خير الله خير الله يكتب:
اليمن.. رشاد العليمي ليس أفضل من عبدربه منصور هادي
ليس حدثا عاديا، خصوصا لجهة التوقيت، تهديد زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي أخيرا التحالف العربي بقيادة المملكة العربيّة السعودية، باستهداف مشروع "نيوم" في حال عدم حدوث تطورات إيجابية في جهود الوساطة التي تقودها سلطنة عُمان بين الجماعة والمملكة.
يعكس هذا التهديد أوّل ما يعكس الأمة الداخلية التي يعاني منها الحوثيون الذين يسمون نفسهم "جماعة انصار الله" والذين استولوا على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014. هناك، استنادا إلى مصادر يمنيّة موثوق بها مأزق حوثي يتمثل في عدم القدرة على التعاطي مع مطالب المواطنين الذين صاروا تحت سلطتهم. يقاوم المجتمع اليمني الحوثيين الذين لا يمتلكون أي مشروع من أي نوع للمستقبل باستثناء مشروع غسل ادمغة المراهقين اليمنيين وزرع الخرافات فيها. لا وجود لمشروع سياسي او اقتصادي او ثقافي لدى الحوثي باستثناء لعب دور الأداة الإيرانيّة في خدمة المشروع التوسّعي لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة".
هل يطعم مثل هذا المشروع اليمنيين خبزا. الأكيد أنّ كل ما يستطيع هذا المشروع عمله، عبر اداته الحوثيّة، هو زيادة البؤس في اليمن من جهة وضمان وجود قاعدة صواريخ ومسيّرات إيرانية في شبه الجزيرة العربيّة من جهة أخرى. نسي عبدالملك الحوثي أوّل ما نسيه أن التحالف العربي لم يعتد على اليمن. كانت "عاصفة الحزم" ردّا على اعتداءات حوثية مستمرة على دول الجوار، في مقدمها السعودية.
لا شكّ أنّه كانت هناك بعض الحسابات الخاطئة في ما يتعلّق بطبيعة الوضع في صنعاء قبل استيلاء الحوثيين عليها وفي مرحلة ما بعد وضع يدهم على العاصمة اليمنيّة، لكنّ الأكيد أنّ الحوثيين كانوا وراء استفزاز دول الجوار. فعلوا ذلك عبر مناورات عسكرية وعبر اتفاق مع ايران يسمح بهبوط ما يزيد على عشر رحلات أسبوعية قادمة من طهران في مطار صنعاء. من هذا المنطلق، يبدو قول عبدالملك الحوثي أن "تحالف العدوان (في إشارة إلى التحالف العربي) يصر على الاستمرار في حصارنا واحتلال أجزاء واسعة من بلدنا وتفكيكه، وعلينا مواجهة ذلك كضرورة "، مردودا عليه. كذلك، مردود عليه اتهام السعودية بتجويع الشعب اليمني وقوله: "لا يتصور السعودي بعد فشله في الحرب العسكرية أن بإمكانه الانتقال إلى الخطة باء في استمرار الحصار والتجويع وحرمان شعبنا من ثروته، ولا يتصور السعودي أنه قادر على التهرب من إعادة الإعمار والانسحاب وإيقاف الحصار وأن ينسى شعبنا ما فعلوه به من قتل وتدمير". مردود عليه أيضا قوله: "لا يمكن أن يعيش السعودي في أمن ورفاهية وتحريك الإستثمارات في نيوم وغيرها ثم يتسبب باستمرار الحصار والمعاناة والبؤس في واقع شعبنا".
ذهب عبدالملك الحوثي بعيدا في تهديداته بقوله أن "استمرار السعودية في السياسات العدائية والخاطئة والتدخل السافر في شؤون الشعب اليمني لن يحقق لها السلام"، مشددا على ضرورة تحمل التحالف العربي تبعات عملياته العسكرية في اليمن، بالقول: "لا يتصور السعودي أن بلدنا سيبقى مدمرا ومحاصرا وشعبنا سيجوع ويعاني، ويبقى هو ناءٍ بنفسه عن تبعات كل ما فعله ويفعله".
كان ضروريا ايراد مقاطع عدّة من كلام عبدالملك الحوثي للتأكد من مدى خطورته ومن مدى عمق الأزمة التي تعاني منها جماعته الساعية إلى الهرب من ازمتها الداخلية. تفعل ذلك، عبر تصوير أنّ هناك خطرا خارجيا على الكيان الإيراني القائم في شمال اليمن والذي تسيطر عليه "جماعة انصار الله" في ظلّ عجز لـ"الشرعيّة" اليمنية التي على رأسها الدكتور رشاد العليمي عن القيام بأي خطوة مفيدة في اتجاه تحرير صنعاء من الظلم الذي وقع عليها. ليس ما يشير إلى أن العليمي افضل بكثير من الرئيس السابق عبد ربّه منصور هادي الذي امضى سنوات يبحث عن كيفية الإنتقام من ظلّ علي عبدالله صالح بدل مواجهة الحوثيين ومشروعهم الإيراني.
يبقى الأهمّ من ذلك كلّه ما الرسالة التي ارادت ايران توجيهها من خلال كلام عبدالملك الحوثي؟
الواضح أن زعيم الحوثيين لا يستطيع التصرّف خارج الهامش المسموح له به ايرانيا. ما هو اكثر وضوحا سعي ايران إلى ابتزاز دول الخليج العربي عن طريق اليمن وتكريس سيطرتها على جزء منه. اكثر من ذلك، يأتي كلام زعيم الحوثيين في وقت عقدت فيه طهران صفقة مع واشنطن شملت تبادل سجناء ومليارات الدولارات محتجزة في كوريا الجنوبيّة، هي بالفعل مستحقات ايرانيّة.
ليس معروفا ما الذي تريده ايران من خلال لعبة التذاكي التي تمارسها مع الدول العربيّة، بمن في ذلك المملكة العربيّة السعوديّة التي وقعت معها اتفاقا في بيجينغ في العاشر من آذار – مارس الماضي. لن يفيد في شيء اعلان وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبداللهيان عن زيارة قريبة للرياض برفقة السفير الإيراني الجديد لدى السعوديّة. في المضمون وفي العمق لم يتغيّر شيء في الموقف الإيراني من المملكة.
في النهاية، كلّ ما يمكن فهمه من كلام عبدالملك الحوثي، هو رسالة ايرانيّة فحواها أنّ "الجمهوريّة الإسلاميّة" ليست مستعدة للتخلي عن قاعدتها اليمنية وانها مستعدة لاستغلال هذه القاعدة إلى ما لا نهاية. باتت هذه القاعدة جزءا لا يتجزّأ من المشروع التوسعي الإيراني الذي تعتقد طهران أنّه ما زال يتقدّم في ظلّ تدهور الوضع في العراق وسوريا ولبنان. ثمة قناعة ايرانيّة بأنّه كلما تدهور الوضع العراقي والسوري واللبناني، كلما زاد نفوذها في المنطقة. يؤكّد ذلك توصل "الجمهوريّة الإسلاميّة" إلى صفقة عقدتها مع اميركا تصب في مصلحتها. لم تأخذ الإدارة الأميركية في الإعتبار أي سلوك تمارسه ايران في المنطقة، بما في ذلك سلوكها في اليمن... ولا سلوكها في ما يخص حقل الدرّة الكويتي.
تبقى المأساة الكبرى مأساة الشعب اليمني الذي عليه أن يصمد في وجه الجوع والمرض والممارسات الحوثيّة وضعف "الشرعيّة" التي لم تقدم على أي خطوة مفيدة في أي مجال من المجالات، أقلّه إلى الآن.