د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
نظام الملالي يقدم قواعد الشك والريبة في مفاوضات الساعة السادسة والعشرون
نكتب بعقيدة ومسؤولية تجاه قضايا أمتينا بالإضافة إلى إلتزامنا بما نؤمن به من فكر وقيم ورؤية ونتحمل مسؤولياته بشجاعة
الحوار لغة راقية متقدمة بين الأفراد والجماعات والدول التي تتسم بهذه الصفات، وأصعب أنواع الحوار هو ذاك الذي يقوم بين الدول، ويعتمد نجاح هذا الحوار على طبيعة المجتمعات ومدى رقيها في تلك الدول وهو ما ينطبع على حكوماتها ويكون الحوار ونتائجه تعبيراً واضحاً عن تلك الشعوب وهويتها الحضارية في حال كانت تلك الحكومات ممثلاً حقيقياً لشعبها وهويته الحضارية؛ إذ لا يمكن للحكومات الممثلة لجماعات فئوية بشرية أن تكون ممثلة لشعب أو مجتمع أو دولة حضارية ولا يمكن أن تكون مؤهلة لحوار حضاري يلبي مصالح جميع الأطراف مع دول أو جماعات بشرية أخرى، كما لا يمكن لها أن ممثلا لمصالح فئتها البشرية على المديين القريب والبعيد كما كان حال النظام العنصري البغيض القائم في جنوب أفريقيا في حينها وما فعله وما نتج عن أفعاله، ولولا الدور المشرف لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة الزعيم الإنسان نيلسون مانديلا لدخلت جنوب أفريقيا في حملات قصاص إبادية دامية ودفعت هذه الفئة أو تلك برمتها ثمنا قاسيا نتيجة إجرام واستبداد جماعة باغية من تلك الفئة التي باتت هدفا بعد أن كان طغاتها يستهدفون الآخرين، وكي لا يطول الإسهاب فالحال في الشرق الأوسط ينطبق على نظامين عنصريين أحدهما هو نظام الملالي الحاكم في إيران والذي يعمل الآن على التقدم في مناورة مفاوضات الساعة السادسة والعشرون مع الدول العربية التي تعرفه جيداً لكنها لا ترفض الحوار من حيث المبدأ وكقاعدة أخلاقية، خاصة في ظل وساطات عراقية مستميتة مضحية على حساب الشعب العراقي من أجل إحياء نظام الملالي وإخراجه من غرفة الإحتضار، ولا نعلم ماذا يمكن للصين أن تقدم من ضمانات كراعٍ لمناورة المفاوضات هذه التي تمثل في حقيقتها مصالح طرف واحد وهم ملالي (الرذيلة) في إيران الذين دأبوا على الظلم والعدوان في الداخل والخارج ولم يسلم منهم لا شعبهم ولا جيرانهم حتى الدول التي لا تربطها معهم علاقات جوار لم تسلم من سلاحه ولا أجهزته الإستخبارية ولا مخدراته ولا تهديداته الأمنية ومحاولاته المستمرة في إنكار سيادتها والإضرار بها، ومن باب الإحاطة والعلم بالشيء والتنوير والمواجهة نكتب حول هذا الموضوع واضعين نصب أعيننا تجارب الأمس واليوم وما يدور خلف الكواليس، والمتوقع في المستقبل القريب، ولإغناء هذا الموضوع نضع مجوعة من التساؤلات يكون جوابها إشارة إلى الواقع والحقائق التي يجب أن نستعين بها في عيش حاضرنا وصياغة مستقبلنا وهي كالآتي:
- يُجري النظام الإيراني مفاوضات يصفها بلغة مطاوعة في هذا التوقيت بالضرورية مع الدول العربية.. فماذا يعني الملالي بالضرورية ؟ وهل تلبي هذه المفاوضات مصالح جميع الأطراف؟
- لعبت مجاميع السلطة في العراق المحتل من قبل ملالي إيران دوراً واضحاً في الدفع بهذه المفاوضات إلى الأمام، فهل كان ذلك نابعاً من إرادة عراقية، وما مصلحة العراق في ذلك ؟
- عادت مجاميع سلطة الإطار الموالية للنظام الإيراني إلى سدة السلطة من جديد في العراق بدعم ومباركة أمريكية وأممية!!! فهل لعبت دور الوساطة في الحوار مع إيران بـ معرفة ومباركة أمريكية وأممية مسبقة خاصة وأن رئيسة بعثة الأمم المتحدة كانت حاضرة أغلب إجتماعات تلك السلطة ومنها مؤتمر بغداد2 رغم أنها قد نكلت بهم جميعا وفضحت فسادهم تحت قبة الأمم المتحدة عدة مرات؟
- هل يفلح الملالي في التطبيع مع الشعوب العربية بعد التطبيع مع الدول العربية؟
- هل يفلح الملالي في التطبيع مع مصر بعد تجربة 25 يناير 2011 ودعم الملالي للإضطرابات وحرف المسار السياسي الوطني في مصر؟
- هل سيتحمل النظام الإيراني المسؤولية الكاملة عما فعله وفعلته ميليشياته بالوكالة من كوارث في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين ودول منطقة الخليج؟
لم يسبق لنظام الملالي الفئوي العنصري الحاكم في إيران أن استخدم لغة مرنة ومتزنة منضبطة وملتزمة في حواره وعلاقاته مع دول الجوار العربية وغير العربية، لكنه اليوم يطوع لغة خاصة لحوارٍ يصفه بالضروري، والضروري هنا هو من وجهة نظر نظام الملالي ووفقاً لحاجتهم في الخروج من مآزقهم وأزماتهم الطاحنة وتلبية لمصالحهم، أما الضروري فيما يتعلق بمصالح العرب في هذا الحوار فهو أيضا من وجهة نظر إيرانية ولا يلبي مصالح جميع الأطراف وذلك لغياب عامل توازن القوى؛ فالأوراق التي يمتلكها نظام الملالي في الحوار كثيرة ومتنوعة كأسلحته الصاروخية وغربانه المسيرة وميليشياته المسلحة وجماعاته السياسية المتناثرة هنا وهناك في الدول العربية، ومؤكد أنه لن يفرض تلك الأوراق في الحوار ولكنه لوح بها من قبل وسيلوح بها ضمنيا سواءٌ من قِبَله هو أو من قِبل جماعاته الإرهابية بالوكالة، والتصريح والتلميح بأن قدرات النظام وخاصة التسليحية منها هي لصالح دول وشعوب المنطقة هو أمر أعتدنا عليه ولم نلمس منه شيئا على أرض الواقع لا في إيران نفسها ولا في العراق الكبير بتاريخه ومقدراته والذي يحتله النظام الإيراني منذ عام 2003 وتحكمه جماعات ذيلية ضحلة تابعة لهذا النظام، وكل ما لمسناه هو دمار الشعب الإيراني وزجه في آتون الفتن والحروب المهلكة وقتله واضطهاده واستعباده وأخر المطاف تسميم المئات من طالبات المدارس الإيرانيات القاصرات بعدة محافظات في هجمات بالأسلحة الكيميائية المحدودة وقد تعرضت طالبات عراقيات لهجمات كيميائية مماثلة بعد افتضاح الأمر في إيران وذلك للتغطية على تلك الجريمة في إيران وتبريرها، وتؤكد هذه الهجمات على توفر أسلحة وقدرات كيميائية لدى النظام الإيراني يمكنه أن يستخدمها ضد دول المنطقة كما استخدمها على الذين هم تحت حكمه في إيران والعراق.
أما ما لعبته مراكز القوى المتسلطة في العراق المحتل من قبل ملالي إيران من دور واضح من أجل الدفع بهذه المفاوضات إلى الأمام، فلم يكن نابعاً من إرادة عراقية ولا يمثل مصلحة العراق في شيء سوى بقاء مراكز القوى تلك في السلطة، وقد كان توجيهاً من قبل النظام الإيراني أو كما يصفه جُنود الملالي في العراق بـ التكليف الشرعي وفقا لخضوعهم لمبدأ ولاية الفقيه، وقد أدت ذلك الدور بتضحيات كبيرة على حساب الشعب العراقي الذي يعاني الأمرين بسبب نظام الملالي وذيوله الخانعة.
حكمت مراكز قوى الإطار الموالية للنظام الإيراني العراق وتمكنوا منه بدعم أمريكي إيراني، وعادت إلى سدة السلطة في العراق من جديد بدعم ومباركة أمريكية وأممية وتوافق مع نظام الملالي على الرغم من تفاقم محنة الشعب العراقي على يد مراكز القوى هذه وبإعتراف أمريكي وأممي! وهو ما يوحي بأن دور الوساطة الذي لعبته السلطة الحاكمة في العراق بشأن الحوار العربي مع إيران كان بمباركة أمريكية وأممية مسبقة خاصة وأن رئيسة بعثة الأمم المتحدة كانت حاضرة أغلب إجتماعات تلك السلطة ومنها مؤتمر بغداد2 رغم أنها قد نكلت بهم جميعاً وفضحت فسادهم عدة مرات في جلسات رسمية علنية تحت قبة الأمم المتحدة، أما واقع الأمر هو أنه على الرغم من الدور الأمريكي والأممي بالمنطقة إلا أن الحصاد يسير باتجاه آخر تماما وعلى حساب الدول العربية والشعب الإيراني، وأرض المعركة ومركز إدارة الصراع هو العراق.
يسعى نظام الملالي متحايلا إلى الحوار مع الدول العربية كلٌ على إنفراد ما يعني إخضاع كل منها لإتفاقيات منفردة لعلاقات تختلف عن بعضها البعض في نصوصها وبنودها، وفي الوقت الذي تتحاور فيه دولاً عربيةً مع النظام الإيراني لا تزال عمليات تهريب السلاح والمخدرات إلى دول عربية أخرى قائمة، ويحاصر دولاً أخرى كالمملكية المغربية من الشرق والجنوب ويهدد أمنها واستقرارها بمسيراته ويزيد من حالة الصراع بين الأشقاء في المغرب العربي بعدما طردته دولتي المغرب والسنغال، وفي الوقت الذي يحاور فيه المملكة العربية السعودية تتسرب أنباء من داخل العراق حول قيام الحرس الثوري للنظام الإيراني بإقامة مشاريع تنموية كبيرة كواجهة لمشاريع أمنية في بادية السماوة العراقية أي على الحدود العراقية السعودية، أما فيما يتعلق بالحوار مع المملكة الأردنية الهاشمية فلا يزال التهديد قائما حتى وإن خفت وتيرته التكتيكية على الحدود السورية الأردنية من قبل الميليشيات التابعة للنظام الإيراني، ولا يزال اليمن على حاله ولا زال الحوثيين يشكلون أكبر تهديد لشبه الجزيرة العربية وللسعودية على وجه الخصوص، وبهذه الطريقة والنمطية التي اعتاد عليها النظام الحاكم بإسم الدين في إيران يسعى إلى الحوار مع الدول العربية ولن يوفق في التطبيع على هذا النحو مع الدول العربية كما أنه لن ينجح في التطبيع مع الشعوب العربية في جميع الأحوال فتاريخه وسمعته السيئين يسبقانه إلى ذلك.
ومن ناحية أخرى نعلم أن الملالي لن يهملوا الحوار مع مصر الدولة التي لطالما كانت ولازالت هدفا لهم في ظل مساعيهم الحالية للخروج من عنق الزجاجة، لكن هل يفلحون في ذلك؟ الأمر يتوقف على رؤية أشقائنا في مصر خاصة بعد تجربة 25 يناير 2011 ودعم الملالي للإضطرابات آنذاك وحرف المسار السياسي الوطني في مصر بتعزيز دور فئات سياسية بعينها وقد كانت آثار النظام الإيراني جلية واضحة في تلك الأحداث؛ علما بأنه لا يربط نظام الملالي بمصر دولة وشعبا سوى نهجه التوسعي وقد لمح أحمدي نجاد في حينه إلى إمكانية ضخ مليارات الدولارات للإستثمار في مصر شريطة تسليم تاريخ وتراث الحقبة الإسلامية الفاطمية في مصر لهم ليتولوا إدارتها من منطلق أنهم أي الملالي هم من يمثل الإسلام، وقد كان مطلباً فجاً ووقح في حينها، والطامة الكبرى لو حدث ذلك في حينها.
في سياق الحوار القائم بين نظام ولاية الفقيه من جهة والدول العربية من جهة أخرى كان على النظام الإيراني أن يعتذر عن أفعاله ويتحمل المسؤولية الكاملة عما فعله وفعلته ميليشياته بالوكالة من كوارث ودمار في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين ودول منطقة الخليج ودول المغرب العربي إذا كان جاداً حسن النوايا بهذا الخصوص، وفي حال خرجت المفاوضات عن ثوابت المفاوضات فإنها تُصبِح مناورة مفاوضات لبلوغ غاية ما، وفرض سياسة بعينها تتحول بعد مراحل إلى سياسة أمرٍ واقع يفرضها أحد الطرفين الجالسين على طاولة المفاوضات وشتان بين التفاوض والجلوس على طاولة المفاوضات.
خلاصة القول لا يقدم نظام الملالي الحاكمين المدعين بإسم الإسلام في إيران في حوارهم مع العرب سوى ما يدعو إلى كامل الشك والريبة والتناقض وعدم المصداقية، وفي النهاية والأهم من هذا كله ليس من الحكمة الثقة في نظام أثبتت التجارب والتاريخ أنه لا أمان له، كما تؤكد الأحداث الجارية على أنه لن يطول بقاؤه في إيران بعد سقوط شرعيته تماماً وبإعتراف أركان هذا النظام أنفسهم، وكشعوب عربية ومفكرين ومثقفين وكتاب عرب نضع نصب أعيننا مصلحة أمتنا قبل كل شيئ ولا نرى مصلحة أمتنا ودولنا وشعوبنا إلا مع خيار الشعب الإيراني ومقاومته ومساعيهم نحو التغيير وبناء إيران ديمقراطية حرة وغير نووية مسالمة تحترم الجوار يمكن الحوار والتعاون والتحالف معها.
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي