سلام محمد العبودي يكتب لـ(اليوم الثامن):
الانتفاضة الشعبانية والتشويه الصدامي
عمد نظام صدام منذ خطفه الحكم, على تشويه الحقائق للتغطية على جرائمه, وقد عرف بتصفية أقطاب حزب البعث, وقد اتهمهم بالتآمر على الحكم, للتخلص منهم, كي يصل لمآربه الخبيثة, أما مع الشعب العراقي, الذي كان يخافه أيما خوف, فقد عمل على إلهائه بالحروب, كي يأمن ثورته.
الإجرام والتغطية عليه ليس صعباً, على بعض الحُكام, فباسم الشعب من الممكن إصدار القوانين, التي تبيح للمُجرم فعلته, التي تحقق الهدف, كان صدام حسين يهدف للتوسع, وان يكون القائد الأوحد, والأقوى في المنطقة بدلاً من شاه إيران؛ محمد رضا بهلوي الذي, أطلق وهب لنفسه لقب ملك الملوك, مدعوماُ من أمريكا وبريطانيا, لحماية مصالهم في المنطقة, والذي انتهى حكمه, بالثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
عام 1980 وفي شهر أيلول, قام الجيش العراقي, بأمرٍ من صدام بحربه على إيران, مُمهداً لشرعنة حربه, بالتوسع للجمهورية الإسلامية, على حساب العراق, واستيلائها على أراضٍ عراقية, في جلسة ما يسمى( المجلس الوطني) ناقضاً للإتفاقية التي عقدها, مع شاه إيران, عام 1975 من طرف واحد, ليطلب بعد شهر إيقاف الحرب, بعد أن احتل بعض المدن الحدودية, إلا أن الحكومة الإيرانية, رفضت ذلك الطلب, إلا إذا انسحب العراق للحدود الدولية, وتعويضها عن الأضرار, التي أصابتها جراء ذلك الاعتداء, لتستمر الحرب ثمانية أعوام, تكبد فيها البلدان, الكثير من الخسائر البشرية والمادية.
مضت سنتان بعد الحرب الإيرانية, ليتفاجأ العالم بدخول حرب أخرى, وهذه المرة اجتاح إمارة الكويت بالكامل, في الساعة الرابعة فجراً, من يوم 11 محرم عام 1411, المصادف 2/8/1990, لتتشكل حكومة صورية, برئاسة العقيد علاء حسين يوم 4/8, على أنه انقلاب داخلي, ليعلن العراق يوم 9/8/1990, ضم الكويت للعراق, وجعلها المحافظة 19, باعتبارها دولة مقتطعة من الأراضي العراقية, مع أن للكويت سفارة في العراق, وسفارة عراقية بالكويت, متصوراً أن شرعنة ذلك الغزو, ستعطيه الشرعية بالبقاء محتفظاً بالكويت, متبجحاً بالقوة العسكرية التي يمتلكها العراق؛ متصوراً أن باستطاعته تحدي كل العالم.
جهودٌ عربية وإقليمية ودولية, بذلت لإقناع صدام بالانسحاب, والتفاوض دبلوماسياً, حول الخلافات التي تذرع بها الطاغية, إلا أنها لم تفلح وفشلت بالكامل, ليتخذ مجلس الأمن الدولي, القرار 661 القاضي بفرض الحصار الاقتصادي, يوم 6/8/1990 كورقة ضغط, على العراق وانسحابه من الكويت, إلا أن العناد الصدامي, وتشبثه بما قام به, واستخفافه بالقرار الدولي, أدى إلى تُجيش امريكا جيوشاً, عربة ودولية لإخراج العراق بالقوة, وعبثاً حاول بعدها الخروج وإيقاف الحرب, إلى أن تم تحطيم القوة العسكرية, وهدم البنى التحتية, والتضحية بالأرواح نتيجة عنجهيته.
بعد يومٍ واحد من إعلان بوش الابن؛ إيقاف الحرب على العراق, وفي حالة الاضطراب الأمني, انطلقت في البصرة الانتفاضة الشعبانية, لتزامنها مع شهر شعبان, لتنشر بسرعة أربكت النظام الصدامي, فهرب كل الرفاق من فرقهم وبيوتهم, امام جموع الشعب المنتفض, هائمين على وجوههم, لبس قسم منهم عباءة زوجته, للخلاص من أيدي المنتفضين, لتمتد الانتفاضة العارمة, الى محافظات الناصرية والعمارة وواسط, والى السماوة والديوانية والنجف وكربلاء والحلة, حتى وصلت لأطراف بغداد, إضافة الى لقيام الانتفاضة, في شمال العراق.
بالنظر لدخول الجناح العسكري, للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية, الذي يقوده زعيم المعارضة حينها, السيد محمـد باقر الحكيم قدس سره, استشعرت دول الخليج, وعلى رأسها المملكة السعودية الخطر, لخوفها من انضمام جنوب العراق ووسطه, للجمهورية الاسلامية في ايران, ليشكل ذلك خطراً على مصالحها, فأقنعت أمريكا بفسح المجال لنظام صدام؛ لقمع الانتفاضة والقضاء عليها, سامحة له باستعمال الطائرات المروحية, والمدفعية والدبابات والصواريخ, وكافة الأسلحة المتوسطة والخفيفة.
أثناء تلك الفترة قام نظام صدام, من خلال أجهزته وجلاوزته المجرمين, باختراق صفوف المنتفضين, ليدخل مجاميع للتصوير, وإجراء اللقاءات على أنهم محطات فضائية, ليصور مكامن الضعف, وبعد أن عجز عن الاجتياح, للمحافظات المنتفضة قام برشقات من الراجمات, على محافظة النجف وكربلاء, ناهيك عن القذائف المدفعية, واستهدف من خلالها المراقد المقدسة, بتلك المحافظتين وقتل الكثير, إضافة لحملات الاعتقال, التي طالت حتى العلماء, ومن ضمنهم السيد علي السيستاني.
لم تقتصر إعمال صدام, أثناء قمع الانتفاضة الشعبانية, على القتل والتعذيب والترويع, بل استعمل آلته الإعلامية, بتشويه الانتفاضة من خلال, بث الأكاذيب ومنها, أنهم إيرانيون أتو للثأر من العراقيين, بينما الحقيقة هي, عدم مشاركة أي قوة ايرانية فيها, وكذلك قام بعض المندسين, من وكلاء الأمن والرفاق, بحرق الدوائر والمؤسسات الحكومية, وإلصاق التهم بأبناء الشعب المعارضين, ووصفهم بالغوغائية.
لقد كانت نتيجة الضحايا, في الانتفاضة الشعبانية, 9500 شهيد وأسر 13 من المدنيين, والآلاف من الذين استطاعوا, اللجوء الى رفحاء في السعودية, ليهاجروا بعدها لدول عدة, في أصقاع العالم, جزءٌ قليل من هاجروا, إلى جمهورية ايران الإسلامية, والأغلبية تشتتوا في كندا, والولايات الأمريكية واستراليا وغيرها, من الدول.
تلك كانت صفحة من صفحات الجهاد, ضد أعتى نظام إجرامي, حكم العراق لخمسة وثلاثون عاماً, صفحة مشرفة للشعب العراقي للمجاهدين, والصابرين ممن بقوا تحت المطرقة والسندان, فما بين الحصار والسجون والخوف دروساً وعِبر؛ يجب أن لا تنساها الأجيال.