محمد جواد الميالي يكتب لـ(اليوم الثامن):

تفاهة التفاهة

صار لحرية الرأي والتعبير في العراق أهمية بالغة، وربما بدأت تمثل وجها مهما للديمقراطية، ومقياساً لنجاح التحول السياسي والاجتماعي في البلاد..                                                                  تعد حرية الرأي والتعبير من الحقوق الأساسية للفرد، لتمكنه من التعبير عن آرائه، وانتقاد السلطات والمسؤولين بحرية، دون مخاوف من الانتقام أو الاضطهاد، كما أنها تساهم في نشر الوعي وتطوير المجتمع وتعزيز الحوار العام بين أفراده.

في عالم الديمقراطية العراقية الجديدة بعد ٢٠٠٣، تبدلت هذه المفاهيم لتصبح نوع من التجارة الرابحة، حين بدأ الأمر بتحليق الأفكار في أفق الحرية، لكن سرعان ما انزلقت الأمور إلى طريق متشعب شائك، يقودنا نحو متاهات تجارة الابتزاز على شبكات التواصل الاجتماعي. 

بداية الأمر كانت الحرية مؤشرا إيجابيا على تقدم المجتمع، واستقلاله عن قيود الدكتاتورية، ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، بات من السهل على أي شخص التعبير عن آرائه، سواء كانت بناءة أو ضارة.. وهذا الواقع أدى لظهور ثقافة التعبير الهمجية، حين أستخدم بعظهم لغة بذيئة ومحتوى عشوائي، لجذب المتابعين وتحقيق الربح المالي، فلم يعد مشهورو مواقع التواصل يعيشون على اهوائهم فقط، بل أصبحوا لعبة تتغير حسب ما يريده المتابعون، وأصبح "البث المباشر" تجارة مزهرة تتغذى على تهافت البعض، لاستغلال الظروف السياسية والاجتماعية للشعب العراقي. 

هكذا نجد أنفسنا محاصرين، بين نظام تفاهة يتزايد يوماً بعد يوم، حتى أمسى واقعنا رحلة مضحكة في طريق مُرهق، فيه يقاس النجاح بعدد الإعجابات والمتابعين، دون أدنى اعتبار لجودة المحتوى أو الذوق العام. 

كما تحولت ممارسات الانتقاد إلى أداة للابتزاز، عندما أستخدم النشطاء السياسيين والمدونون وسائل التواصل، لتحقيق مكاسب شخصية، على حساب تقديم انتقادات بناءة أو تحقيق التغيير الإيجابي، هذه الظاهرة أدت إلى تشويه مفهوم الحرية وتقليل مصداقيتها في عيون الناس، ولم يعد هناك أي صدق للرأي، والدينار هو المتحكم بمصداقية المعلومة، حتى أصبحت هناك فلسفة سائدة هي تفاهة التفاهة.

هذا يدفعنا للاستنتاج ان حرية الرأي والتعبير لم تحقق الأهداف المتوقعة، بل أصبحت غالباً محل انتقاد وسخرية، فهل نحن على مشارف مجتمع يقيم على سوق سوداء لحرية الرأي؟                                                                                               ربما نكون قد وصلنا لهذا الحال، او قريبا منه.. لكن الأمل لا يزال موجوداً، فالنقد الساخر هو من أقوى الأدوات لمواجهة هذه الظاهرة المربكة، وإعادة بناء مجتمعنا على أسس ديمقراطية حقيقية. 

يبقى التحدي الرئيسي، كيف سيواجه المجتمع هذا النظام الممزوج بين التفاهة والابتزاز، ويحولها إلى نقد بناء و حوار مفتوح، فهل سنتمكن من ذلك؟ أم سنبقى في دوامة مغلقة من السخرية والكذب؟.