محمد فيصل الدوسري يكتب:
واقعية الإمارات وعودة سوريا للحضن العربي
زيارة تاريخية للرئيس السوري "بشار الأسد" وحرمه السيدة "أسماء الأسد"، تعد الثانية إلى دولة الإمارات خلال عام، بعد إعادة افتتاح السفارة في دمشق عام 2018، وسط ترحيب كبير مصحوب بالطائرات الحربية، لدى دخول طائرة الأسد الأجواء الاماراتية.
تشكل زيارة "الأسد" محطة مفصلية في طريق عودة سوريا لحضنها العربي، لتكون الإمارات أول دولة عربية تستقبل "الأسد" منذ بداية الازمة السورية قبل عقد ونيف، وثاني دولة خليجية بعد سلطنة عمان يزورها الرئيس السوري بعد كارثة الزلزال، وسط حراك عربي تقود جهوده الدبلوماسية الإماراتية، من زاوية إنسانية التوجه، وبواقعية سياسية أكدها أول موقف رسمي معلن لزعيم عربي، حين صرح الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، "بإن غياب سوريا عن أشقائها قد طال، وحان الوقت لعودتها إليهم".
تزامن استقبال "الأسد" في أبوظبي، مع الاتفاق السعودي-الإيراني، ما يعكس ديناميكية التغيرات الإقليمية نحو سياسة تصفير المشكلات، والتركيز على التنمية الاقتصادية، ما يجعل المنطقة مستعدة لإعادة النظر في التعامل مع الملف السوري، ما يتلاءم مع التطورات المتسارعة في المنطقة باتجاه خفض التصعيد، لا سيما المباحثات بين دمشق وأنقرة، ومن جانب آخر أنقرة والقاهرة.
أسهمت دبلوماسية الإمارات الفاعلة في تفعيل الدور العربي، من خلال خلق مقاربات جديدة تبتعد عن الأسباب التي أدت إلى عزلة سوريا، وتركز على أدوات البناء والازدهار، ومعالجة ظروف الشعب السوري الإنسانية، في توقيت دقيق وتحديات سياسية واقتصادية على أثر التغيرات العالمية، ما يتطلب إعادة النظر في الملفات الإقليمية العالقة لمواجهة التحديات.
المصداقية الإماراتية تؤكدها المواقف الصلبة، النابعة من رؤية واسعة هدفها الاستقرار والازدهار الإقليمي، وعبر تاريخها أثبتت الإمارات أنها تستطيع اختراق حالات الجفاء المزمنة، من خلال التصدي لها في البيت العربي، بعيدا عن التدخلات الدولية، واستذكر جهود الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لإعادة العلاقات العربية-المصرية بعد قطيعة دبلوماسية على إثر اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، وهي ذات الجهود الصادقة التي تقود اليوم جهود المصالحة العربية-السورية.
التحركات الإماراتية لإستعادة سوريا إلى موقعها العربي الطبيعي، تصب في صالح الأمن والاستقرار، ما سينعكس بشكل إيجابي على الحراك التنموي في المنطقة، وتميزت الخطوات بوضوحها، وتمرحلها من الانفتاح المعلن مع دمشق إلى العمل الدبلوماسي الفاعل، عبر الأدوات السياسية الإقليمية والعربية والمنابر الدولية، بشكل يبعد التدخلات الدولية مع تفعيل أدوات الحلول العربية.
ونستطيع تلخيص الاستراتيجية الإماراتية بشأن سوريا في عدة جوانب، يتصدرها الشق الإنساني وجهود الاغاثة المستمرة جراء "زلزال فبراير"، والدعم الاقتصادي المطلوب لإعادة إعمار المناطق السورية المتضررة، والشق الدبلوماسي عبر تفعيل الآليات العربية بهدف إزاحة الخجل السياسي، ثم فتح أبواب الاتصالات والزيارات بين سوريا والعرب، ودعم مسارات الحوار بين سوريا وتركيا لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
تعلمت المنطقة العربية من دروس الماضي، حين تدخلت أجندات القوى الدولية في شؤون الدول، ما أدى إلى كارثة شاهدنا نتائجها، لا سيما في سوريا والعراق وتونس، وبغض النظر عن النظام الحاكم وعلاقته بالشعوب، فهي شأن خاص قد نختلف أو نتفق عليه، إلا أن الأهم بنظري هو أمن الوطن العربي واستقراره وازدهاره، فدولة عربية مستقرة تعاني من تحديات داخلية، أفضل بكثير من دولة أُسقط نظامها وسقطت معه طموحات الشعوب، ومن هذا المنطلق، تأتي أهمية المصالحة مع دمشق، من باب الحرص على سوريا وشعبها الشقيق.
نقلت واقعية الإمارات الملف السوري إلى دائرة الاهتمام العربي، ولعل استباقيتها في إعادة العلاقات مع سوريا، هو أكبر دليل على استشراف المستقبل، ما يفسر أجواء التهدئة التي تسود المنطقة العربية، وتوافق رؤى الدول العربية المحورية حول سياسة مد الجسور الحكيمة، لتصفية الأجواء في المنطقة، وتجاوز العقبات لإحلال السلام والاستقرار.