د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
شتان بين عفو الصعاليك؛ وعفو الدول ذات المؤسسات
عفو ولي فقيه الملالي (عفو ...؟) لا يجسد دين ولا فضيلة
أكتب كلمة حق بوجدان يتعصر ألما وحزنا على من أَلمَ بهم الظلم والقهر على يد مدعين لا يستحون من الله ، أكتب إيماناً وإنصافاً على مسؤوليتي والله ربي وخالقي.. فقد جاوز الظالمون المدى وتجردوا من الحياء والرشد وبات رجمهم بأقلامنا مسؤولية على كل حر، وفريضة واجبة على كل غيور، وقد يتحاشى البعض نشر هذا المقال لأسبابهم وقد لا يروق للبعض الآخر، وهنا لا يهمنا سوى الحقيقة لا غير، ورضى الناس غاية لا تُدرك؛...
نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران بإسم الدين نظام غني عن التعريف لدى الكثيرين في هذا العالم، إلا أنه ومع كامل الأسف لايزال هناك العديد من المغرر بهم عالقين في شباك مصائده ومكائده بإسم الإسلام وآل البيت، والإسلام دين فضائل، وآل البيت الطيبين الأطهار جسدوا الإسلام حقيقةً وقيمةً وقيماً وفضائل، أما الملالي ومن تبعهم فلا طاقة لهم بالإسلام وقيمه وتعاليمه وهو أسمى وأعلى مما يدعون ولا يوافق أهوائهم، لذا لم يبقى لهم سوى الإدعاء وإدعائهم مفضوحٌ بجهلهم وبغيهم، وفي الحقيقة لا علاقة لهم بالإسلام ولا بآل بيت النبي صلوات الله وسلامه عليهم وما ينتهجونه يستحق مواجهته وإدانته بشجاعة من علماء المسلمين السنة والشيعة على حد سواء؛ فاتباع الإسلام شرطه أن يكون بإحسان وليس بهذا الحجم من التشويه القائم على يد ملالي الرذيلة في إيران.
دكتاتوريتان حاكمتان لإيران؛ كانت إحداهما بإسم دكتاتورية (ولي النعم) وقُبِرت وبقيت فلولها، قُبِرت وأحلوا محلها دكتاتورية متممة مكملة للمسيرة بإسم دكتاتورية (ولي الفقيه) وأبقوا الشعب الإيراني المنكوب بين خياري قبيح وأقبح لكن القاضية القادمة لن تبقي منهم ولن تذر، ومن أزاح دكتاتورية ولي النعم لن يزيح الملالي فحسب بل ستجعل عمائمهم وما في بطونهم حبالا لمشانقهم جراء من فعلوا ولا زالوا يفعلون.
عفو الولي الفقيه (خليفة ولي النعم)
كنا قد أشرنا في مقالات سابقة على أن العفو الذي أعلنه نظام الفاشية المدعية باسم الدين في إيران ليس عفوا وإنما هروبا من أزمة كبيرة أراد رئيس السلطة القضائية إنقاذ نفسه منها حيث لم تعد هناك طاقة استيعابية داخل السجون في إيران وتعجز سلطة ملالي الظلام عن إدارة ذلك الكم الهائل من السجناء إداريا وماليا حيث يعاني السجناء من الجوع والعديد من الأمراض منها الجلدي الوبائي ومنها الأمراض الأخرى المستعصية إضافة إلى إنتشار المخدرات داخل السجون بتسهيلات وتخطيط من إدارة السجون وباتوا يقدمون الحبوب المخدرة بديلا عن العلاج مما عزز من أوضاع الجريمة المُمارسة في السجون عندما تصبح المخدرات هدية لسجناء مجرمين بطبيعتهم إذا تعاونوا مع السجانين في ضرب وإهانة وقمع السجناء السياسيين الذين ينزلون معهم في نفس المحاجر (الزنازين) إذا لا تعمل سلطات ولي الفقيه بمبدأ العزل بين السجناء فالكل عندهم مجرمون حتى وإن طفلا حدثاً، هذا ويبيت السجناء مكدسين بشكل مهين مرعب في عنابرهم وفي الممرات وينامون بالتناوب.
لم تعد هناك أماكن في السجون لزج المزيد من الأبرياء فيها ولازالت الإنتفاضة الوطنية مستمرة ولازال نهج النظام القمعي مستمرا قتلا وخطفا واعتقالات، ولم يكن لدى الملالي خيارا سوى ما أسموه بالعفو الذي منوا به على الشعب وسجلوه موقفا دوليا راحوا يتغنون ويتراقصون به في الإعلام وأمام النظام الدولي المتواطئ معهم بتغاضيه عن جرائمهم ودعمه المباشر وغير المباشر لهم.
ما يجري في إيران اليوم على يد الملالي فعل صعاليك مجردين من كل فضيلة متقدمين على كل رذيلة وقبح، ولا يمكن لي أن أصفه بأقل من ذلك؛ فما أصدره ولي الفقيه من عفو لم يكن مكرمة منه ولا عفو دولة مؤسساتية حقيقية تنظر في القضايا وتعيد النظر من أجل تبرئة إنسان ليس بمجرم وإنما صاحب رأي أو قضية يرى فيها حقٌ له، علما بأن أغلبية السجناء والمعتقلين في دهاليز سجون الملالي المرعبة هم من السجناء السياسيين، والسجناء الذين ترتبط مخالفاتهم ولن أسميها جرائمها ترتبط بظلم الملالي وعجزهم عن إدارة الدولة وإقامة العدل وهي مبوبة في الجوانب والدوافع السياسية أيضا..؛ وكيف يمكنهم إدارة دولة أكبر من حجمهم وإحقاق ما لا يعرفونه ولا يجيدونه ولا يعنيهم فالثورة مسلوبة وحكم الشعب مسلوب.
نماذج من العفو المزعوم عفو الصعاليك
بالعودة إلى العفو (عفو المحتالين والصعاليك) من المفترض أن يشمل العفو جميع السجناء السياسيين بالدرجة الأولى بمن فيهم سجناء ومعتقلي الإنتفاضة الوطنية الإيرانية عفواً دون قيد أو شرط ؛ عفوا لا يستعبدهم ويقيد حرياتهم وينتقص من كرامتهم داخل المجتمع.
ما معنى العفو وهم يطلقون سراح إمرأة لتقضي بقية فترة حكمها في بيتها مكبلة بالأصفاد في قدميها وتحت مراقبة السلطات إذ يتوجب عليها مراجعة دوائر القمع بين حين وآخر يكسرون حيائها ويمسون كرامتها في بيتها ومجتمعها وقد يكون وقع الأمر نفسيا عليها أقسى من وجودها بين جدران السجن وقبحه وسوء طعامه وكثرة أمراضه حيث تتساوى في النظرة والتعاطي مع قريناتها السجينات.. للأمر وقعٌ نفسي مُهلِك.
ما معنى أن يطلقوا سراح إمرأة أخرى لتقضي خمس سنوات سجن في بيتها مكبلة بالأصفاد في قدميها وهي لا جرم لها سوى أنها طالبت بالمقاضاة والمساءلة في إعدام أخيها بالباطل حيث شابت قضية إعدامه ملابسات كبيرة ومتعددة، كما أنها أحق السجناء بالعفو الفوري وغير المشروط خاصة وأن سلطات النظام قد نكلت بعائلتها تنكيلا بعد إعدام إبنهم، ولا تقف العقوبة عند هذا الحد بل يضعون بيتها وهاتفها وكمبيوترها تحت المراقبة بالإضافة إلى عقوبات إضافية أخرى.. هل تسمون هذا عفواً.
هل تسمون العفو الذي يشترط على السجين السياسي أو سجناء ومعتقلي الإنتفاضة أن يعترفوا بقائمة من الجرائم الباطلة المرعبة كي يفرجون عنهم ثم يستدعونهم لاحقا بتهمة النية في ارتكاب عملا يزعج السلطات وهذا ما سيعيد التهم السابقة التي اكرهوهم على الإعتراف بها فيوقعون بهم أشد العقوبات التي تصل إلى الإعدام، وفي نظام كنظام الملالي الفاشي يُحاسب المرء ويُحاكم على نيته ويراقبونه ويقمعونه في الشوارع بلعبة الطائرات المسيرة التي اشترتها خفافيش الظلام في طهران من الغرب واليوم تهدد بها البشرية داخل إيران وخارجها في العراق وأوكرانيا وسوريا واليمن.
ربما يشمل عفو الملالي سجناء مرتكبي جرائم خطيرة فعلا ودون قيد أو شرط أو برشاوى أو بإتفاقات وتزكية بين السلطات الأمنية والسلطة القضائية بأن هذا المجرم أو ذاك سيكون أداة طيعة وعونا في مراقبة السياسيين والتجسس على أفراد المجتمع مقابل العفو عنه بل وقد يغضون البصر عنه إذا مارس تجارة ما ممنوعة، حيث لا يجد نظام الملالي في تجار المخدرات والقتلة والمهربين أعداءا له بل مخالفون للقانون فقط .. ويبقى السجناء السياسيون وخصوم الرأي هم أعدائه الحقيقيون ولم يقصر في التنكيل بهم وإبادتهم.
فأي عفو صعاليك هذا، وأي أنظمة بائسة هذه ؛ وأي عفو هذا الذي لم يشمل حتى سجناء بسطاء من دول أجنبية تم أخذهم كرهائن في صورة سجناء مخالفين للقوانين، وتبقى الدول دولا بمؤسساتها وقوانينها الراقية الرصينة ويبقى الصعلوك صعلوكا حتى لو ألبسته رداء الأنبياء.. وأتساءل هل سيشمل العفو إعادة مدرسة إلى عملها بعد أن قتلوا طفلها ذو التسع سنوات وأقعدوا أبيه.. لقد صدق من قال (إن لم تستحي فاصنع ما شئت).
د.محمد حسين الموسوي(د.محمد الموسوي) / كاتب عراقي