نجمي عبدالمجيد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الدولة الجنوبية المنشورة.. وصراع ممن فقدوا مصالحهم
هذا التشردم الذي يبدو واضحا لكل من ينظر في الجغرافيا السياسية للجنوب، وحالات من التفكك ضربت بقوة مراكز في سلطة الاحتلال اليمني كانت تظن انها قد وضعت الجنوب تحت الوصايا اليمنية الى الابد.
تلك هيا حساباتهم التي مازالت حتى الان تقف عند حدود حرب 1994م، وهذا في علم السياسة يطرح في دائرة قصر النظر لمن يظل في تصوراته اسيرا لأحداث معينة.
وحالات الضعف في الرؤية السياسية تكون وليده الخوى العقلي من ثقافة التاريخ مما يجعل أصحاب هذا القصور في دائرة مغلقة دايما ما ترتد رؤاهم لما هم في من تصور للحدث.
وفي حالات مثل هذه تنتج ردأت فعل متشنجة في النفسيات السياسية التي لا تريد للأمور ان تخرج عن مسارات اوهامها فهي تسقط المتخيل الذاتي على كل ما نغاير هذا الاحتواء الذي يعد الحصن الطارد لما يقلب معادلات كان ينظر لها من ثوابت من أحداث سياسية.
لقد لعبت قوة الاحتلال اليمنية على مختلف الاتجاهات وكانت تهدف من وراء كل هذا الى محو تاريخ الدولة الجنوبية وسوقت أفكار هي أقرب لتزوير والتضليل وصناعة الأكاذيب لي الرأي العام الإقليمي والدولي، بان الجنوب لم يكن قبل عام 1990م الا حلقات صراعات وتناحر فرضتها عقيدة ليس لها من مرجعية في الواقع.
ومن هذا المنطلق اشاعت بان الجنوب لم يملك المؤسسات الأمنية والعسكرية والثقافية والاقتصادية وكل ما يعمل على إقامة الدولة لذلك سعت هذه القوة الاجرامية الى تدمير كل مقومات الدولة في الجنوب بعد حرب 1994م لتحدث فراغ في كيان المجتمع الجنوبي ومن تم تفرض إشكالا من نوعية السلطة المذهبية الطائفية والقبلية التي هي ركائز تحرك النفوذ لمن يحكم اليمن، غير ان حسابات محو الجنوب من خارطة البيانات السياسية لم تكن من المدركات الواعية لدور الوعي الوطني في إعادة صياغة العمل السياسي في الجنوب العربي.
هذا ما لم يكن في حسابات صنعاء التي ضنت ان في الجنوب من السهل ان تطبق مخرجات جلسات القات التي تتخذ فيها قرارات السلطة.
ومن يقيس المسافة التاريخية منذ عام 1994م حتى الان سوف يجد مراحل وعوامل التكسر التي ضربت الهيكل العظمي للوحدة اليمنية فأصبحت مجرد قطع متناثرة لا تصلح للجمع من جديد
وهذا ما لم يكن داخلا في لحظات السطو والنهب التي تعرض لها الجنوب من قبل الاحتلال اليمني فالأرض التي كانت فرضية استباحة أصبحت قلعة قتالية، ودائما ما تكون المقاومة وإرادة الشعوب منطلقة من حق تقرير المصير وتقرير المصير يهدف الى صناعة دولة خارجة هيمنة المحتل وهو ما نراه اليوم من حلال الاعترافات الدولية والإقليمية.
ان المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة رجل الحسم السياسي والعسكري الرئيس قاسم عيدروس الزبيدي استطاع ان يرتقي بالقضية الجنوبية من فترة المسيرات والاحتجاجات في الشارع الجنوبي الى مكانة القوى المتمكنة على ارضها والمخاطبة لي الرأي العام العالمي والتي أصبح العالم يدركها بانها ليس مطالب فئات ولكنها حقوق امة كان لها دولة لها حضورها الدائم والفاعل في المجتمع الإقليمي والمجتمع الدولي.
لقد انهارت حسابات المحتل اليمني بعد كل هذه الإنجازات الكبرى التي تحققت للجنوب وأصبحت اكذوبة الوحدة اليمنية والدفاع عنها مجرد أطماع
في براميل النفط والغاز في حضرموت لقد انكمشت جغرافيا الوحدة اليمنية وخرجت من خرافات اليمن الكبير لتتحجم عند مستوى برميل النفط، فهم لم يعد لديهم من مساحة يقفون عليها سوى هذا المستوى من قياسات السرقة والنهب، وربما تصغر هذه القياسات الى مستوى جالون من النفط.
فالرعب القاتل لديهم ان تخرج هذه الثروة التي أصبحت في موقع جغرافي يدخل بالنسبة لهم في حسابات الصراعات العسكرية التي لم يعرف منها جيش اليمن قضايا الدفاع عن وطن او قضية ولكن الحروب التي خاضها هذا الجيش لا تخرج عن دوائر النهب للممتلكات الغير.
وتربية عسكرية لم تعلم من يتدرب عليها الا أسلوب اللصوصية لا تخلق في الذات عزيمة المقاتل الحر المدافع عن قضية لان المسالة هنا تدخل بالنسبة المكسب والخسارة، وهذه الحالة دائما ما تقوم جماعات عسكرية تربت عليها الى الهروب والتشردم عندما تشتد عليها الضربات وهذا يعني ان هذا السقوط يؤكد على ان لا بديل على جغرافيا الجنوب غير قيام الدولة الجنوبية فلم تعد تجدي اساليبهم المفلسة التي مارستها قوات الاحتلال اليمنية على ارض الجنوب العربي.
ونحن نرى اليوم كيف انفجرت أصواتهم في مواقع اتصالاتهم وغيرها من وسائل الاتصال باكية على وحدة ينطبق عليها المثل القائل (اكرام الميث دفنه).
ان الدولة الجنوبية ليست قادمة من فراغ بل لها عمقها التاريخي في هذا المكان فلا غرابه لمن كان له تاريخا في الماضي ان يصنع تاريخ المستقبل.