عبدالرحمن كوركي مهابادي يكتب لـ(اليوم الثامن):

إسقاط النظام الديكتاتوري حجر الزاوية للحرية في إيران!

في دول مثل إيران حيث كان نضال الشعب ضد الدكتاتورية ولا يزال، يُعتبر ربط الحركات الإقليمية بالحركة الوطنية "ضرورة لا يمكن إنكارها"، وإذا نظرنا بنظرة خبيرة إلى تاريخ إيران نجد أن هذه "الضرورة" هي "أمر حيوي" في تقدم وتوفيق الحركات الإقليمية من أجل إحداث تحول جذري في المجتمع.

دروس من الحركات الإقليمية!

في القرون الأخيرة ولإثبات صحة وضرورة ذلك في دول المنطقة وتحديداً في إيران هناك العديد من الأمثلة، وقد كانت هناك العديد من الحركات الإقليمية التقدمية في هذه البلدان وقد حظيت بدعم الشعب وتمكنت من إحراز تقدم، ولكن بسبب فقدان هذه "الضرورة" نجد أنها إما تعرضت "للقمع" من قبل الحكومة المركزية، أو تم "حرف مسارهم" بسبب عوامل عديدة، "امتدوا ولم يتمكنوا من الإرتقاء إلى مراحل أعلى من النجاح، وقد كانت هناك حالات استشهد فيها قادة الحركات الإقليمية البطولية على يد الحكومة المركزية، وانعطفت بعد ذلك نحو الإنطفاء!

سر ديمومة الحركات الإقليمية!

لطالما كانت ديمومة الحركات الإقليمية لمرحلة من التاريخ، وقد تابعت الأجيال المستقبلية استمراريتها، وربما استهدفت السلطة الدكتاتورية الحاكمة في قلبها، وعلى مثل هذه الحركات إما أن ترتقي بنضالها إلى المستوى "الوطني الإيراني" وتجاوز إطار "منطقة بعينها"، أو يتوجب عليها إقامة علاقة وثيقة مع الحركة الوطنية في إيران، ويبرهن التاريخ على هذه الحقيقة وهي أن ذروة إزدهار الحركة الإقليمية كان عندما كانت على اتصال مباشر بالحركة الوطنية، وبخلاف ذلك وقعوا تدريجياً كفريسة للدكتاتوريات وتم تهميشهم في دورات زمنية مختلفة.

المواجهة غير المتكافئة والترابط الأحمر!

في تاريخ مواجهة الحركة الشعبية مع الدكتاتورية الحاكمة لبلد ما كان هناك على الدوام "عدم تكافئ في المواجهة" سواء كان ذلك من حيث القوات والقدرات، وخاصة القدرات المالية والتسليحية والإعلامية، وما كان يثير جنون الدكتاتورية ويجعل الأمر لديها لا يُحتمل هو "ترابط الحركة الإقليمية بالحركة الوطنية" ذلك لأن مثل هذا الترابط كان منبع "الإقتدار والبناء المستقبلي" وهو ما تخشاه الدكتاتوريات، ولهذا السبب كان هذا الترابط مستهدفاً على الدوام وعلى مر التاريخ وتحديداً في حقبة الدكتاتورية الدينية الحاكمة، ومع الكثير من الإنفاق المالي والمؤامرات السياسية والتاريخية وحيل الشيطنة كان التركيز على ضربها "ضرب عملية الترابط بين الحركات الإقليمية والحركات الوطنية".

حيل الدكتاتورية!

لطالما قامت الديكتاتوريات الحاكمة بمحاولات شيطنة الحركات الإقليمية ووصفها بأنها "إنفصالية" و "أداة بأيدي أجنبية" وبهذه الطريقة تقوم بتحريض أجزاء مختلفة من المجتمع الإيراني ضد هذه الحركات من خلال إساءة إستغلال المشاعر القومية والدينية للشعب، ومن خلال هذا التوجه كان يُطلق على الثوار والمناضلين في هذه الحركات في عهد دكتاتورية الشاه اسم "جته" (ومعناها قطاع الطرق في اللغة الكردية) ويُطلق عليهم في ظل دكتاتورية ولاية الفقيه مصطلح "أعداء الثورة" و "إرهابيين".

لقد كانت دكتاتورية الشاه في ذروة الخوف من تقدم وارتقاء الحركات الإقليمية بالترابط مع الحركة الوطنية، ولذلك استخدمت  كل قوتها للحد من مثل هذه الحركات في منطقة واحدة ثم قمعها واجتثاثها في الخطوة التالية.

أما في دكتاتورية ولاية الفقيه فقد تم استخدام حيل أكثر إثارة أيضاً، فهي من خلال شيطنتها للحركات الوطنية قد أوجدت وأوصلت نوعا من "الترهيب" و "الترغيب " لدى الحركات الإقليمية بشأن إقامة ارتباط مع الحركة الوطنية، ولجأوا إلى أداة أسموها بـ "التفاوض أو الحوار" لإظهار أنفسهم كذباً وخداعاً على أنهم "دعاة حوار وتفاوض" وهو كذب لم يكن له أساساً ولا صلة له بالواقع أبداً ولن يكون، إلا أن خسائر ذلك على الحركة الوطنية والحركة الإقليمية كانت كبيرة!

هدف الديكتاتورية الدينية!

كان غرض الدكتاتورية من أداة ما أسمته بـ "التفاوض" واضحا منذ البداية، وقد كان ذلك "استهداف حركة المقاومة الوطنية" و "إبعاد الحركة الإقليمية عنها"، وذلك لتحييدها في الخطوة التالية وجعلها عديمة الأثر، عديمة اللون، لا تشكل خطراً، ثم تقوم بإطفاء وجودها بعد ذلك.

وكم هو عدد المنظمات والحركات والتنظيمات التي دخلت في صميم نضال الشعب الإيراني ضد الدكتاتورية ووضعت أقدامها في ميدان النضال، ولكن بسبب عدم وجود تحليل وتقديرٍ صحيحين للظروف، أو عدم وجود مثل هذا الارتباط مع الحركة الوطنية أو خرقه أصبحت "فريسة" للأنظمة الدكتاتورية وشُطِبت من التاريخ!

وهنا يمكن ذكر مثال حي وتاريخي حول هذه القضية "الحركة الإقليمية في كردستان الإيرانية" فقد كانت هذه الحركة ذات المطالب المشروعة في "أوج مجدها" عندما كانت مرتبطة بالمقاومة الوطنية، وقد قام نظام الملالي الدكتاتوري بتلويثها بعروض "التفاوض" ليتمكن من خلال هذا الطريق من إضعاف "المقاومة الوطنية"! ولإدامة هذا الهدف المشؤوم لم تكتفي   الديكتاتورية الحاكمة بذلك أيضا، وتواصل الهجمات الصاروخية والبرية على الأحزاب السياسية الكردية الإيرانية في إقليم كردستان العراق، وتسعى الآن إلى نزع سلاحها وطردها من جوار تراب الوطن!

وبالنتيجة: إذا كانت الحركة الكردية تريد أن توجد جمهوراً وتضع أقدامها بثبات وتصل إلى مطالب شعبها فلا خيار أمامها سوى العمل عكس ما تريده الدكتاتورية الحاكمة ألا وهو الترابط مع الحركة الوطنية والتوافق معها وضع خطوط حمراء أمام "التفاوض والحوار" مع الديكتاتورية! وإن عملية الانتفاضة التي نعيش شهر الثامن الآن خير دليل على مثل هذه الحقيقة، وقد زادت العملية الصعبة التي يقوم بها الملالي الآن باستخدام بقايا دكتاتورية الشاه من تعقيد الموقف، وزادت في نفس الوقت على ضرورة مثل هذا الترابط!

من الخدع الخفية والعلنية للدكتاتوريات في إيران هو خلق صنوف من الانشقاقات والانقسامات والتشتت في صفوف المعارضة، صنوفاً يختلط بعضها أحياناً بشعارات ومطالب وثقافات مختلفة أيضا لتهميش المطلب الوطني الأساسي من جهة، وتُحبط وتثني الشعب عن الاستمرار في المسيرة من جهة أخرى، ومن ناحية أخرى توفر الأرضية اللازمة للقمع الدامي وانحرافها، هذه الحيل التي إذا نظرنا لها بعمق في المشهد السياسي والاجتماعي بالأشهر الثمانية الأخيرة تبين احقية ودور هذه الحيل  كانت بمثابة "عقبة" على طريق انتفاضة الشعب وأراد تدمير المشهد المطلب المنشود والحيلولة دون تصاعد واحتداد انتفاضة الشعب الإيراني.

وجه الفارق بين الظروف الحالية مع السابقة!

استنادًا إلى العديد من الفترات الماضية ومعرفة أهل الخبرة بالأمور لم تكن لإيران أبداً على مر تاريخها مثل هذه المقاومة الشعبية الوطنية المتجذرة، مقاومة وطنية، وأقدم إئتلاف تاريخي طويل بمسيرته النضالية، مُقتدرٍ ومُختبر، وببرامج ووجهات نظر ثورية عميقة تبلورت في تاريخ "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" ومنظمته المحورية ومن تجلياته ومشاريعه مشروع برنامج المواد العشر من أجل وطن بكل مكوناته الشعبية ذلك البرنامج الذي قدمته وتعمل عليه السيدة مريم رجوي.

الكلمة الأخيرة!

تمتلك "إيران" في زماننا هذا الظروف الذهنية والموضوعية الكافية للثورة، والمقاومة الوطنية ببنية محددة، وأهداف واضحة وبرامج عملية ممكنة ومتاحة لدى العوام، ولهذا السبب يتكالب داعمو الدكتاتورية في إيران على تهميش هذه المقاومة وجر الشعب الإيراني إلى فترة مظلمة أخرى مرة أخرى! وفي مثل هذه الظروف فإنه من الواجب على القوى العاملة الصادقة في أعماقها بالنضال ضد الدكتاتورية أن تعمل بنشاط على تقوية هذه المقاومة الوطنية والنهوض بها، ومعرفة قيمة عنصر "الوقت" ووضعه واستغلاله في مكانه ذلك لأن أي تأخير في هذا الأمر لن تغفره "الأجيال القادمة" لـ "الأجيال الحالية"، "الفرصة" مُهيأة من جميع الجوانب من أجل  الثورة، المقاومة الوطنية تدعم وتساند المقاومة الإقليمية، والأمر متروك للمقاومات الإقليمية لتقوم بدورها التاريخي في التوافق والإصطفاف مع المقاومة الوطنية!