نجمي عبدالمجيد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الصراع الدولي في الخليج العربي.. كيف يصبح التاريخ مركزية الاتجاه السياسي؟
منطقة الخليج وعلى امتداد مساحة الجزيرة العربية ، ظلت في موقع الحسابات السياسية لكل قوى كبرى سعت للتسيد لمكانه المشهد الذي يتشكل في اطار جغرافيا هي من تجعل صناعة القرار قوة مركزية في تحريك الاهداف نحو هذا المكان الذي ما زال حتى اليوم ارضية عمق اساساتها غير مدعمة بقواعد صلبة .
يذهب بنا مؤلف الكتاب نحو السرديات التاريخية التي هي دائما من تعطي للراهن ابعاد الرؤية ، فلا ادراك لما هو قائم دون سياسة متسلحة بقوة الوعي تجاه الهدف .ومنطقة ظلت على طول تاريخها لا تعرف منطلق البوصلة المستقرة بل تنقلت فيها حالة ارتفاع الامواج بحرا وتحرك الرمال برا كلما تغيرت خطط الغرب حسب مسارات القوى العالمية التي لا تخرج الخليج العربي وجزيرة العرب عن منطلق نفوذها .
يذهب بنا مؤلف الكتاب نحو السرديات التاريخية التي هي دائما من تعطي للراهن ابعاد الرؤية ، فلا ادراك لما هو قائم دون سياسة متسلحة بقوة الوعي تجاه الهدف .
ومنطقة ظلت على طول تاريخها لا تعرف منطلق البوصلة المستقرة بل تنقلت فيها حالة ارتفاع الامواج بحرا وتحرك الرمال برا كلما تغيرت خطط الغرب حسب مسارات القوى العالمية التي لا تخرج الخليج العربي وجزيرة العرب عن منطلق نفوذها .
مما يطرح علينا الدكتور ابراهيم محمد حسن في هذا الحوار مع مجريات التاريخ .. يرى الكتاب في المصادر القديمة ان تجارة الشرق كانت تمر من ثلاث طرق هامة في سبيلها نحو البحر المتوسط وأوروبا .
وهذه الطرق الثلاثة هي طريق الشمال والوسط وطريق الجنوب ، الاخير كان طريقا بحريا من الهند الى الموانئ اوانا وجزيرة سقطرى في جنوب بلاد العرب وذلك في عهد الفراعنة والبطالمة ومن جاء من بعدهم من قوى سعت الى وضع هذا المكان في داخل خارطة سيادتها وفي العصور الحديثة فرضت القوى العظمى منطلق هيمنتها هنا ، حيث كانت لبريطانيا حصة النفوذ الاكبر حيث يقول :
((عملت على تغيير الخطة الاستراتيجية والعسكرية لذلك فان بريطانيا قامت باحتضان امارة مسقط في جنوب شرق الجزيرة العربية ، حتى لا يصل نفوذ محمد علي اليها والى مياه الخليج العري والهند ، ثم استعدت للهجو م على الامبراطورية المصرية من ناحيتين من الهند جنوب البحر ومن البحر الابيض جنوب سوريا فاحتلت عدن سنة 1839م وبذلك تمكنت من اقفال البحر الاحمر من الجنوب من الجنوب واستعدت بعد ذلك لاتخاذها قاعدة بحرية ، تهاجم منها موانئ الحجاز والموانئ المصرية في البحر الاحمر ))
في الحرب العالمية الاولى ( 1914م/1918) كانت قوات الدولة العثمانية العسكرية في الدول العربي ليست في المستوى المطلوب من حيث العدد بالمقارنة مع القرات البريطانية في مصر وسودان وعدن والخليج العربي اذ ان تركيا كانت تحتفظ بفرقتين عسكريتين في اليمن من الممكن ان تهددا قاعدة عدن تهديدا مباشرا .
وفي نفس الوقت ... سعت السلطات البريطانية في الهند من ناحية اخرى بنشاط مماثل في الجزء المواجه لها من جزيرة العربية ابتداء من المحيط الهندي والخليج العربي وفي عام 1914 وضعت بريطانيا في عدن سلطات متخصصة في ادارة شؤون منطقة الخليج العربي .
وسواء كان ذلك في عدن او على شاطئ الخليج الشرقي والغربي على حد سواء وكانت هي التي اشرفت على العمليات الحربية للاحتلال البصرة في جنوب العراق في نوفمبر عام 1914م عندما تم نقل العليات الحربية الى العراق.
من الدول التي سعت الى اقامة مراكز لعا في خليج العربي المانيا وهي صاحبة مشاريع اقتصادية في تحالفها مع الخلافة وكانت تلك المشاريع ترمي في المقام الاول الى هدفها في الوصول الى البحر الابيض المتوسط والاتصال بالخليج العربي بطرق مباشرة ، وكذلك مشروع سكة الحديد بغداد وما يتفرع منه الى عدة مناطق عبر البر .
لكن ذلك المشروع شكل مصدر تخوف للوجود البريطاني في المنطقة لأنه من الممكن لألمانيا استخدام هذا الخط الحديدي في تهديد المواصلات لبريطانيا في الخليج العربي والبحر الاحمر وقطعها ، علاوة على احتمال انضمام العرب لتركيا مع ما يمثله من تهديد خطير لمركز بريطانيا في عدن ومصر .
كما هدفت المانيا لان تكون هي من يخلف الدولة العثمانية في الشرق كله وبذلك تصبح هي القوة الرئيسية فيه وتهديدا لمصالح بريطانيا وفرنسا من الشرق حتى اسيا . وفي دائرة اخرى من دوائر الصراع على النفوذ في الخليج العربي كان لمصر حضورها فلم تكن عودة قواتها من الاحساء الى الحجاز تعني ان الحكومة المصرية تركت امر الخليج العربي للقوى الموجودة فيه ، فقد كانت الاطماع والتحركات السياسية والعسكرية الانجليزية تملا الخليج العربي ، حتى خليج عدن وباب المندب والمخا على مشارف البحر الاحمر ، وقد زادت حدة هذه التحركات عندما ظهرت القوات المصرية على شواطئ الخليج العربي ، بلغت هذه التحركات قمتها عندما شتت الاسطول البريطاني هجوما بحريا فارسيا على مشيخة راس الخيمة عام 1819م في اواخر القرن التاسع عشر اصبحت بريطانيا هي القوة المسيطرة عسكريا وبحريا على الخليج العربي ، فأسطولها التجاري والعسكري يسيطر على تجارة الخليج وطرق المواصلات فيه ومداخله من الجنوب وكذلك قوتها البرية تسمح لها فرص السيطرة واخضاع القبائل على جانب الخليج وكانت تركيا هي من تنازعها في تلك السيطرة وكانت تسيطر على العراق والجزيرة العربية وسوريا وفلسطين والعراق وسواحلها الجنوبية تقع في القرب من ابار شركة البترول الانجليزية الفارسية ، كذلك تعد السيطرة الاتراك على سواحل البحر الاحمر في الحجاز والحديدة والمخا كانت تساعدهم بالاتصال بمصر والسودان وهذا يمكن ان يتسبب مصاعب لبريطانيا في هذه .
يعود الصراع بين الفرس والاتراك الى عام 1508م عند استيلاء الشاه اسماعيل الصفوي على العراق ، ولكن الدولة العثمانية هزمته في موقعة جالديران عام 1514 م ولككن ظلت كل بغداد والبصرة في يد الشاه الصفوي ، ولكن في عام 1534م تم احتلالها من قبل السلطان العثماني سليمان القانوني .
في نفس الوقت كان البرتغال قد سيطروا على مدخل الخليج العربي بعد استيلائهم على جزيرة سقطرى عام 1506م وقيامهم بالهجوم على مضيق هرمز حيث قاموا ببناء حصن يتحكم في مدخل الخليج ، وبهذا يكونون قد اصبحوا لهم سيادة العسكرية والتجارية .
لذلك عمل الإنجليز بالتدريج منذ القرن 19 على ان تكون لهم الكلمة في الخليج العربي عبر فرضها بالقوة العسكرية وقد استطاعوا من خلال النظم التي استحدثوها لا من البحار ان يشقوا الخليج الى قسمين : الشرقي الغربي فصلت الجماعات العربية في الشاطئ الغربي ومن جانب اخر وحول البحث عن ثروات المنطقة بدأت الشركات البريطانية بعد ان استقرت لها الامور حيث ظهرت في العراق حقول البترول الكثيرة بعد الاستمرار في التنقيب في اوائل القرن العشرين وتثبيت شركة نفط العراق اقدامها هناك بوصفها صاحبة الامتياز الاول في تلك المنطقة .
وفي مسار اعادة رسم خرائط المنطقة من قبل بريطانيا يقدم لنا الكاتب رؤية في ادارة الصراعات بين العراق وايران حول شط العرب ، فهو نهر عراقي حسب ما هو معروف في جميع الاتفاقات والمعاهدات التي عقدت في السابق بين الدولة العثمانية التي كانت تابعة لدولة الخلافة الاسلامية وبلاد فارس حتى معاهدة ارضوم الثانية الموقعة عام 1847م وهو يعود الى ابعد من ذلك العهد وقد ترعرع في ظل الاحتلال البريطاني للمنطقة الذي غذاه بحبك المؤامرات بين الدولتين .لكن الاطماع الايرانية استمرت عبر عقود عديدة عبر التهديد المسلح وتارة باللعب في الالفاظ ، فجرت معاركك كثيرة حول هذه المناطق ، وفي كل المفاوضات يكون طلب ايران اضافة جزء اخر الى ايران من الاراضي العراقية .
كان شاة ايران قد الغى 1969 الاتفاق الرابع بين ايران والعراق الذي كان قد تم التوقيع عليه في عام 1937م ثم بدأ يطالب بتقسيم شط العرب ولكن العراق رفض ذلك .
لكن شاه ايران محمد رضا بدأ في تسليح الاكراد ودعمهم في التعاون مع اسرائيل وامريكا ، لذلك رأى العراق في توقيعه اتفاقية الجزائر عام 1975م تقدم له فرصة لمنع تقسيم شمال العراق .
وبالعودة الى سرديات التاريخ البريطاني في الخليج العربي نجد ان تصاعد الصراع هنا ليس من لحظات التصادم في الراهن ، حيث لعبت السياسة البريطانية في صناعة الحدود المشتعلة والمتفجرة في ازمات دائمة ، لأنها متصلة بين الجغرافيا والسياسة ، وعملية قوة التماسك وكلما مرت مراحل التاريخ تصاعدت حدتها وهي دائما ما تدخل في دوامة الحروب المسلحة التي لاتصل الى حل نهائي ، بل تترك الامور عند نقاط ليست لها معالم واضحة بل تذهب نحو مزيد من ارتفاع درجات التقرب والرصد لاحتمال مواجهات قادمة .
لهذا ندرك ان صناعة القرار السياسي هي ادراك لموقع المكان وخصائص الموقع في فترات الصدام التي لا تنتهي طالما ظلت لهذا الامتداد الجرافي حسابات المكسب والخسارة في إدارة الصراع لان الازمة مع الجغرافيا المرتبطة بالمشاريع السياسية لا تسقط مهما تغيرات صور واشكال العمل السياسي .
عملت بريطانيا على مد نفوذها في الخليج العربي ودحر كل قوى دولية تصل اليها حتى تكون هي صاحبة اليد العليا فيها . ومما جاء في سرديات التاريخ الصراع بين بريطانيا والبرتغال والذي يعود الى عام 1620م حيث احرز الانجليز نصرهم الساحق على البرتغال بتاريخ 28ديسمبر 1620م .
عام 1621 دخل الشاه الفارسي مع البرتغال وتعاون مع الشركة الإنجليزية في مضيق هرمز، وفي عام 1622م انتصر التحالف البريطاني الفارسي .
وفي 1 فبراير 1622م تم غزو مضيق هرمز دون مقاومة من جانب البرتغاليين ، لكن اصر شاه ايران على تدمير ذلك المكان الذي كان يعد من معاقل التجارة للبرتغال لتصبح بريطانيا صاحبة الامتياز الأول في الخليج العربي .
ومن هنا سارت الأمور كلها ، لكن تصاعد الصراع في أوروبا بين فرنسا وبريطانيا حيث استقر الرأي الفرنسي على غزو مصر في عام 1798م باعتبارها مفتاح المواصلات بين الهند وبريطانيا .
استمرت السيطرة الإنجليزية في الخليج العربي والبحر الأحمر وكان الاحتلال عدن الدور الأبرز في هذا الجانب ،ولكن جرت تطورات سياسية وعسكرية أدت الى تغيرات على قدر واسع من الأهمية في هذا الجوانب وهي ظهور محمد علي باشا والي مصر الذي راح يفكر في الوصول الى عدن قبل بريطانيا كي يضع يده على مفتاح باب المندب حيث تعد حركة الملاحة البحرية وتحركات التجارة العالمية ومن هذا المنطق لم تكن عدن بعيدة عن مخططات الغرب ومنافذ القوى الكبرى في بسط السيطرة على طرق ظلت رهن كل المشاريع الغربية منذ قرون حتى اليوم .
لا تهدف القراءة في هذه الزاوية من التاريخ مجرد سرد الماضي بل سعت الى ربط بين مواقع جغرافية شكلت دوائر منافسة دولية عبر قرون ، وهي تلقي بأزماتها على الحاضر . بالرغم من تغير اشكال القوى الدولية وطرق التعامل مع الاحداث والتفوق العسكري عند اكثر من طرف وتحول نمط الاقتصاد والتجارة من أساليب قديمة الى حركة راس مال واسعة في العلاقات مع الشعوب ،حافظت منطقة الخليج العربي على جزرها وبحارها وظهور قوة اقتصاد النفط فيها ادخلها في دائرة الصراعات كبرى ، مد نفوذ القوى الإقليمية أهدافها مثل تركيا وايران والصين وروسيا التي تعود سرديات السابق كي تستعد مجدها في نوعية السيطرة هنا .
فهذا التاريخ ليس مجرد ذاكرة الماضي بل هو لعبة الراهن ، في اطار مشروع الشرق الأوسط الجديد .
وكل دراسة في هذا الاتجاه هي رؤية لما يطبق على الأرض ، لان صناعة القرار السياسي لاتكون وتصاغ ابعادها الا من المرجعيات العلمية الداخلة في صلب تكون المنطلق لكل قوى عالمية لا تغفل الجغرافيا وهي مساحة تفرض عليها حسابات تسير مع تمدد القوات العسكرية التي اصبح تواجدها في هذا المحيط يؤكد على هيمنة السلاح في العمل السياسي في الموقع الجغرافي ... وتلك هي لعبة الأمم.