نجمي عبدالمجيد يكتب لـ(اليوم الثامن):

"نظرية أكل الجسد من الأطراف".. كيف يتم تفتيت الأمم من خلال زرع التفسخ في كيانها

عدن

الثورة تنقلب الى سلسة من الجرائم طالما عقيدة الدم هي العقل المتحكم فيها عندما يتعمق البعد في الرؤية وتصبح اصغر الجزئيات واضحة المعالم تصبح عملية تعرية المجتمعات من ركائز قوتها حالة سهلة في وضع مشرط القطع ، لان الجزء لم يعد ضمن التراص في البنيان الواحد بل هو عامل لتشرذم الجسد وكما نزلت قوة الضغط على الة البتر، تدفق نزيف الدم من المكان الذي لم يعد تابعا للكيان الواحد بل اصبح ذاتا منفصلة خاضعة لأمر الوجع الذي اعطى لها مسافة الخروج من قوة الترابط التي ظلت تحكم كل الاطراف والاجزاء في الجسد الواحد .

وكم هي الشعوب والاوطان التي طرحت على مشرحة البتر والقطع وكم عانت من امراض نفسية وعضوية اكلتها من الاطراف وترسبت جرائم العلل حتى ضربت اجسادها الى حد التعفن .

لم يعد من الصعب ضرب المجتمعات التي اصاب جسدها مرض الجذام السياسي والمرض العضوي في الامة هو الصورة الخارجية لما يسكن ذلتها من امراض نفسية والدارس السياسي الذي يربط بين علم النفس وعلم السياسة يجد في الطائفة والمذهبية والقبلية والمنطقية  وغيرها من امراض الهوية والانتماء شحنات تدميرية متى ما تم رفعها من وضعية الاحتكاك العادي الى حالة الصدام الدامي.

والمجتمع الواحد في اطار هذه العوامل لها اكثر من طرف من الممكن اكلها منها من خلال اعادة هيكلة هذا الجزء .

 وهي عملية تقوم على زرع اوهام السلطة والنفوذ عبر اعلان التمرد ضد المركز وكلما توزعت دائرة الصراع تأكلت جاذبية الشد نحو القضب الواحد واصبح كل طرف يقطع من الجسد الواحد كيان امه لها صفات القيادة والاتباع وهذا يعلو بدرجة التفسخ في داخل هذا الكيان حتى يصل هو نفسه الى مستويات الى العفن القاتل .

تنقلب الثورة الى سلسة من الجرائم طالما عقيدة الدم هي العقل المتحكم فيها .

هناك من يرى في هذا المال حتمية تصل اليها شعوب تحمل امراضها الاجتماعية الدائمة البقاء في دمائها لأنه الثورة ان حملت شعارات الخلاص من حقبه الطغيان والظلم فهي لا تولد الا عبر اساليب الجريمة ولكنها جرائم الحق السياسي فالقتل هذا يصبح رد الفعل الثوري تجاه قوة القهر ولكن هذه الحالة تقوي الروابط بين الجريمة والعمل النضالي حتى تصل قيادة الثورة الى مراكز الحكم لتطبق نفس الاساليب على فئات الجماهير التي خرجت منها .

جرائم السلطة تدخل في عدة صورة ويلعب الاعلان الرسمي اخطر دور في رفع الجريمة من وضعية الرذيلة الى قداسة العمل الوطني ويصبح المواطن الذي كان في السابق المناضل في الجبهة الاولى لدفاع عن الثورة مجرد رجل في دائرة الشك .

السلطة ولا نقول الدولة : السلطة ليست وليدة القوانين بل هي تخرج  من كيان الجريمة والفوضى لقد رأى بعض من خبراء العلوم السياسية ان كثير من الشعوب التي لا تصل بعد الى مستوى التاريخ انها سفكت من الدماء وقتلت من الاجساد  والارواح اكثر مما عمرت في اوطانها .

لقد ظلت عقيدة القتل شعارها المقدس باسم الدفاع عن الثورة والوطن ضد الاعداء ، ولو كانت هذه الفرضية ظلت لفترة من الوقت تم خرجت منها الى حقبة الاعمار لكانت الامة قد تجاوزت ازمة المواطنة التي اصبحت موزعة في ملفات الاتهام ورجال التحقيق ومن هنا تكونت عقيدة التغير الدموي فكل هذا الكم الهائل من جرائم السلطة لا يكون ضربها الا عبر صعود جرائم الشعب لتصبح مسالة نقل السلطة من فئه الى اخرى لا تتم الا عبر الجرائم .

انه مجتمع يأكل من اطرافه لأنه في جسد كل امة مناطق رخوة عبرها تدخل كل اساليب الهدم حتى تصل الى عمق المجتمع وشعوب عاشت الكفاح المسلح والنضال الوطني تم انتهت الى محارق الحروب الاهلية لقد طبقت على هذه الامم نظرية اكل الجسد من الاطراف كي تمزق اجساد الشعوب لابد من البحث في امراضها والتي تحولت عبر حقب التاريخ الى قواعد في علاقاتها مع الذات والغير .

من وسائل الخداع التي تسوق في لعبة الصراعات السياسية ، شعارات التغيير الشامل الثورة تعيد صياغة وهي الامة القضاء على الجهل والفقر والمرض .

وعندما ندقق النظر نجد ان من رفعوا هذا الاعلانات البراقة هم من حافظوا على كل فيروسات الماضي جسد الامة ولكي تضل فترة حكمها اطول تعاد كل فترة نفس الاعانات حتى تصل الى درجة تخدير الجماهير وجعل الاكاذيب عقاقير تدخل العقول في زمن الغيبوبة عن الواقع المأزوم بينما عمليات اكل الجسد قد خرجت من الاطراف لتدخل في صلب المجتمع الذي تحول الى عجينة رخوة غير قادر على استعادة منزلة الكتلة الواحدة وهذه ظواهر نجدها في الدول والشعوب التي وصلت الى حالات من التمزق ولم تعد بقادرة على بناء وحدة كيانها من جديد بعد ما ذهبت بها نيران الصراع التي واصلتها الى حافة الرماد.

في اطار هذه الوضع الفاقد لكل حالات الاتزان لم تعد هذه الشعوب والاوطان في مستوى الحقوق الواحدة ولا يمكن النظر اليها كأمة ذات صفات متكاملة لأنها اضاعت كل عناصر الالتحام المادي والمعنوي فهي هنا جزئيات او يمكن النظر اليها مثل الحشرات التي تعيش في مكان لكنها تتآكل وتأكل بعضها 

والامر الخطير في هذه النظرية انها جعلت عددا من الشعوب في منزلة دون درجة الحيوانية فهي مثل الصراصير والبعوض والفئران التي تستخدم حينا حقل تجارب لنظريات الابادة او تستخدم ضدها اسلحة جرثومية كي تموت وهي في وضعية الحشرات .

كل من ينظر الى ساحة الشرق الاوسط ويشهد ما فيها من حقول واسعة للدمار والحروب ، دول ضربت حسب طريقة كسر العظام وسلخ الجلد واحراق لحمها على السيخ الحديدي .

واخرى يتصاعد فيها الدخان الفتن والانهيار الاقتصادي ، وتسوق فيها عقائد العنف وفلسفة التطرف وتوسع دوائر الارهاب وكل هذا هو المهاد  الفكري لقلب هذه الدول وادخالها في فوضى الازمات التي لا تعرف لها من مخرج .

في كل هذا تكون بداية الاستهداف هي المواطن الفرد وهو هنا حالة قابلة للشحن الاجرامي لأنه حرم من كل حقوق المواطنة والدولة بالنسبة له ما هي الا قوة قهر وفساد كل وسائلها في التخاطب مع الشعب منطقة من تاريخها الحافل بموت المواطن ، وهذه القوة التي تحولت  الى شق قاتل بين الفرد والدولة او السلطة، لايكون الاتصال الا عبر الرغبة في الانتقام .

السلطة هنا قد وصلت الى الحق المقدس الذي لا يجوز التطاول عليه ،وان حدث هذا من قبل الفرد او الجماعة ، فليس من اساليب للعلاج سوى الضربة القاضية حتى لا تعود الحالة من جديد.

اما الفرد او الجماعة فترى في وسائل الخطاب السياسي الراقي مع السلطة مجرد احتقار لوجودها ، طالما البناء الفوقي في الهرم السياسي لا يتعامل مع الامة الا عبر دونية المكانة فلا تسمح لغير صوتها بالارتفاع، لذلك تنزل المقاومة والتمرد وكل اساليب الرغبة في هدمها الى قاع المجتمع وفي ذلك العمق لا توجد بصمة واحدة .

الحالات الذاتية والتي ظلت محاصرة في اصغر زوايا الانتماء تتجسد كقوة هامة قادرة على ان تصبح جزءا من ادوات الانتقام  .

السلطة عيونها ضعيفة البصيرة هنا لأنها في الاعلى فلا ترى الا فراغ الرؤية.

اما القاع فقد غابت عنه ،لأنها ظنت ان كل شيء تحت السيطرة ، وعندما يأتي من الهزة الاولى تكشف انها تقف على ارضية هشة سياسيا اضعف من قشر البيض، فيكون السقوط ن وهنا تتصاعد دورة جديدة من جرائم الانتقام وسفك الدماء.

السلطة القادرة يجب سحقها بل تدمير كل ركائز مجتمعها .

لذلك نجد لغة القتل الشامل تحصد اكبر عدد حين يكون السقوط دون حسابات للوقوف السياسي القادم ـ تندفع قوة التدمير الجماهيرية  دون ان تحمل معها  البديل المنقذ فتكون الفوضى والتخريب وخلق تجار الحروب وتبعثر السلطة الى اكثر من مربع ، وهذا ما جرى بعد الربيع العربي الذي سوق عبر مطالب الشعب ورحيل الحكام وهدم الفساد وقيام دولة المواطنة والعدل والحرية .

ولكنها صنعت الجرائم لم تكن تخطر في خيالها قتل الشوارع ، ذبح اسر بالكامل ، هدم لكل مقومات الحياة ، فقدان الاتجاه السياسي الواحد حتى اصبح في هذه البلاد في كل شارع  فرقة مسلحة هي من تحكم .

وتوسعت حرائق الانتماءات الفردية والعصبية ، وتحول القانون الى من يحمل السلاح ويطلق الرصاص والقذائف كي يقول (لا صوت يعلو  على صوت الجريمة).

امة جعلت من السلاح القاضي الذي يفصل الازمات ومن ساحات الدماء قاعات للعدل والقضاء ورفعت المجرم الى مصاف صناع الواجبات والحقوق  لا يمكن لها ان تخرج من هذا الخراب ، لذلك هي في قائمة الشعوب التي يجب اخراجها من حق البقاء في هذه الحياة .

هناك من اهل المعلومات والفلسفة من يرى ففي حالات مثل هذه الشعوب ، حتمية لا بد من المرور بها .

فكل دورات التناحر هي عملية اخراج  لأوساخ هذا المجتمع وقتل لأكبر عدد من امراضها ... لذلك الفائض من الشعب والذي يتحول الى عبء على المجتمع  لأنها قوة معطلة لحركة نموه ، وغير هذا من تراكم الضغط على اساليب الحياة.

لابد من ادخاله في محرقة الصراعات ، فالدمار يوجد مساحات واسعة بعد زوال القديم ، ينظر الى الخراب هنا كوسيلة لنقل هذا المجتمع من مرحلة تصاعد طبقات الامراض والعلل العاجزة عن علاج نفسها ، فلا يصبح الحل الا في تفجير هذه المجتمعات من الداخل ، لان كل العوامل المساعدة على قتلها اكتملت شروطها .

هنا نقف امام نظرية اخرى وهي ( انتحار الشعوب ) كما يصل الفرد الى حالة من اليأس والكفر بالحياة لعدة حالات تجمعت عليه فلا يرى من الهروب من هذا الحصار غير الاقدام على قتل نفسه .

كذلك تصل بعض الامم الى ذات الدرجة من الجنون النفسي ، فلا ترى من حل سوى هدم المعبد على الكل كما قال  شمشون الجبار ( علي وعلى اعدائي ).

لذلك تجد اضعف مواطن يحمل السلاح ويقدم على كل انواع الجرائم ضد هذا المجتمع الذي يمارس ضده  كل اشكال القهر والحرمان .

عندما يصل المواطن الى اقصى درجات فقدان الانتماء للوطن ، يكون هو قوة التفجير المدمرة في كيان المجتمع .

الحروب الاهلية لا تبدأ من فراغ ، لها اكثر من عام وسبب وهذه الحروب لا توجد الحلول بقدر ما تساعد على اطالة المحن ، وكلما طالت فترات القتل والتخريب تترسخ في الانفس امراض الحقد ، هذا مجتمع لا حل فيه سوى اطلاق النار على كل نفس .

ام موت الاخر لا يعني الوصول الى الغرض النهائي ، هنا تغيب نهاية المشهد .

كل صورة تسقط تكون خلفها صورة اخرى لهذا يظل مبدأ القتل حالة مستمرة في الذات .

ما ينتج عن هذا هو تحويل المجتمع الى اليات قتل متحركة دون توقف .

نرى هذا في دول الحروب الدائمة كم من فرق دخلت الحروب ومن ثم سقطت وتقوم فرق اخرى اشد عنفا وشراسة لتذهب هي ويأتي  بعدها من هم اشد جرما .

ليس ما يطرح  في هذه النظرة الموجزة الا مجرد اقتراب من مشهد العاصفة النارية المتصاعدة في الشرق الاوسط ، اماكن الثروات والمواقع وصراع المصالح بين القوى الكبرى التي تعمل على اعادة رسم الخارطة المنطقة ، وكان هذه الاوطان والشعوب مجرد حيوانات تروض حسب لعبة الامم التي مازلنا ضمن دائرة قواها المحركة في الية تبدل مراكز القوى .

في واقعنا المتصدع لم تعد اليات الحقب السابقة تساعد على طرح فرضيات الانطلاق من نظرات عجزت في الماضي عن فك حصار الامة ، بل ادخلت الشعوب في رهانات في مسيرة الدم باسم العنف الثوري الذي تحول الى ارهاب السلطة .

هنا نجد العنف يتقلب ما بين نضال الشعب والحفاظ على امن الدولة .

هي مفارقة في صناعة شكل الدولة ، وهل  القوة هي الاخذ الاوحد  من طرق الاعمار لشخصية الحكم ؟

ان حالات العنف المتبادلة بين الشعب والسلطة شكلت افضل العوامل في اسقاط الحكام والشعوب ، ودمار الاوطان وصعود لنظرية اكل الجسد من الاطراف ، وهل جسد امة عصف به التعفن قادر على  اعادة خلق الصحة فيه ؟

عندما يصاب عضو في الجسد بالعفن يقطع حفاظا على سلامة الجسد ,, ولكن عندما يضرب العفن كل الجسم ماذا يكون الحل غير دفن هذا الوباء

وهكذا المسالة مع الامم المصابة بهذا العفن السياسي ، وليس الدفن المادي هو المقصود ، بل المعنوي حيث تصبح مجرد كائنات تسعى على الارض دون هدف .