زيد شحاثة يكتب لـ(اليوم الثامن):

العراقيون.. هوية أم هويات!

تمتاز كثير الشعوب بمجموعة من الميزات والصفات والمعتقدات الفكرية والطباع والأخلاقيات, وتراث وميراث عقائدي وفكري, وربما تضاف لها طقوس وعادات شعبية.. تشكل بمجملها صورة وهوية  وطنية لذلك المجتمع..
تختلف بعض الأمم والشعوب بإمتلاكها هويات أخرى فرعية تختلف عن الهوية الرئيسية, قد تخص مجموعات أو قطاعات  من هذا المجتمع, سواء كانت للغالبية أو لأقلية منهم.. وتتعلق معظم تلك الإختلافات, بأصول قومية أو معتقدات أو مذاهب دينية, وحتى توجهات سياسية وثقافية فكرية..
في كثير من الحالات ولأسباب بعظها واقعي وأخر مفتعل, يصبح تعدد الهويات مشكلة خطيرة, وخصوصا إن كان البلد يملك دورا محوريا في أقليمه أو العالم, أو يمتلك ثروات كبيرة محل طمع الاخرين.. وتصبح تلك الهويات الفرعية وتصادمها مع الهوية الوطنية, سببا لحصول تناحر وإنقسامات مجتمعية, تسبب حصول صراعات دموية وفكرية مدمرة للبلد وتلك المجتمعات..
لم يكن العراق بدعا من الدول في معاناته من تلك المعضلة, فتنوع شعبه القومي والفكري والديني والمذهبي, رغم إنها كانت تبدوا غير ظاهرة للعيان لا لعدم وجودها, لكن لأن معظم الانظمة الحاكمة كانت مستبدة, وحاولت "القفز" عليها من خلال الكبت والظلم والإضطهاد لفئات من المجتمع, وتقريب ودعم فئات أخرى.. فتسكت الأولى وترضخ مضطرة بسبب الطغيان, وترضى الثانية بذلك لأنها تمتلك الحكم والسلطة والمال.. 
هذه الحال نفسها في كثير من الدول التي تضم تنوعا مجتمعيا في شعبها, ولا يختلف الحال إلا في تبدل الأدوار, فالفئة التي تتحكم بالسلطة في بلد ما, تراها مضطهدة في بلد أخر.. والعكس بالعكس..
تعدد الهويات ليس مشكلة في حد ذاته, إن بقيت تلك الهويات ضمن إطار الإنسانية والوطن ووحدته, وحدودها القانونية والأخلاقية والعرفية المقبولة.. وإن نجحنا في أن نجعل الهويات الفرعية منطلق قوة للهوية الوطنية الجامعة.. لكن قبلها كيف نوجد تلك  الهوية الوطنية الجامعة!
تلك الهوية الوطنية تشمل كل المشتركات التي تجمع هذا المجتمع, من مصير ومستقبل مشترك, وأفكار ومعتقدات مشتركة, وتعايش سلمي وتقبل للأخر, وحقوق وواجبات تسالم عليها الجمع, من خلال عقد إجتماعي متفق عليه ومرضي من قبل الأغلبية الكبرى من الامة.. مع إحتفاظ كل منا بخصوصيته القيمية والعقائدية والأخلاقية, بشكل لا يتعارض مع عقدنا الإجتماعي الوطني الجامع..
من الخطأ ان نرفض خصوصيات أي مجموعة, عرقية او قومية كانت او مذهبية, وما يرتبط بها من مكتسبات وإمتيازات وواجبات ومسؤوليات, فهذا حق أصيل وليس منحة او منة من أحد.. لكن العيب أن تكون هي المعيار والمقياس في قبول المواطنة لأي فرد أو مجموعة..