محمد جواد الميالي يكتب لـ(اليوم الثامن):
الشرق الأوسط الجديد.. تأثير الأتفاق السعودي الإيراني على العراق
شهد الشرق الأوسط لحظة تاريخية برعاية صينية، حيث وقعت السعودية وإيران أتفاقية رائدة تعد بإعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي في المنطقة، وفتح آفاق جديدة للتعاون والتنمية بين البلدين، وتأثيره على العراق الذي يعاني من تحديات داخلية وخارجية منذ عقود.
تم الإعلان في 10 مارس 2023 عن الأتفاق السعودي الإيراني، حيث سبقه عدة مفاوضات سرية أستمرت لشهور بين الخصمين، وكان الأعلان بوساطة التنين الصيني، وتتضمن الإتفاقية العديد من البنود الرئيسية، مثل الإعتراف المتبادل بسيادة كل طرف ووحدة أراضيه، والتعهد بتجنب المواجهات العسكرية ودعم الحلول الدبلوماسية، والالتزام بتعزيز العلاقات الإقتصادية والأمنية والثقافية، ويعتبر هذا الأتفاق إنجاز كبير للقضاء على الأقسام السني الشيعي طويل الأمد، وتغيير محتمل لقواعد اللعبة في الشرق الأوسط.
بالإضافة إلى أن لهذا الأتفاق التأثير الكبير على العراق الذي يشترك بحدوده مع كل من السعودية وإيران، كما أن لديه علاقات معقدة بين هاتين البلدين، من ناحية أخرى فأن العراق ذو أغلبية شيعية تمتلك علاقات وثيقة مع إيران الجارة، التي بدورها دعمت بعض القوى الشيعية والأحزاب الموالية لها، كذلك فإن بالمقابل هناك السنة العراقيين وعلاقاتهم التاريخية مع المملكة العربية السعودية، التي قدمت الدعم المالي والسياسي لمختلف الجماعات المتطرفة والسياسية في العراق، كل ذلك جعل العراق ساحة معارك للعديد من القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة وتركيا، التي لها أجنداتها الخاصة في العراق، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
حيث يمكن لهذا الأتفاق أن تكون له تداعيات كبيرة على عدة أصعدة ومجالات، من ضمنها الأمن القومي العراقي، حيث أن هذا التقارب من شأنه أن يقلل من مخاطر نشوب أي صراع عسكري مباشر بين الخصمين، والذي يمكن أن يمتد إلى الأراضي العراقية، علاوة على ذلك يمكن لهذه الإتفاقية أن تشجع مختلف الجماعات الشيعية والسنية على السعي للتوصل الى حلول سياسية سلمية وشاملة، بدلاً من اللجوء إلى العنف والإرهاب.
كذلك يمكن للأتفاقية أن تكون نقلة نوعية من الناحية الإقتصادية، وتخلق فرصاً جديدة للإستثمار من قبل البلدين في العراق، لا سيما في مجال التجارة والطاقة والبنى التحتية، كما أن العراق يمتلك أحتياطيات نفطية هائلة ولكن قدرته بالتكرير محدودة، لذلك يمكن له أن يستفيد من الإستثمار المشترك بين البلدين لنقل التكنلوجيا، للوصول لمرحلة متطورة في التكرير النفطي، كذلك يمكن أن يساهم بدخول العراق لأتفاقية الحزام، ويكون مركز عبور للمبادرة التي تهدف إلى ربط آسيا وأوروبا وأفريقيا من خلال شبكة من سكك الحديد والموانىء وخطوط الأنابيب.
أما من الناحية الدبلوماسية فإنها ستعزز مكانة العراق في المنطقة وخارجها، حيث كان له دور كبير في تعزيز الحوار بين إيران والمملكة العربية، قبل دخول الصين على خط الحل، لذلك يمكن للعراق الإستفادة من هذه الوساطة والدعم الصيني الحاصل، لأن الصين اليوم برزت كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط مع تزايد نفوذها الإقتصادي والسياسي، وإنحسار الغريم الامريكي.
إذاً فإن الإتفاقية تعتبر تطوراً هاماً في الشرق العربي، وسيكون لها أثرها الإقليمي ونمو أقتصادي يعود بالفائدة على العراق، الذي عانى عقوداً من الحروب والصراعات، وحان الوقت للإستفادة من موقعه الإستيراتيجي وموارده وتنوعه الديني لتعزيز السلام والإزدهار، والتعاون الثلاثي المشترك الذي سيعبر بالمنطقة إلى الشرق الأوسط الجديد.