نظام مير محمدي يكتب لـ(اليوم الثامن):

مسرحية وزير خارجية النظام الإيراني في مجلس حقوق الإنسان.. ذئب في ثياب حمل

باريس

في اليوم الأول من الدورة 52 لمجلس حقوق الإنسان المنعقد في جنيف في 27 شباط/ فبراير، صدرَت عن وزير خارجية النظام الإيراني (القيادي في الحرس الثوري) حسين أمير عبد اللهيان، تصريحات مشينة تتناقض مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان وتعد إهانة صارخة للكرامة الإنسانية.

بدايةً، إن مجرد وجود هذا الإرهابي في هذا المؤتمر ووقوفه خلف منصة يُفترض أنها مخصصة للدفاع عن حقوق الإنسان، هو بحد ذاته انتهاك للمواثيق التي مِن أجلها أنشئ هذا المجلس وتأسست الأمم المتحدة. 

وتطرّق الحرسي الإرهابي عبد اللهيان في خطابه إلى قضايا لا يمكن أن يخدع بها إلا نفسه، والصفة الوحيدة التي اتسم بها خطابه هي "الكذب المحض". 

هل توجد للإنسان كرامة في نظام ولاية الفقيه؟

قال عبد اللهيان في خطابه: "إن احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية قيمة أساسية لجمهورية إيران الإسلامية ومتأصّلة في عاداتنا ومعتقداتنا الوطنية ومعتقداتنا الدينية، وفي هذا السياق، عملنا بلا كلل وباستمرار لحماية وتعزيز حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية".

إن ادّعاء أمير عبد اللهيان هذا يتناقض تماماً مع طبيعة نظام ولاية الفقيه الفاشي، إذ لم يحترم هذا النظام أبداً حقوق الإنسان منذ تأسيسه، والدليل هو إدانة النظام 69 مرة لانتهاكه الممنهج لحقوق الإنسان من قبل اللجنة الثالثة والجمعية العامة للأمم المتحدة. 

تجمعات سلمية أم أعمال شغب؟

ويقول عبد اللهيان في موضع آخر من خطابه: "إن التجمعات السلمية التي أقيمت في بلادي بعد الوفاة المأساوية للسيدة مهسا أميني أظهرت روح التضامن والتعاطف لدى الشعب الإيراني مع فتاة من أبناء وطنهم، لكن هذه التجمعات السلمية تحولت إلى أعمال عنف بسبب تدخل عناصر إرهابية". وقال عبد اللهيان بأن تجمعات الرجال والنساء الإيرانيين التي أقيمت للاحتجاج على القمع والتأكيد على حقوقهم كانت "تجمعات سلمية"، وبعد ثوانٍ قليلة فقط في تتمة خطابه، وصفها بـ "الاضطرابات".

إن تغيير الوصف من "التجمعات السلمية" إلى "الاضطرابات" هو مجرد تنظير وتبرير للقمع الوحشي من قبل قوات النظام، بما في ذلك ضباط الشرطة وعملاء وزارة الاستخبارات الذين يستخدمون الهراوات والسكاكين، والمعروفين باسم العملاء بـ«ملابس شخصية» وعناصر من حرس الملالي والباسيج.

ويصف «قتل» مهسا أميني بـ«الموت» لإيهام الحضور والرأي العام بأنها توفيت وفاة طبيعية، غير أن مهسا قُتلت عمداً بالهراوات واللكمات والركلات التي وجهت لها مِن عدد من العملاء المعروفين باسم «دورية الإرشاد».

هذه الجريمة المعلنة والمتعمدة هي التي أشعلت انتفاضة الشعب الإيراني احتجاجاً على القمع الوحشي لنظام ولاية الفقيه الفاشي، وتستمر هذه الانتفاضة بصعودها وهبوطها في مختلف مدن إيران ودخلت يومها الـ 168. 

شرطة عُزل أم مسلحون؟

وادّعى عبد اللهيان أن "الشرطة الإيرانية غير مسموح لها باستخدام الأسلحة القتالية" لإثبات عدم صحة ادعائه، تكفي الإشارة إلى الصور ومقاطع الفيديو المنشورة في وسائل الإعلام، فهناك المئات من مشاهد إطلاق النار المباشر من قبل الشرطة والقوات القمعية للنظام، كما ان استشهاد 750 متظاهراً على يد القوات القمعية، من بينهم ما لا يقل عن 70 طفلاً ومراهقا تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاماً، ينسف كلَّ أكاذيب عبد اللهيان المفضوحة. 

العفو الوهمي أم انتهاء العقوبة؟

وفي جزء آخر من خطابه، زعم القيادي في الحرس الثوري عبد اللهيان أن "معظم الأشخاص الذين اعتقلوا أثناء أعمال الشغب، باستثناء من ارتكبوا جرائم، تم العفو عنهم وهم الآن أحرار". 

لسوء الحظ، لا يمكن إحضار عائلات المعتقلين إلى التلفزيون ووسائل الإعلام ليكونوا شهوداً لإثبات أن ادعاء عبد اللهيان مجرد كذب محض، بسبب سياسة التعتيم الإعلامي والرقابة السائدة في جميع أنحاء إيران.

لكن من الضروري أن نتذكر أنه خلال المظاهرات التي عمت إيران، تم اعتقال أكثر من 30 ألف شخص، وتم إطلاق سراح عدد قليل منهم. مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض المفرج عنهم استشهدوا على يد عملاء النظام أو انتحروا بعد وقت قصير من إطلاق سراحهم لأسباب غير معروفة حتى الآن.

إن أولئك الذين يدعي عبد اللهيان العفو عنهم هم أساساً سجناء الانتفاضات والاحتجاجات السابقة في عامي 2017 و2019، الذين قضوا بالفعل مدة عقوبتهم، أو في الأساس، لم تتم إدانتهم، لكنهم ما زالوا محتجزين بهدف بث الخوف في المجتمع.

وجدير بالذكر أنه خلال الاجتماع السنوي الـ 52 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أصدرت 54 دولة بياناً يدين استخدام عقوبة الإعدام بحق المحتجين في إيران.

وطالبوا بـ "الوقف الفوري" لإصدار وتنفيذ حكم الإعدام من قبل قضاء النظام بحق المواطنين.

ويؤكد البيان المذكور أن النظام الإيراني أصدر، في الأشهر الأخيرة، أحكاماً بالإعدام على عشرات المشاركين في التظاهرات التي اجتاحت البلاد بعد مقتل الشابة مهسا أميني.

علاوة على ذلك، أصدر النظام الإيراني حكم الإعدام بحق أربعة متظاهرين هم محسن شكاري ومجيد رضا رهنورد ومحمد حسيني ومحمد مهدي كرمي. 

محاربة الإرهاب أم تصديره؟

وفي جزء آخر من خطابه، قال: "لطالما كانت إيران في طليعة مَن يحاربون الإرهاب، ولن تنسى منطقتنا جهود الشهيد سليماني ضد داعش". 

إن تصريحات عبد اللهيان هذه تثبت غطرسته ونفاقه، فقد كان الإرهابي المقبور قاسم سليماني قائداً لقوة القدس الإرهابية طوال عقدين من الزمن، وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء في العراق وسوريا ولبنان واليمن تحت قيادته المباشرة. وهجر الملايين منهم في دول مختلفة، وأمير عبد اللهيان نفسه عضو في هذه القوة الإرهابية، وهو يرتدي الآن «ثياب الوزير».

كراهية النساء أم احترام حقوق المرأة؟

في الجزء الأخير من خطابه، تحدث عن دور المرأة الإيرانية قائلاً: "حققت نساؤنا تقدماً كبيراً في مختلف المجالات، بما في ذلك العلوم والتعليم والصحة والأنشطة الاجتماعية والسياسية، واليوم، ترتبط صورة المرأة الإيرانية في العالم بـ «القدرة» و«الديناميكية» في جميع مجالات الإنتاج السياسية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية الدولية و…". 

فيما يتعلق بهذا الادعاء السخيف للإرهابي عبد اللهيان، ينبغي أن يقال: لا علاقة لتقدم المرأة الإيرانية بطبيعة الفاشية الدينية الحاكمة في إيران، فمن السمات البارزة لنظام ولاية الفقيه "كراهية النساء" وإضفاء الطابع المؤسسي عليه.

إذا كنا لا نريد أنّ نشير إلى جميع البراهين على هذا الأمر، فيكفي أن نذكر أنه في الدورة الاستثنائية لمجلس حقوق الإنسان في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر واجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في 14 كانون الأول/ ديسمبر، برأي الأغلبية الساحقة من الأعضاء، تم التصويت على "طرد" النظام الإيراني من لجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة.

ولطالما كان القمع الوحشي للمرأة الإيرانية أحد النقاط الرئيسة في جميع الإدانات التي تم توجيهها إلى النظام في الجمعية العامة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان. وتجدر الإشارة إلى أن إيران تحمل الرقم القياسي في تنفيذ أحكام الإعدام في العالم. 

خلاصة القول: حاول الحرس الإرهابي عبد اللهيان يائساً استغلال الفرصة لتبييض صفحة جرائم نظامه في مجلس حقوق الإنسان، لكن الشخص الوحيد الذي صدّق كلماته واستطاع أن يخدعه هو "وزير خارجية نظام ولاية الفقيه الفاشي".