نبيل إسماعيل فهمي يكتب:

على ضوء الاتفاق السعودي الإيراني.. اقتراح مصري على الأمير الراحل سعودي الفيصل

القاهرة

سعدت بخبر اتفاق إعادة العلاقات السعودية الايرانية، والذى تتضمن أهم بنوده، استئناف العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، وعقد اجتماع بين وزيرى الخارجية لتفعيل ذلك ولمناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، وفى هذا الصدد تقرر استئناف الاتفاق الأمنى الموقع بينهما عام ٢٠٠١
سعادتى تأتى لأسباب مختلفة من وزوايا متعددة، رغم قناعتى ان فتح السفارات هو وسيلة لصيانة المصالح، وليس هدفا فى حد ذاته، فكنت دائما ممن يرون أهمية استمرار أبواب السفارات مفتوحة ووجود الدبلوماسيين على الأرض، إلا فى ظروف استثنائية تتعلق بالاعتراف المتبادل والشرعية والعدوانية، وذلك لأن دور الدبلوماسى هو تقييم الأوضاع بدقة، ونقل الرسائل بحرفية وأمانة، وقد شهدنا احتفاظ الدول الكبرى لسفاراتهم قائمة حتى فى حالات التوتر والصدام، ولعلنا نتذكر الدور الهام للسفير السوفيتى أناتولى دوبرينين فى توصيل رسائل حساسة فى لحظات تاريخية وحاسمة اثناء أزمة الصواريخ السوفيتية فى كوبا عام ١٩٦٢
ومن أسباب سعادتى كذلك أننى لا ارى إمكانية المضى نحو الأمن والاستقرار بالشرق الاوسط فى غياب استقرار العلاقات السعودية الايرانية، وهو نفس ما سبق أن قلته بالنسبة للعلاقات المصرية التركية، وكذلك بالنسبة للوضع الفلسطينى الإسرائيلى. ورغم أن استئناف العلاقات بالخليج العربى مجرد خطوة أولى تحتاج لإجراءات وممارسات لترسيخها، فالتباين واسع ومتعدد حول أمن الخليج والملف النووى والصواريخ والمشرق العربى والترتيبات الأمنية وغير ذلك. ما أعلن خطوة مهمة تعكس رغبة بين البلدين للانتقال من القطيعة الرسمية بينهما إلى مسار علاقات طبيعية، بكل ما تحمله من فرص وتحديات، وستحدد الأفعال أيا من هذه المسارات سيكون له الرصيد الأكبر فى الميزان، مع مرور الزمن والأحداث وردود الفعل خلال فترة زمنية متواصلة ستشهد بعض التحديات وحتى الكبوات، لذا جاءت الإشارة إلى اجتماعات قادمة لوزير الخارجية فى محلها تماما، لأن مسار الحوار الدبلوماسى السياسى مهم بل ضرورى لتخطى كم غير قليل من التراكمات التاريخية السلبية وضمان التعامل الحكيم مع جهود متوقعة من أطراف اقليمية ودولية غير مؤيدة للتهدئة السعودية الايرانية.
هذا وقد وفق الجانبان السعودى والإيرانى فى التنويه إلى أهمية احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، لإعطاء جدية ومصداقية لإعلان استئناف العلاقات، باعتبار أن الخلافات بينهما والشكاوى السعودية بشكل خاص ارتبط بممارسات ايرانية غير مقبولة فى هذا الشأن.
كما لاستئناف الاتفاق الأمنى الموقع بين الجانبين منذ عقدين من الزمن أهمية خاصة، باعتبار أن أغلب الخلافات بينهما ترتبط بقضايا الأمن القومى، وأن الأجهزة والمؤسسات الأمنية هى دائما الاكثر حذرا وترددا فى فتح قنوات اتصال سياسية قبل الاطمئنان للنوايا والأفعال من خلال اتخاذ خطوات محددة وملموسة، ومن ثم يوفر تفعيل الاتفاق الأمنى ثقلا سياسيا لإعلان استئناف العلاقات ودعم المؤسسات الوطنية المحافظة والمتحفظة له.
ولعله من الملائم الإشارة إلى حوارات دارت بينى كوزير خارجية مصر والمرحوم الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودى خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ٢٠١٣، وتفاهمى معه على جس نبض وزير خارجية ايران فى بدء حوار سعودى إيرانى اذا اخذت ايران خطوة لبناء الثقة تعكس جدية الاطراف المتشددة والمحافظة لديها، والمقترح الذى نقلته لوزير خارجية إيران حينذاك فى صباح اليوم التالى كان البدء فى استئناف واحترام الاتفاق الأمنى السعودى الإيرانى، وبالفعل بدأت الحوارات السعودية الإيرانية بين الاجهزة الامنية. واستمرت شهورا قبل أن تتوقف مع أحداث اليمن، وقد تناولت هذه الاتصالات بالتفصيل فى كتابى «فى قلب الحدث... الدبلوماسية المصرية فى الحرب والسلام وسنوات التغيير» الصادر عن «دار الشروق» عام ٢٠٢٠.
ومن المؤشرات الهامة فى هذا الاتفاق أن الحوار السعودى الإيرانى تم خارج المنطقة، على عكس حوارات أخرى تمت فى بغداد أو مسقط، وكانت المفاجأة أن تكون الصين هى الدولة المضيفة، وهو أمر غير معتاد، خاصة ويتعلق بدول خارج الإطار الآسيوى القريب من الصين. وهنا اعتقد ان هذه الاستضافة مرتبطة بعدد من الأمور، تشمل اعتماد الصين على مصادر الطاقة الشرق أوسطية، وخروج الصين من دائرة الدبلوماسية المحكومة والمحدودة والبدء فى ممارسة الدبلوماسية العالمية النشطة، وهو تطور وعزم عبر عنه وزير الخارجية الصينى الجديد تشين جانج منذ أسبوع، وعكسه أيضا خطاب الرئيس الصينى شى جين بينج بمناسبة فوزه بولاية رئاسية ثالثة منذ أيام. كما تجب الاشارة إلى أن الصين سبق أن اقترحت مبادرة من خمس نقاط لتحقيق الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط من خلال الحوار.
وقد تابعنا ردود الفعل المنضبطة من المصادر الغربية والامريكية عن مضمون الاعلان السعودى الإيرانى، ولا مبالغة فى القول إن الإعلان سيكون محل دراسة وتقييم دقيق فى الغرب، وإنما اعتقد مبدئيا ان الغرب يرحب به حقا ليتجنب الانزلاق نحو صدام عسكرى مع إيران بسبب برنامجها النووى، على غرار ما تسعى اليه إسرائيل، رغم ان التعاون الايرانى الروسى ارتباطا بأحداث أوكرانيا زاد من التوترات الغربية والغضب من إيران.
أكتب هذه الملاحظات خلال اشتراكى فى مؤتمر يعقد فى الهند حول النظام الدولى ويحضره الكثيرون من ممثلى الدول والمؤسسات والمصالح الغربية. وشعرت خلاله بغضبة غربية جامعة تجاه روسيا ازاء احداث اوكرانيا، وقلق غربى وآسيوى كبير وإنما أقل حدة من بروز الدور الصينى وممارستها للعلاقات الخارجية بثقة متزايدة وطموح أوسع، واثق ان الاعلان السعودى الإيرانى والاستضافة الدبلوماسية الناجحة للصين ستحظى باهتمام كبير وملاحظات متعددة خلال الجلسة الختامية، خاصة وأنه سبق أنه بعد ذلك تمت الاشارة فى اليوم الاول إلى زيارتى رؤساء امريكا والصين إلى السعودية وتباين النتائج خلالهما لصالح الصين.