د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

من دهاء السياسيين " وخزات مؤلمة "

1-  بول بريمر وقادة العراق الجدد  يقول  :
عندما عقدنا أول اجتماع مع قادة العراق كنت خائفا وقلقا ً وكنت جالسا على طرف الكرسي .. وتوقعت أن يلوموني ويسألوني لماذا أوصلنا البلد لهذا الحد؟
وإذا بهم أول ما سألوني: أين رواتبنا ومستحقاتنا .. !!
حينها اتكأت على الكرسي وقلت ان هؤلاء لا يمثلون شعبا ً ولا يستحقون أن يمثلوه !!

وتعليقا على رأي برايمر عن العراق  نترك الرد المناسب لأكبر دهاة السياسة  الجنرال  ( ديغول ) حيث  يقول :
هي فن استغفال الناس لان الساسة لا سياسة لهم ، فهم دوماً يحبون ان يكسبوا المعركة معتبرين ان الحلبة لا تتسع لاثنين فأما ان تكون رابحاً او تكون خاسراً ، وحتماً السياسي لا يحب الخسارة لأنه يرى الامل في آخر النفق ..وهناك من يرى نفقاً في آخر النفق !!
وهناك من يرى ان نهاية اي مشكلة تداعياتها تكون نهايته . 
وفي السياسة ليس مهماً ان يكون صدرك واسعاً المهم ان يكون ضميرك واسعا وفي السياسة لا تقال كامل الحقيقة بل نصفها اي ان الدهاء السياسي يستلزم مواهب وقدرات مثل سرعة البديهة وقراءة الواقع جيداً واستشراف المستقبل والاختلاط المناسب مع الفئات المعنية ، كذلك فان الشجاعة بلا دهاء مثل رجل بساق واحدة ولقد كان دهاة العرب اربعة كما اخرج ابن عساكر عن الشعبي وهم معاوية ابن ابي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه ، وكان لكل واحد منهم اختصاصه فمعاوية ابن ابي سفيان والتي مقولته الشهيرة ( شعرة معاوية ) في اسلوب التعامل مع الاخرين لاحتواء غضب الاخرين وكسبهم ، وكان يتمتع  بالحلم والمداراة في سياسته ولقد كان له نظرية في حكمه وهي :
( أني لا اضع لساني حيث يكفيني مالي ولا اضع سوطي حيث يكفيني لساني ولا اضع سيفي حيث يكفيني سوطي فاذا لم اجد من السيف بداً ركبته )
فهو يعتبر ان القوة والعنف والشدة والبطش لا تفيد في التعامل مع البشر !!


2- دهاء الإنجليز هكذا تزاح الكراسي !!
حدثت القصة في مدينة الزرقاء  بالأردن أيام الانتداب البريطاني وكان من رواد المقهى مجموعة من الشباب مفتولي العضلات، ولا يقومون بأي عمل إلا بعد موافقة زعيمهم، الطويل القامة، والممتلئ الجسم، الجريء إلى حد التهور والجميع ينادونه ب (الغربال). 
وفي إحدى الأمسيات، جاء إلى المقهى أحد الضباط الإنجليز، ووقع نظره على طاولة فارغة بجانب طاولة الغربال. سحب الضابط أحد الكراسي  ليجلس عليه، ولكن الغربال أزاح الكرسي من تحته بخفة وبحركة سريعة؛ مما جعل الضابط الإنجليزي يسقط على الأرض وقدماه ترتفعان إلى الأعلى. تعالت الضحكات في جوانب المقهى. نهض الضابط من فوق الأرض، ونفض الغبار عن ملابسه وشارك زبائن المقهى ضحكاتهم وكأن شيئًا لم يكن. 
اقترب الضابط من الغربال ومد يده  مصافحًا، وقال:
- أنا بصراحة معجب بك وجميع طلباتك من المقهى على حسابي الخاص. أنا جدًا محظوظ بأن ألتقي بشخص مميز مثلك. 
- أنا خادمك الغربال.
- وأنا النقيب كوبر. هذا رقم تلفوني وأي مشكلة قد تقع فيها. اتصل فقط على هذا الرقم.
شعر الغربال  وبأنّ ظهره مسنود إلى خرسانة من الصلب. وبدأت تصرفاته الصبيانية تزداد يومًا بعد يوم، وعندما تلقي الشرطة المحلية في مدينة الزرقاء القبض عليه دون أن يستطيع الإفلات؛ يتصل مع النقيب كوبر ويرد عليه:
- أنا معك ودائمًا معك يا الغربال. تصرف كما تريد، وأية مشكلة تقع فيها سأخرجك  منها كالشعرة من العجين، وأمرهم بإطلاق سراحه.!! 
وفي إحدى المرات، اقترب النقيب كوبر من الغربال، وهمس في أذنه :
- تعجبني شجاعتك جدًا يا غربال وقد أحضرت لك مسدسًا لحماية نفسك، لا تستعمله إلا عند الضرورة القصوى، 
أجابه الغربال :
- شكرًا لك سيدي. سأكون حريصًا جدًا وأعتبر هذا الأمر طيّ الكتمان. 
كان الغربال من زبائن المزادات الأسبوعية التي تقام  بعد صلاة الجمعة. وكان إذا ما أعجبه شيء أخذه إما بالتراضي أو بالقوة. وفي أحد المزادات، أعجبه معطف من الجلد الفاخر، ولكنه اصطدم بأحد الأشخاص من طوال القامة. كان يفوقه طولًا وبدانة،  وقع الغربال على الأرض ولم يستطع النهوض أخرج المسدس من جورب قدمه اليسرى وأطلق عدة رصاصات على الرجل الضخم الجاثم على صدره ليسقط أمامه مضرجًا بدمائه. 
اعتقل الغربال وزج في السجن بتهمة القتل العمد. طلب الاتصال بالنقيب كوبر الذي بدوره قال له :
- لا تخف يا الغربال، كما قلت سابقًا أنا معك وسأبقى معك طوال الوقت، ولكن كما تعلم يجب محاكمتك ليأخذ القضاء مجراه. 
استمرت محاكمة الغربال ثلاثة أشهر، وأخيرًا أصدر القاضي حكمه بالإعدام شنقًا على السيد الغربال. في صباح اليوم المحدد لتنفيذ الإعدام، حضر النقيب كوبر إلى ساحة الإعدام ومعه كرسي. طلب من الجلاد أن يقف المحكوم عليه بالإعدام والمدعو بالغربال على هذا الكرسي تحديدًا. وبينما حبل المشنقة يلتف حول رقبة الغربال، اقترب منه النقيب كوبر وقال له:
- هل تذكر هذا الكرسي يا غربال؟
- لا أذكره. أرجوك انقذني أيها النقيب كوبر كما وعدتني بأنك لن تتخلى عني أبدًا !!
فرد عليه الضابط : 
- هذا الكرسي هو نفسه الذي أزحته من تحتي في المقهى في أول لقاء لنا، وبالتأكيد لم أنسَك ثم ركل النقيب كوبر الكرسي بكل قوته بقدمه وهو يصرخ: "هكذا تزاح الكراسي"  !! 
د . علوي عمر بن فريد