عماد الدين حسين يكتب:

سلاح الميليشيات المنفلت

في بعض الصحف العربية الصادرة صباح يوم 13 أبريل الجاري، كان هناك خبران متجاوران يكشفان عن قضية خطيرة تعاني منها بعض البلدان العربية، تتعلق بامتلاك السلاح غير الشرعي بين أفراد وقوى وهيئات ومؤسسات، والمفترض أن يكون هذا السلاح حكراً فقط على أجهزة الأمن الرسمية والقوات المسلحة.

الخبر الأول يتحدث عن مشادة بين مواطنين في ليبيا تطورت إلى قيام أحدهما بإطلاق صاروخ «آر بى جى» على منزل الثاني في مدينة الخمس شرقي العاصمة طرابلس.

والخبر الثاني هو مباشرة الحكومة العراقية معالجة ظاهرة حمل السلاح، وحض المواطنين العراقيين على اتباع الطرق الشرعية لامتلاك الأسلحة الشخصية.

قراءة الخبر الأول تقول إنه لا يمكن لأي شخص أن يمتلك من الأساس صاروخ «RBG»، ناهيك عن أن يطلقه على منزل جاره في مشادة عادية إلا إذا كانت هناك بيئة منفلتة تساعد على ذلك.

نعلم جميعاً أن هناك جريمة كبرى تم ارتكابها بحق ليبيا والشعب الليبي، فبعد سقوط نظام معمر القذافي في ديسمبر 2011، كان من المنطقي أن يتم جمع الأسلحة من الأفراد والتنظيمات والميليشيات، لكن قوى إقليمية ودولية شجعت على استمرار فوضى السلاح هناك، والنتيجة طبقاً لمصادر ليبية رسمية سابقة قدرت عدد قطع السلاح المملوك لأفراد وميليشيات بصورة غير شرعية بنحو 23 مليون قطعة سلاح عام 2012.

هذه الظاهرة الخطيرة هي أحد الأسباب الجوهرية لاستمرار الأزمة في هذا البلد الشقيق، لأن الميليشيات التي بدأت تنغمس في الصراعات السياسية انتهت إلى محاولات مستمرة للحفاظ على مكاسبها التي حققتها فقط بامتلاكها للسلاح والتلويح به.

من يتابع الأزمة الليبية بدقة سوف يكتشف بسهولة أن جبروت وانفلات وتسيب هذه الميليشيات قاد إلى حد خطف وزراء ومسؤولين ورؤساء أجهزة أمنية في ليبيا منذ سقوط القذافي وحتى هذه اللحظة.

وقبل شهور فقط حدث صراع مسلح بين رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة وبعض قادة هذه الميليشيات المسلحة الذين نقلوا ولاءهم لشخصيات أخرى.

في العراق فإن الحكومة وعبر وزارة الداخلية أعلنت عن طرق ووسائل الحصول على الأسلحة بطريقة شرعية من أول تقديم المستندات مروراً بالكشف الطبي والتدقيق الأمني.

ولا يخفى على أحد أن العراق الشقيق عانى من المشكلة نفسها، والتقديرات تقول إن هناك 7 ملايين قطعة سلاح خارج سيطرة الدولة.

مشكلة السلاح المنفلت وغير الشرعي ليست قاصرة على ليبيا والعراق وحدهما ولكنها موجودة في بعض البلدان العربية التي ابتليت بصعود قوى متطرفة أو طائفية أو انقلابية مثل الصومال واليمن وسوريا ولبنان والسودان.

بعض الميليشيات العربية تشكلت بحجة محاربة التنظيمات المتطرفة مثل «داعش» و«القاعدة» وأمثالهما، لكن بعد دحر هذه التنظيمات فإن هذه الميليشيات استمرت كما هي ونافست الحكومات في مجال الأمن، بل والأخطر أن هذه الميليشيات سعت أكثر من مرة إلى فرض وصاية ورؤية من يمولها ويشجعها على سياسات بعض الحكومات العربية، وقد رأينا بعض هذه الميليشيات تتدخل لفض مظاهرات وقتل ناشطين سياسيين بالمخالفة لكل القوانين والدساتير.

وجود هذه الميليشيات المسلحة وزيادة نفوذها يوماً بعد يوم هو أخطر فيروس يهدد الدولة الوطنية واستمرارها قوية ومستقرة، لأنه مهما كانت النوايا الطيبة والشعارات براقة، فإن الطرفين، الدولة والميليشيات سوف يتصادمان لا محالة في نهاية الأمر.

وقد يسأل البعض وكيف نشأت هذه الميليشيات؟

بالطبع بعض الحكومات العربية تتحمل جانباً من مسؤولية الفشل العام الذي قاد إلى ظهور هذه الميليشيات، فلو أن هذه الحكومات أدت عملها بكفاءة واقتدار وأسعدت شعوبها، فلم يكن ممكناً نشأة هذه الميليشيات، لكن الإخفاق السياسي والشامل، يقود إلى تصنيف مثل هذه الدول بأنها «هشة وفاشلة» وبالتالي تعم فيها الفوضى والاضطرابات ويصبح ممكناً أن تبتلى بكل الأمراض.

ورغم ذلك فإن السبب الحقيقي هو أن هناك قوى عربية متطرفة وأخرى دولية داعمة هي التي شجعت على انتشار ظاهرة الميليشيات، التي ترفع شعارات براقة وتنتهي إلى ممارسة سلوك وبلطجة العصابات.

الأكثر خطورة أنه صار واضحاً أن ولاء العديد من هذه الميليشيات لا يكون لبلدها أو وطنها أو أمتها، بل ترتبط أحياناً بأجندات خارج حدودها، وبالتالي تتحول إلى مجرد مرتزقة تتحرك بأوامر من أنشأها أو مولها أو دعمها أو خطط لها.

نأمل أن تتمكن الدول العربية التي تعاني من مثل هذه الظواهر من حل هذه المشكلة، حتى لا تتحول من مجرد نزلة برد أو إنفلونزا عادية إلى سرطان خبيث يستحيل علاجه.