاستهداف في اليوم التالي مباشرة لطرح المبادرة الروسية، وكان هذا الاستهداف هو الثاني من نوعه خلال شهر ديسمبر(كانون الأول)، وكان كأنه رد غربي، أو أوكراني، على المبادرة.
إن مبادرة الرئيس الروسي يجب ألا تلحق بمبادرة أخرى كان البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان، طرحها قبل أسابيع، ثم لم يرحب بها سوى الجانب الروسي، بينما التزم الجانب الأوكراني، ومعه الغرب عموماً، الصمت المطلق، كأن البابا يومها لم يخرج عنه شيء.
وإذا كانت المبادرة في هذه المرة جاءت من موسكو، فالأخذ بها ليس في مصلحة العاصمة الروسية وحدها، ولكن المصلحة هي للعالم كله الذي تضرر، ولا يزال يتضرر من هذه الحرب، والمصلحة هي لكل بيت في أنحاء الأرض وصلت إليه تداعيات الحرب وشرورها.
مبادرة بوتين هي بمثابة طوق نجاة لكل الأطراف، لا للطرف الروسي بمفرده، وهي طوق نجاة حتى للذين ليسوا طرفاً في الحرب، منذ بدايتها إلى اليوم.