ماجد السامرائي يكتب:

أهل العراق يمنعون قيام جمهورية خمينية في وطنهم

العراق

يبدو لبعض المعنيين بالملفين العراقي والإيراني، خصوصاً بين العراقيين، أن عرض ملف علاقة الشيعة العراقيين بنظام ولي الفقيه الإيراني لن يغيّر ولاء بعض الشيعة لنظام خامنئي، مبرّراتهم في ذلك متعددة، أولها أن هذا الولاء جزء من عقيدتهم الشيعية، وأن النموذج الثوري الخميني في الحكم يجب أن يُستنسخ في العراق. خديعة من سلسلة الأوهام والأكاذيب التي أخذت طريقها ليس فقط إلى العقول الساذجة داخل العراق، بل هيمنت على عقول بعض المثقفين أو المتعلمين الشيعة ممن يعيشون منذ سنوات طويلة في الدول الأوروبية، ويفترض أنهم تعايشوا مع حالة التطور والتمدن العقلي قبل المظهري.

هذه الفئة من النخب العراقية لا جدال في شيعيتها، فتلك مسألة اعتقادات أيديولوجية فردية أو موروث عائلي “مُقدّس”، حتى وإن كانوا ذوي مستويات عالية من التعلّم والثقافة العامة. يُفترض جدلاً أنهم متحرّرون من عقدة الخوف من أدوات النظام الإيراني في العراق من ميليشيات مسلحة ذات سمعة عالية بالقتل أو الاختطاف والابتزاز المادي.

بعض هؤلاء يدّعون، مبررين دفاعهم عن إيران خامنئي بأساليب مقارنة متخلفة حول المواقف من الوضع العراقي، أن “سياسات أنظمة الخليج العربي، وفي مقدمتها السعودية، تدعم الإرهاب في العراق”. يقصدون وفق المنطق الطائفي الشيعي “السنة العرب”، وبذلك لا تعبر هذه المواقف الضيقة عن شيعية “عراقية” حقيقية التي رفضت التبعية لإيران خميني وخامنئي.

هذه النماذج الفردية إنما تتهرّب من حقائق مسلسل ظلم قادة نظام ولي الفقيه واضطهادهم، باعتباره أنموذج الحكم الذي يتمنونه للعراق، حيث يذوق شعبه مرارة سياسات أدوات نظام خامنئي منحطة المستوى سياسيا وأخلاقيا وإنسانيا، تحكم باسم الشيعة العراقيين الذين يواجهون كغيرهم من العراقيين مختلف صنوف الحرمان من الحقوق الأساسية في الحياة، رغم تدفق المليارات من الدولارات إلى خزائن الحكومة، مثلما تعانيه الشعوب الإيرانية منذ أربعة وأربعين عاماً.

العقيدة الطائفية السياسية “الشيعية” المنغلقة والتابعة للآخر الخارجي “ولي الفقيه الإيراني” تركت آثارها السلبية في الحياة السياسية والاجتماعية العراقية، فهي من جهة لا تنتمي لشيعة العراق المحبّين لوطنهم، ولا يؤمنون بحقيقة أن النجف مركز التشيّع العالمي وليس طهران خميني وخامنئي.

بغض النظر عن صحة نظرية “مظلومية الطائفة الشيعية” في العراق أو عدم صحتها، لأنها دعوى سياسية خرجت من عقلية المكر في طهران ونفّذتها قوى اليمين الأميركي لقيام حكم “الشيعة” الموالين لطهران ودعمه. جدلاً لو صحت هذه النظرية الطائفية المدمرة، فهي تقود إلى قبول فرضية مظلومية “الطائفة السنية” حالياً في العراق، وبالتالي يتم الانقياد لذات المنطق الطائفي الذي يقوده الشيعة الولائيون. فالعراقيون لا يهمّهم طائفة الحاكم الجديد وحزبه بقدر تمسكهم بالعقيدة الوطنية العراقية.

يعتقد سُذّج السياسة أن استكمال ترتيبات الحكم الشيعي في العراق يتطلب الالتزام بضوابط الولاء لمفردات الحكم الإيراني، وفق تفصيلات طائفية حرفت مسار آليات تداول السلطة، عبر الانتخابات التي قننها الحاكم الأميركي بول بريمر وباركتها الأحزاب والمراجع الشيعية في النجف، وفرضت آلية برلمانية غريبة لا وجود لها سوى في العراق الإيراني الجديد، هي قاعدة “الأكثرية الطائفية الشيعية” التي يجب أن تكون الحاكمة.

أسطورة طائفية كاذبة تم تعميمها تعتمد على مقولة زائفة “سكان الشيعة هم الأكثرية في العراق”، في ظل غياب تعداد سكاني في العراق منذ عام 1997، كما أن جميع التعدادات السكانية لم تذكر المذهب، بل اكتفت بالإشارة إلى الديانة الإسلامية فقط.

منطق الأغلبية والأقلية الطائفية لا وجود له في الديمقراطيات الحديثة حيث تسود الأكثرية والأقلية السياسية فقط؛ فالنظام السوري المدعوم من إيران مثلا تحكمه الطائفة العلوية (8 في المئة) المتسلطة على حكم سوريا منذ 55 عاما بالحديد والنار، بينما أكثر من 80 في المئة من الشعب السوري، هم من أهل السُنّة والجماعة. ولم تعد هذه البدعة تشتغل في العراق عملياً بعد ثورة الشباب الشيعة عام 2019، والتي كشفت أن شيعة العراق لا يوالون نظام طهران.

عدد غير قليل من الشيعة العراقيين البسطاء الذين ما زالوا ينامون على وسادة الخدعة السياسية الإيرانية القائلة بأن جمهورية العراق لا بد أن تصبح ثاني جمهورية شيعية في المنطقة، بعد جمهورية خميني الذي سرق ثورة الإيرانيين عام 1979، والتي يسوّقها حكام بغداد وميليشياتهم لكونها تحمي بقاءهم في السلطة.

في حين أن غالبية شيعة العراق لا يوالون إيران؛ وواحد من الأدلة أن أكثر من 90 في المئة من الشيعة لم يشاركوا في انتخاب الأحزاب والكتل الموالية لإيران عام 2018 وقاطعوا الانتخابات، ثم تظاهروا وحرقوا القنصلية الإيرانية والعلم الإيراني وصور خامنئي وخميني.

لنقل، على سبيل الافتراض، إن القلة من أبناء الطائفة الشيعية في العراق تنتابهم عقدة الولاء الطائفي الخارجي، وهم في واقع الحال لا يحتاجونها، فهذا مثال جمهورية أذربيجان الشيعية أمامهم، رغم أن الغالبية السكانية من الشيعة لكنهم جعلوا من نظامهم السياسي العلماني نموذجهم في الاستقلال عن إيران، وفي نفس الوقت لديهم شخصيتهم الشيعية الآذارية.

حقائق كثيرة تزداد يوماً بعد آخر وتزيح الأكاذيب التي حملها الصبيان الشيعة معهم بعد عودتهم إلى العراق عام 2003 وهم مشبعون بأسطورة خميني وخليفته الحالي خامنئي، هؤلاء لا يمكن إصلاحهم، ولا حل لهم سوى إزاحتهم عن السلطة وهو اليوم الذي أصبح قريباً.

نظام طهران الحقيقي، الذي يؤكده التاريخ والحاضر، قومي فارسي. وهذا التوصيف لا ينطلق من نظرة قومية عربية شوفينية، بل تعبّر عنه سياساته اليومية.

باعتقاد خميني، وحلمه أيضا، أن جوهر “ثورته” التي رعى مبادئها وبرامجها لوبي اليسار الديمقراطي بزعامة أميركا وحلفائها الأوروبيين، هو تصديرها إلى المنطقة العربية وفي مقدمتها العراق، كمرتكز مهم لبناء إمبراطورية شيعية إيرانية تتوسع إلى خارج المحيط العربي نحو أفريقيا وآسيا .

الصدمة حصلت في العراق حيث أفشل العراقيون هذا المشروع اللئيم. أصحاب المشروع التوسعي القومي الإيراني يعانون من (جُرح) التاريخ بسقوط الإمبراطورية الفارسية على أيدي العرب في القرن السابع الميلادي، ثم دخولهم في الإسلام، مضطرّين على ما يبدو، لذلك فإنهم يحاولون منذ ذلك الوقت الانتقاص من جيرانهم العرب، والاستعلاء على الأقوام الأخرى من حولِهم.

واصل نظام الملالي في طهران إهانته للعراقيين بأمثلة كثيرة في مقدمتها عقدته من انتصار العراقيين العسكري شيعة وسنة في حرب 1980 – 1988. لهذا بعد مرور ستة عشر عاماً وبسبب هيمنته السياسية على حكام العراق مرر الأكاذيب والافتراءات خلال معركة العراقيين ضد داعش 2014 – 2017، حيث وصفهم بالعاجزين ووصف جيشهم بالمتخاذل، وأن إيران هي التي دافعت عنهم، وأوكلت لأدواتها من الميليشيات “حماية شرف العراقيات”.

إيران خميني وخامنئي تريد عراقاً يسير في فلكها ويتبع أيديولوجيتها، ويحمي اقتصادها من الانهيار.

تريد عراقاً يشاركها شظف العيش، ويخفف عنها العقوبات التي جلبتها سياسات قادتها الطائشة ويقف سدا منيعا ضد أعدائها المتزايدين في العالم. تريد عراقاً يحارب مؤقتاً الولايات المتحدة، ومواصلة الحرب ضد البلدان العربية وباقي دول العالم نيابة عنها.

إيران تريد عراقاً منسجما مع العُقَد الكثيرة التي يعاني منها قادتُها. بل إن إيران لا تريد حتى رجال دين مستقلين عنها في العراق، لذلك ترعى رجال دين يسيرون وفق مخططاتها.

نظام طهران يصرف الملايين من الدولارات المسروقة من شعب العراق على وسائل الإعلام الموجهة إلى العراق والمنطقة العربية، مثالها السيء “اتحاد الإذاعات الإسلامية” ومقرّه الرئيس داخل العراق، في ظل غياب وسائل الإعلام العربية وقنواتها عن العراق، رغم ادعائها مواجهة الخطر الإيراني.

من بين أساليب خلط الأوراق التي تمرّرها وسائل الإعلام الإيرانية محاولة إبعاد دعوات محاصرة النظام داخل إيران وخارجها، خصوصاً في العراق، بادعاءات مدسوسة من بينها أن الحملة الشعبية العراقية المتصاعدة المعبرة عن مشاعر الكره ضد النظام القائم في طهران هي دعوات من “العرب السنة الذين فقدوا الحكم عام 2003”.

التظاهرات داخل إيران تتعالى فيها مظاهر حرق صور خميني وخامنئي والهتافات الداعية إلى إسقاط نظام القتل والدكتاتورية. فهل يلام العراقيون لأنهم يحبون بلدهم ولا يسمحون بحكم شيعي موال لحكومة خميني وخامنئي.

لا توجد عقدة لدى العراقيين ونخبهم الوطنية من إيران الشعوب المظلومة المنكوبة. العراقيون ليسوا أولئك النفر السياسي العميل الخائن، ومن حقهم الدفاع عن تاريخهم وإعادة سيادة بلدهم وطرد الطامعين المحتلين من أرضهم بمختلف الأساليب والأدوات المشروعة.

نعم العراقيون يكرهون حكام طهران، ولديهم قناعة عميقة أن استمرار حكم الفاسدين في بغداد مُعَلّق بالأيام المعدودة لاستمرار نظام طهران.

الكره أو المحبة، تبقى مشاعر لا تتجاوز الفعاليات غير المؤثرة، الولاء أو الخصومة، إن لم ترتبط ببرامج سياسية واقعية لن تؤثر على هذا المد الأخطبوطي للنظام الإيراني في العراق الممتلك لأدوات مسلحة فتاكة مُجرّبة في عامي 2019 و2020 لا ترحم.

لا بد من برنامج مُتقن وفق خطة لمواجهة المهيمنين على الحكم، بتفصيلات ذكية يديرها نخبة من السياسيين الوطنيين لا يحملون أيّ أجندات حزبية أو أيديولوجية ويستثمرون الظرف الحالي المتمثل بتصعيد الحملة المحلية والدولية على مافيات الفساد في بغداد. على سبيل المثال الدعوة إلى تشكيل محكمة دولية لمحاكمة أركان الفساد المالي والإداري في العراق، ترتبط بالدعوة إلى تأسيس مؤسسة مالية مستقلة لاسترجاع الأموال العراقية المهربة. ذلك سيؤدي إلى إسقاط الأحزاب الموالية لإيران.

وهناك تفصيلات عملية لحملة وطنية شعبية عراقية لا مجال لذكرها في هذه السطور.