عبدالرزاق الزرزور يكتب:
هيمنة النظرة المذهبية تطغى على السياسة الداخلية في إيران
بات من السهل معرفة السبب الرئيس وراء غليان الشارع الإيراني خلال الفترة القليلة الماضية وما نتج عنه من اشتعال فتيل الإنتفاضة الوطنية إيذاناً بانطلاق الثورة العارمة بعموم الجغرافيا الايرانية ، بسواعد الشباب والرجال والنساء يقدمون القرابين من زهرة شبابهم ودماءهم على مذبح الكرامة من أجل خلاص عموم الشعب الايراني، وكانت قيادة النساء للإنتفاضة الإيرانية وحجم تضحياتهن خير على عمق معاناة الشعب بشكل عام ومعاناة النساء من الطفولة حتى المشيب على يد تلك السلطة الهمجية التي تحكم إيران وتستعبد شعبها، حيث لم يسلم صغيرا ولا كبيرا من بطش هذه السلطة.
مؤمنون بأن للحرية بابٌ بكل يدٍ مُضرجة يُدقُ
وقد بانت سوءة نظام الملالي أكثر مما كانت ولم يعد بمقدوره أن يواريها بعد سقوط شرعيته وفقدانه أخر ورقة من أوراق التوت بإمعانه التنكيل بالشعب الأعزل المطالب بحريته وكرامته واستعادة وطنه المستباح، وكل شعارٍ من الشعارات الجماهيرية التي يرفعها ويهتف بها الشعب تجدد إسقاط شرعية النظام كل لحظة وأخرى، وكل شهيد ينال شرف الشهادة من أجل الحق يُلبس ملالي السوء ثوب العار، ولم يكن سبب ثورة الشعب الإيراني فشل نظام الملالي في تحقيق العدل والمساواة بين أبناء الشعب الإيراني وتلبية احتياجاته ومطالبه اليومية طيلة الـ 44 سنة من عمر حكمه وانفراده بالسلطة وفرض رؤيةٍ وفكرٍ سياسي ومذهبي رجعيٍ ضيق كافة على مكونات الشعب الإيراني المتمازج بطوائفه ومذاهبه؛ وإنما سبب هذه الثورة الممتدة منذ إسقاط دكتاتورية الشاه هو رفض الشعب كلياً لوجود عصابة الملالي على سدة الحكم وسعيهم الحثيث لإستعادة ثورتهم المسلوبة، القصاص لدماء أبناء الشعب المسفوحة وإزاحة المجرمين من الوجود ومحاسبة كل من أجرم بحق الشعب والوطن.
لم يكن الوعي الديني والفكري والثقافي والتاريخي لدى الشعب الإيراني قاصرا أو محدودا حتى ينصب الملالي أنفسهم وصاة عليه مدعين خلافة الله على الأرض، وكانت ولا تزال النهضة الفكرية في أوجها وها هي تتجسد في مسيرة المقاومة الإيرانية ونضال المرأة الإيرانية في المقاومة وفي منظمة مجاهدي خلق وفي المواجهات مع ملالي الطغيان وأفكارهم الرجعية الباطلة المهينة للدين والعقائد، وكانت تلك النظرة الضيقة التي اتبعها النظام الإيراني قد أوقعته بمأزق سياسي خارجي، وأكبر منه داخليا مما انعكس سلباً على الأيديولوجية والسياسات الاقتصادية في ايران مخلفة وراءها حالة من الإستعباد والإستبداد الدموي، وطبقات متفاوتة على نحو سافر في الكرامة والحقوق والفرص ومستوى المعيشة، وجعلت المواطنة درجات فمن يسير في مدارهم يكون منهم ومواطنا صالحا من الدرجة الأولى له ما له من الإمتيازات وأما من يرفض باطلهم فلا حرية ولا كرامة ولا حقوق هذا إن نجوا من القمع والإعدام.
إن وقوع الدولة الإيرانية تحت سلطة متعجرفة جاهلة فاسدة مستبدة، وقبضة أمنية متشددة تحمي تلك السلطة لا يمكن أن يؤدي إلا إلى مزيد من الرفض الشعبي التام والذي وصل اليوم إلى استعداد أبناء الشعب للشهادة على أرضية شوارع النضال من أجل غاية سامية وهي أن يعيش أبناء شعبهم من بعدهم أحراراً وأعزةٍ أباةً يملكون خيارات وجودهم الكريم في هذه الحياة ويصنعون مستقبلهم من خلال ما يحققونه من أعلى مستويات الإزدهار في بلادهم.
وما أشار إليه إمام أهل السنة في زهدان مولوي عبدالحميد بشكل صريح في خطبته يوم الجمعة الماضية كان معبرا عن مدى الطغيان الذي ينتهجه النظام، ومسيرة التخبط السياسي والإداري على كافة الأصعدة، ويأتي تأكيد الشيخ مولوي عبدالحميد على أن الجمود السياسي وانسداد الآفاق الدولية والمشاكل التي تعصف بالبلد سببها تلك النظرة المذهبية المترسخة بعقيدة حكام الملالي معبرا عن مدى الوعي السياسي لدى كافة مكونات الشعب ورفضهم لغة الإكراه.
من هنا لا بد أن تتكاثف الجهود الدولية لتقديم المساعدة اللازمة للشعب الإيراني وقيادته الواعدة المتمثلة بالمعارضة الحرة ومجلسها الثوري لإسقاط تلك الطغمة وقيام دولة إيرانية على اسس ديموقراطية توفر للشعب الحرية والكرامة والمساواة.
عبدالرزاق الزرزور / محلل سياسي ومحامي وناشط حقوقي