كرم نعمة يكتب لـ(اليوم الثامن):

رئيسي يربت على كتف الأسد “انتصرنا”!

لم يكن عنوان تقرير وكالة الصحافة الفرنسية بالتزامن مع وصول الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق، وحده المضلل حد الخداع عندما زعم أن اسباب الزيارة تعود إلى دوافع اقتصادية صرفة، بينما لا يخفى على العقل التحليلي المتواضع أن يصنف زيارة الرئيس الإيراني بانها سياسية بامتياز، وترفع أعلى “رسائل الفوز” بوجه الدول العربية، بأن إيران تربت اليوم على كتف من تحميه في سوريا، مثلما هي حاضرة بقوة في لبنان والعراق واليمن.

فسوريا في كل الأحوال ليست سوقًا تجارية كبيرة لإيران التي تعاني بالأساس من انهيار اقتصادي وتضخم مالي. كي تزعم وكالة أنباء “عالية الحساسية الإخبارية”!! مثل فرانس برس بان زيارة رئيسي اقتصادية.

قبل أيام كتبت الزميلة كيم غطاس في صحيفة فايننشيال تايمز، تقترح علينا التعلم من دروس التاريخ القريبة كي لا نبدو كمن يكذب على نفسه أكثر من أجل أن يصدّقها!

معيدة إلى الأذهان ما فعلته الدول الخليجية عام 2012، في قمة أصدقاء سوريا في تونس، عندما ضغطت على وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون لتسليح المعارضة السورية.

ونقلت كيم عن مسؤول عربي كبير قوله إن بشار الأسد يحتل سوريا ويجب إبعاده. بينما اليوم تبدو زيارة وزراء الخارجية العرب إلى دمشق، بمثابة تمهيد لزيارة رئيسي، أو أولى نتائج سياسة الاسترضاء التي قدمتها عواصم عربية إلى طهران.

بينما نقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن مسؤول سعودي قوله إن اتفاق بكين بين الرياض وطهران لم يضع إعادة سوريا إلى الجامعة العربية جزءا من الصفقة، لكنه أكد على أنه لم نكن سنصل إلى سوريا قبل مد يد العون لإيران!

مع ذلك دعونا نبحث عمن يجيب، أيها السادة، عن سؤال: هل تمتلكون مؤشراً واحداً عن تراجع سياسة الهيمنة الإيرانية على المنطقة؟

ستأتي الإجابة بـ “لا” قوية! ذلك ما قاله رئيسي في دمشق بصوت عال وهو يربت على كتف الأسد “لقد انتصرتم وعبرتم واجتزتم كل هذه المشاكل رغم التهديدات والعقوبات” وهو في حقيقة الأمر يريد أن يقول إيران من انتصرت عبر الإبقاء عليك، حيث صار طريق وزراء الخارجية العرب سالكا إلى دمشق وهي تحت حماية الحرس الثوري الإيراني، بذريعة إغلاق طريق الكبتاغون من دمشق إلى العواصم العربية.

اليوم، وفق كيم غطاس، يمارس المحللون الذين يدافعون عن السياسة الرسمية العربية أمام وسائل الإعلام الغربية، الصمت لأن الكلام صار مرهقًا عليهم عندما يتعلق الأمر بغسيل السمعة السياسي لإيران ومن ثم لبشار الأسد، فذلك منعطف صعب لبيع الكلام، وازداد صعوبة بعد زيارة رئيسي لدمشق والتلويح من هناك باستمرار سياسة الهيمنة الإيرانية على المنطقة.

لقد صارت جملة “إعادة سوريا إلى الحضن العربي” لا معنى سياسًيا لها، إن لم تكن ساذجة وتصل متأخرة وتحدث ضرراً، عندما يتم استبدال إيران بسوريا في الجملة المكررة كثيراً منذ أسابيع. فهل آلت سياسة الاسترضاء العربية إلى أن تكون إيران هانئة لهذه الدرجة في الحضن العربي؟

أي خيبة تمثلها الإجابة للشارع العربي الذي يعاني من وطأة الميليشيات الإيرانية، عندما يصبح الطريق البري من طهران إلى دمشق عبر بغداد آمناً بحماية حكومة الإطار التنسيقي. سيكون حينها لدى إيران ما تقوله في سوريا، لتوصل الرسالة الأقوى إلى دول خليجية أخرى.

ذلك ما أجاب عليه مسؤول إيراني بوضوح عندما وصف زيارة رئيسي إلى دمشق باستعراض للقوة، من أجل أن تقول طهران بأعلى صوتها “نجحنا في الحفاظ على الأسد في السلطة وسنواصل الحفاظ على وجودنا القوي في المنطقة. إيران تريد أن يكون لها اليد العليا إن كان الوقت سلمًا أم حربًا”.

بعد الدراما السياسية التي انتجها اتفاق بكين، يجدر بنا تذكّر الكلام الكثير الذي قيل آنذاك عن “الناتو العربي” للوقوف بوجه إيران منذ اندلاع “عاصفة الحزم”! في اليمن، بينما تحول الكلام بعد سياسة الاسترضاء إلى مرارة تحويل الدول العربية إلى حديقة خلفيّة لإيران يرافقه صراخ إعلامي أجوف يحوّل الانصياع إلى انتصار، عندما يعرض علينا جرائم إيران في المنطقة على أنها ثمار يانعة لحنكة سياسية عربية.

مع ذلك ووفق التقويم المفرط بالتفاؤل، فأن سياسة خلق العدو المشترك للتعايش بين دول عربية وإيران لا يمكن أن تكون حلا قابلاً للصمود بوجود استراتيجية قم أم القرى الإيرانية. فضلا عن كون هذا القول باهتاً، فأن التعايش المفترض تبدده كلمة إبراهيم رئيسي في دمشق “انتصرنا”.

لكن الانتصار على من؟ دعونا نترقب الإجابة إن بقيت شجاعة الاعتراف عند الذين يمارسون غسيل السمعة السياسي لإيران!