د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

إيران.. صراع الذئاب في جمهورية الحرس ومصير أفراد ومؤسسات الدولة

  بداية يجب أن نُقِر أن إيران كدولة دولة لها مؤسسات مكتملة التكوين من وزارات وهيئات وجيش وما إلى ذلك بغض النظر عن سيرتها ومسيرتها وتشويهها في زمن الشاه والملالي على حد سواء، ويزول الحاكم وتبقى الدولة بثوابتها (أرضٌ وشعب وتاريخ وإدارة) أما القيادة فتزول بزوال الحاكم.

  في حالة كسُلطة حكم الملالي توجد دولة لكنها بمفاهيم ونهجٍ مشوهين فلا الجيش جيش نظامي يمثل الشعب، ولا الأمن مؤسسة دولة تمثل الشعب ولا الخارجية ولا الداخلية ولا غيرها من مؤسسات الدولة في إيران تسير في مسارها الطبيعي الصحيح ممثلة للشعب، والمتابع الدقيق لما يجري في إيران يجد أن أكثر من دولة تصول وتجول داخل الدولة الواحدة (دولة إيران) في حالة من الفوضى وخلط الأوراق والتصارع غير المحمود فيما بينها على الامتيازات والمكتسبات؛ أما في حالة تهديد النظام من قبل الشعب تتوحد جميع أجهزة نظام الملالي وتتحول إلى قوى قمعية متوحشة تسارع بإبادة الشعب ليس معرفةً وحُباً بالوطن ولكن خوفاً على النظام من السقوط الذي سيشملهم جميعاً ويقضي على مكتسباتهم بل وسيليه أيضا محاكماتٍ لهم جميعاً.

منذ قيام نظام الملالي متسلقاً على جماجم الشهداء لم تُحكم إيران بمنطق الدولة بل بمنطق مراكز القوى والعصابات والجهل والاستخفاف بالقيم الإنسانية والوطنية والدينية والمذهبية والقيم الدستورية والقانونية وحكم الشعب، وتغليب منطق الفئات والجماعات على منطق الوطن الذي يستظل تحت ظله الجميع، وفرضوا ميليشيا مافيا سمها ما شئت وقد أسموها بـ الحرس الثوري الإيراني لكنه اسمٌ خارج التسمية تماماً وتتوائم معه تسمية حرس الملالي ليقوم بحماية نظام الملالي من كل خطر يهدده في الداخل والخارج ولذلك كان الحرس متسلطا على كافة مفاصل الدولة ووزاراتها ومؤسساتها وقد كان هذا الحرس أيضا على خلاف حاد مع الجيش والمخابرات وسائر مؤسسات الدولة الأخرى.

جمهوريتين داخل الدولة الواحدة 

  تم تأسيس حرس الملالي المسمى بـ الحرس الثوري كجهاز عسكري مسلح غير حكومي تابع لولي الفقيه يأتمر بأوامره فقط، ووفق نهجه لم يكن يعترف الحرس بأيٍ من مؤسسات الدولة الأخرى ولا يثق بها ولا يجتمع معها في قيادة موحدة بشأن معركة واحدة، وبالتالي كانت هناك حالة من عدم الثقة والصراع الدائر بينهم توحي بوجود دولتين في الدولة الواحدة (دولة الرئاسة بوزاراتها ومؤسساتها وقوامها من الهيئات الإدارية وموظفي الدولة، ودولة ولي الفقيه بمؤسساتها وحرسها ومؤسساته وقوامها من الموالين) واستمر الوضع على هذا الحال حتى تمكن ولي الفقيه وحرسه ومؤسساتهم من تدجين كافة مؤسسات الدولة ووضع الحرس في كافة مفاصلها الدفاع والمخابرات والاقتصاد والداخلية والخارجية والقضاء والمجلس والتعليم والبلديات وكافة الدوائر حتى أصبحت كلها دولة موالاة يقودها بالتوافق بينهم وتبادل الأدوار تيارين سياسيين ( المحافظين وما أسموهم بالإصلاحيين) وكلاهما من مدرسة واحدة وذوي توجه واحد، وأشدهم خطورة هو المُسمى بـ تيار الإصلاح لما ينتهج من خداع.

صراع الذئاب في جمهورية الحرس

عندما استشعر خامني ولي الفقيه المخاطر التي تدور من حوله داخل إيران بدءا من تعاظم شأن تيار الإصلاح الذي أصبح كياناً بحد ذاته له شخوصه وبدأت تتبلور له آرائه الخاصة باتجاه الاستحواذ على السلطة، وخشية من أن يأتي اليوم الذي يجد فيه خامنئي نفسه فردا لا أهمية له إن لم يتم القضاء عليه وزمرته قام خامنئي بتصفية دولة القطبين والعمل على تأسيس دولة القطب الواحد قطب وسفينة الموالاة من أجل الحفاظ على وجوده وعلى نظام ولاية الفقيه، وكوسيلة من أجل الإسراع في إنقاذ النظام ووضع حد للتصدعات القائمة في جسد النظام وزع خامنئي قادة الحرس على رأس المسؤولية في كافة وزارات ومراكز الدولة، وجعل الدولة بسلطاتها الثلاثة في يد الموالين من المحافظين وخاصة المتورطين مع النظام في جرائم بحق الشعب كي يكونوا على درجة عالية من الحرص على النظام واتخاذ ما يلزم لحمايته مهما كلفهم الأمر، ومن هنا أقام خامنئي مشروع جمهورية الحرس ووضع في منصب رئاسة الجمهورية إبراهيم رئيسي جزار الإبادة الجماعية سنة 1988 الذي أشرف في حينها على إعدام 30 ألف سجين سياسي بفتوى من خميني مؤسس النظام، ووضع محسن إجئي مسؤولاً للسلطة القضائية، ووضع الحرسي قاليباف رئيساً لمجلس الملالي، ووضع قادة الحرس محافظين ورؤساء بلديات كبرى ووزراء ووكلاء وقادة بالجيش وسائر مؤسسات الدولة، وإضافة إلى وجود صراعٍ دفين حتى داخل التيار الواحد، ظهر صراعٌ آخر أشد خطراً على النظام بعد أن تحول إلى شقين (شقٌ غالب وقد استحوذ على السلطة تحت عباءة خامنئي وسطوة الحرس، وآخر مغلوب له امتيازاته لكنه بعيد عن صناعة القرار وغير موثوق به)، ومن هنا يتعاظم صراع الذئاب الدفين في كافة مفاصل النظام بين المُتسلط وعنفوانه وتجبره، والمُهمش الذي يخشى الخروج الكلي من دائرة الضوء ويتربص بخصمه وذاته، ومع حفاظ كلاهما على النظام والإمتيازات الحاصلة يسعى كل منهم إلى التخلص من الآخر والقفز على السلطة أو التمسك بها مهما كلف الأمر.

النظام برمته على حافة الإنهيار 

كادت النظام برمته أن يوشك على الإنهيار بعد تعيين خامنئي لـ إبراهيم رئيسي كرئيس لجمهورية حرس الملالي وباتت ثورة الشعب الإيراني قاب قوسين أو أدنى من سحل النظام والقضاء عليه، وباتت أذرع النظام في العراق على مسافة قريبة جداً من التلاشي بعد عجزهم السياسي ورفض الغالبية العظمى من الشعب العراقي لهم، وكذلك أذرع النظام في لبنان كانت مهددة بالزوال بعد تفجير مرفأ بيروت وتعاظم تيار تشرين في لبنان والعراق؛ لولا تدخل الغرب والأمم المتحدة وإعادة السلطة إلى ذراع الملالي في العراق وتمكين النظام من قمع الانتفاضة الوطنية في إيران وبالتالي تمكين الميليشيات في العراق وسوريا ولبنان من البقاء.

لقد أنقذ الغرب الملالي والتيار الموالي لهم في الدول العربية من السقوط متجاهلين أرواح أطفال ونساء وشباب الشعب الإيراني الذي اُستُشهِدوا على أرضية الشارع أو قُتِلوا بأوامر حكومية تحت مُسمى الإعدام خلال سنة 2022؛ تجاهلوا ارواحهم الطاهرة بنفس تجاهلهم للأطفال والنساء والمسنين الأبرياء الذين قضوا نحبهم في غزة على يد سلطات الاحتلال في فلسطين المدعومة من الغرب.

وبالتزامن مع دعم الغرب للملالي وأذرعهم قام الغرب بتضييق الخناق على منظمة مجاهدي خلق الإيرانية والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وفرض قيود جائرة عليهم بضغوط من الملالي، ومع ذلك لم يتوقفوا عن نضالهم، ولازالت وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق تواصل نشاطها النوعي ضد النظام وأجهزته القمعية، ولا زال الشعب الإيراني ثائرا متنفراً من الملالي ويزداد نفوره يوماً بعد يوم بسبب جرائم القتل والقمع خاصة ضد النساء وأخر الجرائم كانت ضد طالبة وهي فتاةٌ صغيرة بعمر 16 عاما تُدعى آرميتا كراوند ترقد في المستشفى بحالة غيبوبة في واقعة أشبه بواقعة الشهيدة مهسا أميني، وتعيش عوائل النظام تحت أجواء قمعية شديدة من لدن أجهزة النظام القمعية.

ينتظر قادة ومسؤولي النظام الإيراني مصيرٌ قاسٍ ويُدركون جميعا حجم ما ينتظرهم من مصير، ومن يحلل تصريحات قادة نظام الملالي يجد أن الرعب والإحباط بدأ بالتسلل إلى نفوسهم بشكل واضح، وقد جاءت لهم أحداث ومجازر غزة كمنقذ لهم في هذا الوقت الحرج، وعلى الرغم من مليارات الدولارات التي قدمتها الإدارة الأمريكية للملالي، وعلى الرغم من دعم وتستر أمريكا والغرب على جرائم الملالي بحق الشعب الإيراني وشعوب المنطقة فإنهم لن ينقذونهم من السقوط، وما سقوطهم وزوالهم إلا مسألة وقت قد يكون وجيزاً وعاجلاً لتصحو البشرية بعدها على عالم بلا ملالي وبلا إجرام وإرهاب وتهديد لأمن واستقرار الدول والشعوب.

د.محمد الموسوي / كاتب عراقي