د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
الأمن القومي العربي في ظل وجود نظام الملالي في إيران
سعيًا نحو تطويق وإنشاء مناطق نفوذ محتملة في العالم العربي انتهج نظام الملالي بعد ثورة عام 1979 أيديولوجية تقوم على ما أسماه الملالي بتصدير الثورة، لكنهم لم يصدِّروا سوى فكراً سياسياً ساماً مشوهاً وموبوءاً لا يمت بصلة لا لثورة ولا دين أو مذهب، حيث لم يكن الدين إلا عباءة ولا يمكن لأمثال الملالي ومدرستهم أن يكونوا ممثلين للمذهب الجعفري أو صدق الولاء لآل البيت الطيبين الأطهار، وما كان منهم إلا أن استدعوا نهجاً مهجَّنناً بائساً يقوم على إعادة إحياء النزعة الكسروية تحت رداء شيعي يرفضه الشيعة أنفسهم، حيث قام نظام الملالي بأسلمة وتغطية المعطيات الحقيقية لجودهم بالإدعاء الديني، وإعادة صياغتها قبل محاولة تصديرها إلى دول الجوار العربي.
والحقيقة هي أن نظام الملالي يشكل خطراً كبيراً لا تُحمد عقباه على الأمن القومي العربي، فمنذ أن استولى خميني على السلطة عنوة من الشعب برز نظام الملالي كنظام فاشي الطبع تمتد جذوره الفكرية إلى العصور الوسطي، ويستمد منها أفكاره الشيطانية اللاإنسانية التي عفى عليها الزمن، وهو نظام مراوغ في حواراته إلى حد بعيد إذ أنه يتلاعب بمصير شعبه ومصير شعوب المنطقة بالخداع مرتدياً عباءة الإدعاء بالإسلام لكنه لا يَحمل سوى نهجٍ ينطوي على أفكار وتطلعات شيطانية ما أنزل الله بها من سلطان، والإسلام المحمدي بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب، والحقيقة هي أنه عندما قفز هذا النظام البربري على السلطة وتصدى مجاهدو خلق لأفكاره الرجعية المتخلفة لجأ إلى تهديد الأمن القومي العربي بإشعال الحرب مع العراق متطلعاً إلى إنشاء دولة كبرى في المنطقة بشعار شيعي في ظاهرها لكنه يرمي إلى تأسيس أمجاد سلطان توسعي إمبراطوري بفكر كما أردفنا هجين يخاطب ضحالة القوم قومياً وطائفياً ليستقطب به ثلة قليلة جداً من الإيرانيين المُغيَّبين الذين تأثروا بأفكاره الهدامة وبنهجه العنصري الذي يتفق مع سلفه الدكتاتوري وبطانته، لذا فهو ليس بنظام غير جدير بالثقة وإنما أيضا يشكل خطورة كبرى على المجتمعات المحيطة به والمحيط العربي على وجه الخصوص.
وتتمثل خطورة نظام الملالي على الأمن القومي العربي في أنه دائماً ما يسعى إلى تبوء مكانة إقليمية مرموقة في منطقة الشرق الأوسط، وتصدير ما يسمونه باطلاً بالفكر الثوري وهو فكر الملعون خميني، والشروع في نشر تشويههم للدين ورسالة آل البيت الطيبين الأطهار كفكر خاص بهم؛ في كافة الدول العربية والإسلامية لعله يتمكن من تحقيق هدفه المشار إليه على حساب الدول الإسلامية بشكل عام والدول العربية بشكل خاص وإلتهام ثرواتها وهدم مجتمعاتها وتعطيل مشاريع التنمية فيها.
والجدير بالذكر أن نظام الملالي نجح في توثيق علاقاته مع العديد من التنظيمات المتطرفة من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي لها من أمثال حزب الله اللبناني، والحوثيون في اليمن، وبشار الأسد في سوريا، والأحزاب الحاكمة والميليشيات الموالية لإيران في العراق، مما أدى إلى نشر أفكاره بين بعض دول المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تصاعداً لتوجُّهات وأهداف نظام الملالي على المستوى الإقليمي، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على الأمن القومي العربي، خاصة وأن هذا النظام الفاشي نجح في استغلال الظروف الإقليمية والدولية لخدمة مصالحه في المنطقة، واستغلال التداعيات الناجمة عن الاحتلال الأمريكي للعراق، ومن أبرز التأثيرات السلبية للتحركات الإيرانية الإقليمية على الأمن القومي العربي ما يلي:
- استمرار دعم نظام الملالي للعناصر الموالية له في دول المنطقة لتصبح كياناً منفصلاً لها دورها السياسي وتتولى المناصب القيادية في بلادها مبطلةً سيادتها ومهددةً أمن محيطها الإقليمي وامتدادها العربي، مثلما يحدث في العراق للحيلولة دون ظهور دولة عراقية قوية قد تهدد وجود هذا النظام الوحشي أو تردعه عما يخطط له، كما يهدف نظام الملالي إلى مواصلة سياساته السلبية في العراق بغية الاستمرار في زعزعة استقراره، وبحثاً عن امتلاك العديد من أوراق الضغط على الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بتقدمه في برنامجه النووي، وينطوي هذا الأمر بطبيعة الحال على تداعيات سلبية على الأمن القومي العربي، في ظل رغبة دول المنطقة في تهدئة الأوضاع واستقرارها في العراق، وإتاحة الفرصة للسنَّة للمشاركة في الحياة السياسية بشكل أكبر وبإرادة كاملة.
- سعي نظام الملالي إلى استبعاد مصر لما لها من ثقل؛ من أي تريتبات أمنية في منظومة أمن الخليج، بحيث بقيت مقتصرة على الدول الخليجية فقط، خاصة وأن بعض الدول الغربية ومنها دول الترويكا الأوروبية على سبيل المثال تُلمِّح لإيران بأنهم لا مانع لديهم من منحها دوراً أكبر في أمن الخليج، مقابل الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي المتعلقة بقضيتها النووية.
- محاولة نظام الملالي تشكيل تحالف إقليمي ذو بعد سياسي واقتصادي؛ بعيداً عن النظام العربي يجمع في مرحلته الأولى إيران وتركيا، ويضم في مرحلته الثانية العراق وسوريا ولبنان والأردن.
- محاولة نظام الملالي ملء الفراغ الاستراتيجي في العراق بعد انسحاب أمريكا، وتثبيت سيطرة الميليشيات الموالية له على نظام الحكم، فضلاً عن تخطيطه وعمله على عزل العراق عن هويته العربية.
- تطلع نظام الملالي إلى قيادة النظام الإقليمي في منطقة الخليج أمنياً وسياسياً واقتصادياً بعد تغييب العراق وابتلاعه ودون مشاركة مصر، بالإضافة إلى تعزيز قدرة إيران العسكرية وامتلاك القوة النووية.
- مبادرة نظام الملالي إلى تأسيس مراكز لتجمعات بإسم الشيعة لإستخدامها كأدوات من أجل إضعاف القوى العربية الفاعلة في المنطقة، والدليل على ذلك هو التحركات الإيرانية للإرتباط بالشيعة في دول الخليج والهيمنة عليهم ولا سيما مملكة البحرين، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة بعد أن تمكنوا من ابتلاع العراق، وتأسيس الحركة الحوثية في شمال اليمن للضغط على المملكة العربية السعودية.
- استقطاب بعض الدول العربية من قبيل قطر للقيام بأعمال مزدوجة لتعزيز سياسات تسهم في شق الصف العربي وتقسيم المواقف العربية.
- سيطرة إيران على مضيق هرمز وتصعيد تهديداتها بإغلاقه في حالة تعرضها لضربة عسكرية أمريكية؛ لمنع مرور أي حاملات للنفط في هذا المضيق، ولهذا الأمر تداعياته السلبية على الاقتصاد المصري حيث سيقلل العوائد المادية من قناة السويس.
- تطلع نظام الملالي إلى إنشاء دولة خلافة كبرى في المنطقة تضم أجزاء من العراق ولبنان والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط مستخدمًا شعاره المخادع باسم الشيعة والتشيع مستغلاً في ذلك وجود أغلبية شيعية في كل من العراق ولبنان وأقلية شيعية في المملكة العربية السعودية.
10. تمسك نظام الملالي باحتلال الجزر الإماراتية ورفضه أية وساطة لتسوية هذه المشكلة؛ نظراً للموقع الجغرافي المميز لتلك الجزر، الموقع الذي سيسهم في زيادة بسط سيطرته ونفوذه على منطقة الخليج برمتها، ويؤثر هذا الأمر بالسلب على الدور المصري وعلاقاته مع دول هذه المنطقة.
11. يسفر تطور العلاقات الإيرانية مع سوريا وحزب الله اللبناني عن التأثير سلبًا على الأمن القومي العربي؛ إذ إن وجود تحالف استراتيجي بين طهران ودمشق قد أسهم بدوره في خلق تأييد من الجانب السوري لسياسات نظام الملالي في المنطقة، من قبيل التصويت في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم إحالة الملف النووي الإيراني لمجلس الأمن، ومهاجمة سياسات بعض الأنظمة العربية، والدليل على ذلك توطيد دمشق لعلاقاتها مع طهران بشكل ملحوظ على حساب الدول العربية، مما أسفر عن إيجاد مزيدٍ من الفتور في علاقات الجانبين المصري والسعودي مع سوريا، فضلًا عن دعم إيران للنظام السوري في قمعه للثورة الشعبية الثورية التي لا زالت مستعرة حتى الآن.
12. تأثُر النظام السوري بمشاكل نظام الملالي الخارجية ولا سيما مع الإدارة الأمريكية بشأن برنامج إيران النووي، واحتمال أن تتورط سوريا في اتخاذ مواقف مساندة لإيران في حال اندلعت مواجهة عسكرية بين إيران وأمريكا، وهو ما قد سيؤثر سلبًا على منظومة العمل العربي المشترك.
13. استمرار دعم نظام الملالي لحزب الله اللبناني مادياً شجَّع هذا الحزب الشيطاني على مواجهة الحكومة اللبنانية وتعطيل نظام الدولة اللبنانية، وقد أصبح أحد أدوات طهران لاستخدامها في إثارة الأوضاع في المنطقة، والدليل على ذلك هو العمليات الأخيرة بين حزب الله وسلطات الإحتلال في فلسطين المحتلة، الأمر الذي يمكن أن يؤثر تأثيرًا كبيرًا على الأمن القومي العربي في حالة اتساع تلك المواجهة لتصبح حرباً إقليمية.
14. قد يُسهم نجاح حزب الله في تحقيق العديد من النجاحات العسكرية أو في مواجهاته السياسية مع الحكومة اللبنانية؛ في تحفيز الجماعات الإسلامية في دول المنطقة ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين على تهديد الاستقرار الداخلي، خاصة وأن هذه الجماعات مستعدة لتلقي المساعدات من إيران لتحقيق أهدافها.
15. من شأن التحركات الإيرانية على الصعيد الفلسيطيني أن تؤثر سلباً على الأمن القومي العربي، حيث أن المساعدات المالية والعسكرية المقدَّمة من إيران لحماس تسهم في زيادة تشددها ودفعها لاتخاذ خطوات تقوِّض من التحركات على المسار الفلسطيني، إضافة إلى توطيد علاقاتها مع الجماعات الإسلامية بمصر، مما سيؤدي إلى إعاقة الدور المصري لتحريك جهود التسوية السياسية، ويؤثر في مجمله على دور مصر إقليمياً.
16. تكوين تحالفات قائمة على أساس عقدي بالمنطقة في ضوء العلاقات التي تربط حماس بحزب الله اللبناني وإيران، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، حيث تم إجراء لقاءات بين مندوبين من حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين.
17. تصاعد التحديات والتهديدات الأمنية بشبه جزيرة سيناء، وعدم الاستقرار بالمنطقة الحدودية مع قطاع غزة، واستمرار الصراع الإسرائيلي مع حركة حماس المدعومة من إيران، وما يتبع ذلك من الأعباء الأمنية والإدارية.
18. دعم إيران للفصائل الفلسطينية مالياً وعسكرياً لشراء الأسلحة وتهريبها عبر الحدود المصرية مع قطاع غزة؛ يسيء لصورة مصر على الصعيد الدولي، خاصة مع ترويج سلطات الإحتلال لتزايد عمليات التهريب من تلك المنطقة مما يخلق نوعًا من عدم الاستقرار في المنطقة العربية.
19. يعيق دعم إيران لحزب الله في الجنوب اللبناني في توقيتات إجراء المباحثات اللبنانية مع سلطات الإحتلال؛ تحقيق أي تقدم في هذه المباحثات، لا سيما مع توافق هذه التحركات مع التوجُّهات السورية، المتمثلة في عدم الفصل بين المسارين السوري واللبناني لحين إحراز تقدم على المسار السوري - الإسرائيلي، الأمر الذي يحد من أي محاولات لتنشيط عملية السلام في هذا الصدد.
20. التطلعات الإيرانية المستقبلية لامتلاك السلاح النووي قد تزيد من التأثير الإيراني على حزب الله اللبناني، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتن، والنظام السوري داخل المسارات المختلفة لعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط.
21. دعم إيران للجماعات الفلسطينية المتشددة والمؤثرة على القضية الفلسطينية، من قبيل منظمتى حماس والجهاد الإسلامي؛ قد يؤثر بالسلب على النتائج التي سبق التوصل إليها بين السلطة الفلسطينية وسلطات الإحتلال الإسرائيلي بما يؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي العربي.
وفي الختام أقول: نحن العرب لم ولن نكن في غفلة عن مخططات نظام الملالي التي نرفضها وقادرين على مواجهتها، وفي الوقت ذاته دعاة خير وسلام مع من يؤمن بالخير والسلام؛ لكننا ندرك أيضاً أن نظام الملالي لا يؤمن بمبدأ الخير والسلام ولا يعرف سوى منطق القوة الذي إن غاب تمدد النظام الإيراني وقضى على أمن واستقرار المنطقة بأسرها، ولا خيار لدينا سوى وجود إيران ديمقراطية شعبية غير نووية آمنة مستقرة داخليًا تحترم مبادىء حسن الجوار والأمن والسلم الدوليين؛ ويتطلب هذا الخيار الآن دعماً تكتيكياً جاداً للثورة الإيرانية، وهو الأمر الذي سيلبي مطالب الشعب الإيراني ويتماشى مع ثوابت ومتطلبات الأمن القومي العربي.
د.سامي خاطر / أستاذ جامعي