د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
نظرة على خطاب إبراهيم رئيسي في قمة الرياض
تأتي أهمية قمة الرياض في أنها أتت في ظرف معقد حيث يتعرض الشعب الفلسطيني للإبادة الجماعية بمباركة وإصرار ودعمٍ أمريكي وغربي من جهة، وتخاذل إقليمي من جهة أخرى، وما ميز هذه القمة أنها كانت قمة موحدة (عربية إسلامية) وهو ما أتاح لنظام الملالي حضور القمة، وحتى لو كانت القمة عربية فسيحضرها النظام كغيره بصفة مراقب أو من خلال جنوده من العرب كممثلي العراق الذين أظهر البعض منهم أنه ممثلا لنظام الملالي وليس للعراق ولا عجب في ذلك بعد أن أعلن الملالي الحاكمين في إيران بأنهم يحتلون أربعة عواصم عربية مسلوبة العزة والإرادة، وفي تلك العواصم مُحتل وفي فلسطين الأبية مُحتل.
لكل مؤسسة وكيان نظام أساسي يحكمه ويحدد ضوابطه وحقوق وواجبات الأعضاء فيه، ويُفترض أن يتوفر ذلك في كيان جامعة الدول العربية وأي كيانات إسلامية جامعة، ووفقاً للشروط المقررة في النظام الأساسي لهذه المؤسسات والكيانات تكون عضوية الدول فيها أو لا تكون، ومن أهم الشروط والثوابت التي يجب أن تتوفر من أجل العضوية هي وحدة الثوابت والقيم والرؤى، وفي حالة نظامٍ كنظام الملالي لا تتوفر فيه أبسط القيم الافتراضية حتى بدون وجود ضوابط نظام أساسي أو لائحة داخلية بتلك المؤسسات؛ إذ لا تتوفر في نظام الملالي الدرجات الدنيا من الشروط لنيل عضوية المؤسسات الإسلامية العالمية ومن أسباب ذلك: شق نظام الملالي لصفوف المسلمين والتمييز العنصري المقيت بين أبناء العقيدة الواحدة داخل إيران وخارجها.
من يستمع من البسطاء إلى خطاب إبراهيم رئيسي رئيس جمهورية الملالي في قمة الرياض لا يقول أبدا أن ملالي إيران قد شقوا صفوف الفلسطينيين وخذلوا من ركن إليهم في غزة وتخلوا عنهم والأدلة على ذلك من تصريحات الملالي أنفسهم، لكن خطاب إبراهيم رئيسي الرنان كان يوحي بأن فلسطين ستتحرر غداً صباحاً، وكالعادة كلام الليل يمحوه النهار على الرغم أن الخطاب كان نهاراً وبالتالي نجد أنفسنا أمام نظرية جديدة (كلام المؤتمرات في مجمله استعراض ورياء) لا محل له بالليل ولا بالنهار.
الحقيقة هي أن خطاب إبراهيم رئيسي في قمة الرياض كان خطاباً حماسياً استعراضياً حد الإنفجار، ركز فيه على القضية الفلسطينية وضرورة تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، وتعهد رئيسي بالالتزام بشعار دعم الشعب الفلسطيني بكل ما أوتي من قوة ومن الممكن أن يصدقه البعض، ودعا الدول العربية إلى الوقوف إلى جانبه في هذه القضية العادلة، متصدرا الموقف ومتزعما الحضور ولما لا وقد أصبح رقما عليهم.
لكن الواقع السياسي على الأرض لا يوحي بأن تحرير فلسطين سيكون قريباً أو سهلاً ليس لأن قدرات دولة الإحتلال قوية وتتمتع بالدعم الكامل والمطلق من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية ولكن بسبب خداع نظام الملالي وعمله على إبقاء الأزمة قائمة في فلسطين من خلال شقه لصفوف الفلسطينيين ونشر الفرقة بينهم وبالتالي تبقى قضية فلسطين معلقة، وهذا ما يخدم المحتل ويستبعد تحقيق التحرير في المستقبل القريب.
وبالنظر في حديث المُلا رئيسي بقمة الرياض نجده طنيناً سياسياً ليس أكثر، والقصد منه كسب التأييد الشعبي الفلسطيني والعربي، ويعكس خطابه الموقف الرسمي للحكومة الإيرانية من القضية الفلسطينية وكذلك طبيعة النظام القائم على الشعارات وزروقة الخطابات المخادعة، ولا مصداقية في خطابه ونظامه ونهجهم سواء تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية أو بالعلاقات مع الدول العربية.
وكما أسلفت فإن كلام الليل يمحوه النهار، ففي اليوم التالي لخطاب رئيسي عادت الأمور إلى نصابها المعتاد، وقد استمرت إسرائيل في بناء المستوطنات في الضفة الغربية وواصلت إبادتها لقطاع غزة، كما أن الدول العربية أيضاً لم تعلن عن أي خطوات ملموسة لدعم القضية الفلسطينية.
وعليه يمكن القول بأنه لو ارتهن تحرير فلسطين بشعارات الملالي وخطاباتهم المخادعة ونهجهم الغادر من جهة وهشاشة العرب وعدم صلابة مواقفهم من جهة أخرى سيكون التحرير حلم بعيد المنال خاصة في ظل نوايا الغرب غير الحميدة، وقد يحتاج الأمر إلى جهود كبيرة ووقتا طويلا من العرب بالإضافة إلى تغيير في السياسة الدولية، لكن الفلسطينيين هم من يمتلكون الأمر وبيدهم أدوات وسلاح التغيير على الأرض وليس لهم نصيرٌ حقيقي سوى الشعوب المقيدة.
ويمكن القول إن قمة الرياض أثبتت أن كلام المؤتمرات في مجمله استعراض ورياء؛فقد خرجت الدول المشاركة في القمة ببيان مشترك أكد على دعم القضية الفلسطينية وضرورة تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذا البيان كمن سبقه من بيانات لم يتضمن أي خطوات ملموسة لتحقيق هذا الهدف، وما هذا بالأمر الجديد فقد شهدنا العديد من المؤتمرات الدولية التي صدرت عنها بيانات قوية تؤكد على دعم وخلق حلول لقضية فلسطين لكنها لم تتحقق أي نتائج ملموسة على أرض الواقع.
وعليه فقد كانت كلمات الدول المشاركة في قمة الرياض كلماتٌ سياسية منزوعة الإرادة جرت العادة أن يتم التمنطق بها لكن خطاب نظام الملالي يختلف تماماً عن باقي الخطابات في القمة نظرا لما لطبيعة النظام المخادعة وافتضاح أمره وبيان غدره، ومجمل تلك الكلمات لا تعكس سوى فرض واجب يقوم به المشاركون في هذه القمة أو تلك كمن لا يعنيهم الأمر إلا إذا أصابهم الضرر في عقر دارهم.
بين خطابين.. طبع العرب مع تجار شعارات وباعة وهم
عندما استذكر حديث المُلا إبراهيم رئيسي رئيس جمهورية نظام ولاية الفقيه ودعوته إلى إنهاء الأزمة في اليمن وتحقيق السلام الدائم في البلاد وتأكيده على ضرورة وقف إطلاق النار وفتح الحوار بين الأطراف اليمنية وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني وتشديده على أن للأزمة في اليمن تداعياتٌ سلبية على المنطقة والعالم ولابد من إيجاد حل لها يلبي تطلعات الشعب اليمني؛ تنتابني نوبة هستيرية من الضحك على هذه التماسيح البشرية اللئيمة التي فاقت التمساح الحيوان مكراً ودهاءاً، وكما يقولون (يقتل القتيل ويمشي في جنازته) ولا ينطبق هذا القول على نظام الملالي فحسب بل على الدول الغربية أيضاً، وهنا أتساءل في أي ملف من الملفات العربية الشائكة صدق نظام الملالي في عهوده ومواقفهم وحوارهم مع العرب؟ هل صدق في ملف لبنان في ملف العراق وسوريا واليمن في ملف فلسطين؛ لم يصدُق ولن يصدُق، وقد خاطب الملالي الجميع في القمة من علياء معلنين تصدرهم للموقف وزعامتهم للركب ليس لاقتدارهم وإنما لهشاشة العرب أمامهم.
يجلس في القمة إبراهيم رئيسي المُدان بارتكاب جرائم إبادة جماعية في إيران ليخطب ويدين جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني ويشير على العرب والمسلمين بما يجب أن يكون أو لا يكون، ويُبرز عظيم تعاطفه مع الأطفال والنساء والشيوخ الذين قُتٍلوا على يد عدوهم في فلسطين وكأنه بريء نظيف اليدين لم يقتل أطفالا ولا نساء طيلة مراحل مسؤولياته المتعددة من فرق الموت إلى رئاسة السلطة القضائية إلى رئاسة الجمهورية؛ ولم يُذكره نفسه الآثمة بما فعل ولم يذكره أحد بأياديه الملطخة بدماء الأبرياء.. إنه العجب العجاب!!! ولكن لم لا.. لما لا يتصدر عليهم رئيسي ونظامه ويخطب بما يشاء ويفعل ما يشاء وقد جعلوا منه رقماً في قمة الرياض.. لا بل وخنجرا حاداً أيضاً ليغرزوه لاحقاً في خاصرتهم، وقد سبقهم شيعة وسط وجنوب العراق في الوعي بذلك والتنبيه بشأنه قبل ما يناهز العقدين من الزمن عندما قالوا (إن نظام الملالي خنجرا مسموما في خاصرتنا) وقد سمع العرب قولهم في حينها لكنهم لم يتعظوا ولن يتعظوا ذلك لأن من عادتهم أ يصنعوا كوارثهم بأيديهم ثم يشكون ما صنعت يداهم.. واليوم جعلوا من بلاء الملالي الواقع عليهم رقماً فوق رؤوسهم على الرغم من المصائب التي حلت بهم على يد الملالي منذ أكثر من أربعة عقود.
الخيارات الممكنة
قد يستسلم المرء أو الجماعة للأمر الواقع في حال انعدام الخيارات أو الخيارات الممكنة، لكن المؤلم هو الاستسلام في ظل وجود خيارات ممكنة أو خيارات من الممكن أن تتحول إلى ممكنة، وقد كان بالإمكان دعم انتفاضة الشعب الإيراني ومشروع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية من إيران ديمقراطية غير نووية مسالمة تحترم الجوار وتؤدي حقوق جميع مواطنيها على قدم العدل المساواة؛ ولا زالت تلك الخيارات قائمة وممكنة بدلا من الاستسلام والانتقال مع نظام الملالي من سيئٍ إلى أسوأ.. العرب بحاجة إلى إسقاط وتغيير نظام الملالي أكثر من الشعب الإيراني نفسه، وقد يأتي اليوم الذي يستعدون فيه لذلك.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي