د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):

زيارة نجل شاه إيران؛ رضا بَهْلَوي لإسرائيل (2)

السياسة الخارجية الإيرانية في عهد شاه إيران المخلوع وفي عهد الملالي تجاه إسرائيل 
التناقض الفج، والمناورات المفضوحة كانا ولا زالا سمتين مشتركتين لكلا النظامين الدكتاتوريين في إيران سواء كان نظام الشاه المخلوع أو خليفته صاحب الصبغة الإلهية خاصة فيما يتعلق بالسلم والتعايش والشعارات الفضفاضة، والمتابع المُدقق يجد أن كلا النظامين يحملان هويةً ونهجاً واحداً في العديد من القضايا بدءا بقمع شعبهم تلبية لمصالح القوى الإستعمارية بنمطيتيها التقليدية والمعاصرة مقابل استمرارهما في السلطة، وأما خارج إيران فقد لعب كلا النظامين على التوالي وبإلتزام دور شرطي المنطقة، ولم يعد هناك ما يُخفى حول ممارساتهما داخل إيران وخارجها، والأمر ليس كذلك فحسب بل كان السلطانين الحاكمين بنظام واحد في إيران الشاه والشيخ كانا أفضل من يبتز العرب ويهدد أمنهما ويوجه اقتصادهما نحو تنمية الغرب وشركاته .. الغرب الذي يحصل على أكثر من نصف مقدرات العرب الإقتصادية قبل تنامي قوى الإنتاج في آسيا.
ذهب الشاه .. فشل الشاه،، المصالح الغربية مهددة.. خُلِع الشاه وسقط ولكن لم يسقط النظام الدكتاتوري.. حضر الخليفة خميني وحُفِظت مصالح الغرب على نحو أفضل فعباءة الإدعاء بالدين وعمامة السحر قد لعبت دورها وسُرِقَت ثورة الشعب وعادت الأمور لتسير وفق الدائرة التي رسمتها الدوائر الغربية. 
إن من يقرأ تاريخ ونهج الحقبتين حقبتي نظام الشاه والشيخ فالبعض يرى أنهما نظام واحد.. يلاحظ بوضوح وحدة النظرة الاستعلائية منزوعة الإحترام لمحيطهما العربي، وبحسب آرائهم التوسعية الإستعلائية أن جميع دول المنطقة من شط العرب إلى البصرة إلى بغداد إلى مسقط  وخليج عدن واليمن وكل تلك المنطقة تقع ضمن سلطانهم وإمتداداً طبيعياً لنفوذهم  وكل الوسائل لديهم مبررة من أجل بلوغ الغاية حتى مع الشيطان، وقد كان استخلاف الملالي على عرش الشاه الطارئ من أجل تكرّيس ذلك النهج باسم خديعة الدين مُدعين أنهم وسلطتهم المصدر الوحيد للشرعية والقانون وإدارة شؤون المؤمنين، وأن جميع الحكومات الأخرى حكومات شيطانية، وأن الحكام الذين يرفضون الاستسلام لنهجهم الأعوج ضالون ويجب أن يُعاملوا بالسيف ويُرسلوا للشي (الشوي) في الجحيم"، ووفقاً لهذا المنهج والرؤية التي يحملها فإن إسرائيل دولة حلال.. دولة إيمان مثيلة لهم وسيستمر التعامل معها وتنميتها بشكل أو بآخر مع استمرار المناورة مع جماعة العرب والمسلمين، وقد أقام الشاه تحالفاته مع أعداء العرب في ذات الوقت الذي يصافحهم فيه ويدعي السلم والتعايش والحوار..، ويفعل الملالي الفعل نفسه علناً نهاراً جهاراً ودون أدنى مبالاة لا بل يوجهون البنادق إلى الصدور وسموم المخدرات إلى الأسواق وسموم الفكر إلى العقول وينادون ويجلسون على طاولة مفاوضات السلام والتعايش متجاهلين البندقية وما ينشرونه من سموم. 
خميني وإسرائيل
استبدل خميني ما ادعاه بمحاربة إسرائيل بنظرية تصدير الثورة، ورأت النخبة لدى أن إسقاط صدام وإقامة جمهورية إسلامية على شاكلتهم تستلهم نظريات وفكر خميني سيضمن الهيمنة على الشرق الأوسط بأكمله، لأن مرجعيات الأنظمة ستكون في طهران وزعيمها الولي الفقيه، وبذلك يكون من شأن الفكر الديني الخاص بهم خدمة المصالح السياسية، وتنتهي خلافات الإيرانيين الداخلية من خلال توجههم لتحقيق الحلم الإمبراطوري التوسعي . ونتيجة لتوقيع السادات على اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل؛ أدرك خميني وسياسيوه أن وضعهم الجيوسياسي بات حرجاً وبات باب المناورة في هذا الإتجاه ضعيفاً ولابد لهم من مخارج  وخاصة أن الجيش الإيراني بات بحاجة إلى أسلحة سوقها الوحيد هو الولايات المتحدة، وكانت إسرائيل حريصة كلّ الحرص على الرغم من الأيديولوجية الإيرانية الجديدة على علاقاتها مع إيران لتُعيد ما وصلت إليه أيام الشاه من مراتب متقدّمة، ولأنّ سياسييّها مازالوا يؤمنون بالمبدأ المحيطي كاستراتيجية حامية لها من العداء العربي. وساعدتها العزلة المفروضة على إيران بعد احتجاز الدبلوماسيين الأمريكان كرهائن في طهران وتجميد أرصدتها المالية، فاستغلت إسرائيل الحاجة الإيرانية وتجاهلت الخطاب الإيراني العنيف تجاهها، فإيران الملالي بالنسبة لإسرائيل وقتئذ شريك طبيعي في مواجهة التهديد العراقي. في هذه الظروف أرسلت إسرائيل رسالة للملالي تفيد بإمكانية مساعدتها في تحسين علاقتها بالأمريكيين ودعم إيران عسكرياً وفك العزلة الدولية عنها وردّت الملالي بترحيب حذر، وهكذا أُعيد فتح القنوات مع إسرائيل مجدداً.
بعد وفاة خميني عام 1989 استمرت العلاقة بين الملالي وإسرائيل على حالها: علاقة مصالح متبادلة معادية للمحيط العربي سرّاً، وصوتٌ عالٍ (مقاوم وممانع) علناً حيث أعلنت إسرائيل بعد بضعة أيام من وفاة خميني أن العدو الحقيقي لإسرائيل هو العراق والدول العربية الأخرى، في حين يوجد لدى إيران الملالي كافة الأسباب التي تجعلها صديقة لإسرائيل، وأنها تملك النفط وغيره ، وهي أسباب جيدة لتجديد الاتصالات مع إيران الملالي بغض النظر عما ترفعه من شعارات، وبالفعل فقد أبلغت وزارة الخارجية الإسرائيلية نظيرتها الأمريكية بأن إسرائيل استأنفت مشترياتها من النفط الإيراني في الوقت الذي كان فيه حزب الله يحتجز ثلاثة من أسرى الحرب الإسرائيليين.
أما المُلا خاتمي فقد صرح في عهده وبوضوح بقبول الوجود الإسرائيلي على أرض فلسطين، وتحوّلت النظرة الإيرانية إلى القضية الفلسطينية إلى ما يقبله الفلسطينيون كغيرهم من الحكام العرب، بل إن خاتمي نفسه لم يشكك في حق إسرائيل في الوجود،  وبالتالي بعد هذه العلنية لا ينخدع بالملالي وبشعاراتهم إلا من هم خارج محيط العقل البشري.
أما ابن الشاه وزيارته لإسرائيل فهي ضمن الفكر الذي استقاه من أهله وتربى وترعرع عليه ويتفق هو والملالي عليه والغاية تبرر حتى أقذر الوسائل، ويسعى هو سعيه ويسعى الملالي سعيهم ويتقاسمون الأدوار ويتبادلون التصريحات ويتحمل الملالي النفقات.. وهذا على أمل البقاء والثاني على أمل الجلوس على كرسي السلطان واعتمار التاج في ظل نتاج سياسي خليط وهجين بين الشاه والشيخ المستقبلي في حال فشل الشيخ الحالي بعد هِرِمِه وعجزه أمام ثورة الشعب رغم قوة القمع الدموية الفتاكة التي يسلطها الملالي على ثوار الشعب العُزل.
تقول العرب (لا يُلدغ المرء من جحر مرتين) إلا أن العرب لا يؤمنون بما يضربونه من أمثال ويروق لهم أن يُلدغوا من ذات الجحر ألف مرة ومرة. 
مؤكداً أن النصر حليف ثورة الشعب الإيراني لا محالة مهما طال الزمن؛ نظراً لأن هذا الشعب البطل يتمتع بقوة وإرادة منقطعة النظير في الإصرار على تحقيق أهدافه المشروعة بعد أن تراكمت مصائبه وتعاظمت محنته.
د.سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي