د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):

مسار الانتفاضة الإيرانية في سطور

من الثوابت: لا يضيع حقٌ وراءه مطالب، والظالم ذاهب بلا رجعة لا محالة، والله مع الصابرين.

ربما تكون الانتفاضة الشعبية في إيران متطابقةً مع الانتفاضات الشعبية التي شهدتها الدول العربية أثناء الربيع العربي، حيث أنها انطلقت احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وسرعان ما اكتسبت طابعاً سياسياً؛ بسبب القضايا الاجتماعية التي تراكمت على رؤوس المواطنين لعقود عديدة، والحقيقة هي أن الانتفاضة الإيرانية الحالية تشكل أكبر تحدٍ لنظام الملالي الحاكم لإيران منذ عام 1979، حيث أنها تضرب شرعية هذا النظام الفاشي في مقتل، وتكشف النقاب عن حجم الخلل في هيكله السياسي والاقتصادي المتمثل في انقضاض قوات حرس نظام الملالي ورجال الدين بمخالبهم على معظم موارد البلاد وثرواتها، ومعاناة أغلبية المواطنين، وعيش أغلبية أبناء إيران تحت خط الفقر على الرغم من أن إيران تحتل المرتبة الخامسة في إنتاج النفط ضمن بلدان "الأوبك" بعد السعودية والعراق والإمارات والكويت، وتُعد ثاني أكبر منتج ومصدر للغاز على الصعيد العالمي.

انتفض طلاب جامعة طهران خلال الفترة الزمنة الممتدة من عام 1999 حتى عام 2003 احتجاجاً على مراوغة الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي عندما ادعى القيام بحزمة من الإصلاحات السياسية الوهمية؛ نظراً لأنها لم تكن سوى محاولة فاشلة لتجميل وجه نظام "الولي الفقيه"، ثم اندلعت "انتفاضة ٢٠٠٩" احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 التي أسفرت عن نجاح الرئيس الأسبق أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية،  وعندما تصاعدت المظاهرات وباتت مطالب المواطنين مطالب سياسية، ودخل النظام مرحلة صراع الذئاب داخليا بين تياريه، ورأى أن نهايته على يد باتت وشيكة عندها أسرع نظام الملالي في استخدام أبشع وأشد صور القمع ضد المظاهرين العزل.  

وانطلقت فيما بعد من مدينة مشهد أحدث موجات الحراك الشعبي في صباح يوم السبت، 30 ديسمبر 2017 ، وطالب المنتفضون بإسقاط الرئيس والولي الفقيه رافضين إنفاق بلايين الدولارات على الميليشيات الشيعية في لبنان والعراق وسوريا في وقت يعاني فيه أبناء الوطن الأمرين من الوضع الاقتصادي المتدهور، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المظاهرات اجتاحت أكثر من 40 مدينة، وطالب المتظاهرون بالحرية والحياة الكريمة والقضاء على الفقر، وتميزت عن الانتفاضات السابقة لا سيما انتفاضة عام 2009 بأنها كانت أوسع نطاقاً حيث شملت بعض المدن والمناطق الحدودية، وقد ووجهت بقمع وحشي ولم تحظى بغطاء إعلامي لائق، ثم انطلقت بعد ذلك احتجاجات  نوفمبر 2019 لتكون امتداداً لسلسلة من الاحتجاجات الشعبية الإيرانية وقد قامت فور إعلان الحكومة عن رفع أسعار البنزين بنسبة 300 في المائة.

والحقيقة هي أن الانتفاضة عصفت بالفجوة بين الأجيال لتتقاطع مع الفجوة بين النوعين الاجتماعيين، حيث ضمَّت مواطنين من جميع الشرائح العمرية، ووقف الإيرانيون رجالاً ونساءاً إلى جانب بعضهم البعض، وقادت المرأة الإيرانية الاحتجاجات في كافة المناطق الإيرانية حتى في البلدات الصغيرة.

والجدير بالذكر أن ما حدث في إيران ليس ببعيد عن الواقع الاقتصادي والمعيشي الذي يعاني منه أبناء الشعب، فهناك أكثر من 3,000,000 عاطل عن العمل، وتعيش غالبية الشعب تحت خط الفقر المدقع، هذا بالإضافة إلى تسَّرب ما يقرب من 7,000,000 طالب من الدراسة وقد توجَّهوا إلى سوق العمل نظراً لسوء الأحوال الاقتصادية، فيما تفتقر العديد من المحافظات للخدمات الأساسية والمعيشة الكريمة.

لقد أثبتت الانتفاضة الحالية أنها ليست مجرد إنتفاضة عادية حيث يغير مسارها من إتجاهات الأوضاع والأمور في إيران لتصبح مختلفة عمَّا كانت عليه طوال السنوات السابقة أي أنها تفرض واقعاً جديداً من شأنه أن يغير وجه إيران.

والجدير بالملاحظة هو أن الانتفاضة الإيرانية الحالية تولَّدت من مجموعة متعددة من الانتفاضات توالت بعد الثورة التي أطاحت بدكتاتورية الشاه، وتواصلت ضد نظام الملالي وتعاظمت بعد طول صبر وتعاظم أنّات المستضعفين، وتتسم الإنتفاضة الوطنية الإيرانية الجارية بالاستبسال وروح التضحية لجيل ناشئ تدفَّق في الشوارع من رحم المعاناة والفقر والقهر.

 

الحقائق التي تنطوي عليها الثورة الإيرانية

1. أسقطت الثورة الشاه لكنها لم تسقط الدكتاتورية وتقتلعها من جذورها وذلك لأن الثورة قد تعرضت للسرقة على يد الملالي وبمساعدة الغرب الذين يتآمرون على الإنتفاضة الوطنية اليوم.

2. من شعارات الشعب الإيراني في هذه الإنتفاضة " سنقاتل حتى الموت وسوف نستعيد إيران".

3.  ثقافة الشعب الإيراني في الانتفاضة  الحالية هي ثقافة نضال ووعي سياسي تنامى مع الأيام كمكتسبات فكرية تصوغها الأحداث والتجارب خاصة بعد أن غيرت المقاومة من تكتيكاتها بعد أحداث انتفاضة نوفمبر ٢٠١٩ لتفادي الخسائر الكبيرة في الأرواح نتيجة القمع الوحشي الدامي على يد عصابات السلطة الفاشية.

4. إن ما يربك نظام الملالي هو فشل محاولاته في التأثير على الانتفاضة وشق صفوفها إذ أنها بأدبياتها الجديدة  والنهج الذي بات معتمدا لدى وحدات المقاومة قد وحَّدت الشعب بمختلف شرائحه وطبقاته أيمَّا توحيد ليقف راسخ القدمين في مواجهة هذا النظام الفاشي بشكل غير مسبوق، ويصمم على ضرورة الإطاحة به وإلقائه في مزبلة التاريخ، الأمر الذي دبَّ الرعب في قلوب الملالي ولا سيما بعد تصاعد دور وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية في هذه الانتفاضة.

5. عندما يستحضر الملالي روح رضا شاه للإستعانة بها في كل شدة يمرون بها في مواجهاتهم مع الشعب، فإنهم بذلك يطعنون في ثورة عام 1979 وبشرعيتها وأن كل ما إدعوه بشأن هذه الثورة هو إدعاء باطل واحتيال من جهة وهذا دليل بسيط على أن الملالي لا شرعية، ودليل على وجود تناغم بين دكتاتوريتي الملالي وفلول الشاه المقبور من جهة أخرى، ويتجلى ذلك في تحركات الملالي داخل إيران وخارجها، وكذلك في تصريحات فلول الشاه المقبور التي تسعى إلى العودة إلى حكم البلاد من خلال التزواج مع  الملالي.

6. يرى الملالي أن تزاوجهم مع فلول الشاه وسيلة لإنقاذهم  في مواجهتهم للشعب الثائر، بيد أن الشعب يقول لا وألف لا  للملالي وللشاه رافضاً أي مشروع للإلتفاف على ثورته وحقه المشروع في استرداد وطنه.  

7. فشلت مساعي الملالي فشلاً ذريعاً في إسقاط شرعية الإنتفاضة بوسمها بالإنفصالية تارة وبالتبعية للخارج تارة أخرى، وقد وقف الشعب الإيراني يداً  واحدة متمسكاً بتوجه واحد رافضاً كل الرفض الدكتاتورية بشقيها دكتاتورية الشاه ودكتاتورية الملالي معبرين عن ذلك من خلال رفع الشعار الوطني "لا للشاه، ولا للزعيم "خامنئي"، وغيره من الشعارات.  

8. لم يعد لدى نظام الملالي مخرجاً من سوء المصير الذي يلاحقه سوى التحالف مع فلول الشاه أو تحريك تيار المهادنة والإسترضاء،  ولا مانع لدى الملالي أن يتقاسموا السلطة مع فلول الشاه الذين يرحبون بهذا الأمر، فشغلهم الشاغل هو الإلتفاف على الإنتفاضة الوطنية الإيرانية كمحاولة لتضليل مسارها والقضاء عليها.

9. يسعى الغرب إلى القضاء على انتفاضة الشعب، من خلال استمراره في نهج المهادنة والإسترضاء، وبث الأمل في فلول الشاه والزج بهم في مشروع العودة إلى السلطة.

ختاما .. أودُّ أن أؤكد على أن الملالي فشلوا فشلاً ذريعاً في وأد الانتفاضة الوطنية الإيرانية أو في تضليلها عن مسارها، وأن المنتفضون يزدادون قوة وإصراراً على الإطاحة بالنظام الإيراني، وسينجحون في تحقيق هدفهم مهما كان الثمن. ويتعيَّن على الملالي الهروب من البلاد بجلدهم قبل أن يحرقهم غضب الثوار،  و "اتقِ شر الحليمِ إذا غضب".

وإن غداً لناظره قريب

د. سامي خاطر/ أستاذ جامعي