سالم الكتبي يكتب:
غزة.. قراءة في متغيرات الأزمة
السؤال الذي يشغل بال الجميع في منطقتنا والعالم هو كيف تفكر دولة إسرائيل في مستقبل الفلسطينيين؟ وما هي الخطة المقترحة لليوم التالي؟ وكيف يمكن أن تتفادى دولة إسرائيل أخطاء الولايات المتحدة عقب اجتياح العراق وأفغانستان في ما يتعلق بالتمرد المسلح؟ هذه وغيرها من الأسئلة لا إجابة عليها سوى في عقلية صانع القرار الإسرائيلي، ولكن المرجح أن الشغل الشاغل لإسرائيل حاليا والذي يسيطر على تفكير مخططي السياسات هو استعادة الأسرى وهزيمة “حماس” وتحقيق نصر عسكري حاسم يتطلع إليه الجيش الإسرائيلي، لاسيما في ظل استمرار حركة حماس في إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية رغم مرور أكثر من 7 أشهر على بدء الحرب.
تحليل الشواهد يقول إن لدى الحكومة الإسرائيلية بعض الخطوط العريضة لما تريد تحقيقه، ولكن من دون وجود خطط تنفيذية أو دراسات وسيناريوهات للمستقبل. دولة إسرائيل، وفق مجمل ما يتم تناوله رسميا وإعلاميا، تسعى إلى صياغة مستقبل جديد للأراضي الفلسطينية، وفرض واقع مختلف في غزة أولا ثم في الضفة الغربية لاحقا، وهذا الواقع يغيب عنه حتى الآن القبول بفكرة حل الدولتين الذي يعتبره المجتمع الدولي المخرج المناسب من هذا الصراع الأبدي.
إسرائيل حاليا تفكر في تأمين مستقبل الإسرائيليين وقناعتي أنها تمضي وفق ما يتطلبه تحقيق هذا الهدف في ضوء الأحداث السابقة التي أخذتها نحو منحنى أمن مواطنيها فوق أي أمر أو اعتبار آخر. من وجهة نظر أخرى يرى الخبراء والمراقبون أنه لا معنى لمناقشة أمن إسرائيل بشكل واقعي دون الأخذ بالاعتبار توفير الأمن والاستقرار للمدنيين الفلسطينيين، وهنا لا يجب أن ننسى أن تنظيمات التطرف والأفكار تقتات على الأزمات وأن نشر أفكارها وقدرتها على الحشد والتجنيد وتجييش العواطف مرهونة بالظروف المعيشية والأمنية التي كان يعيشها الشعب الفلسطيني طيلة سنوات وعقود مضت.
حكومة نتنياهو يجب أن تنظر إلى مستقبل الإسرائيليين في المحيط الإقليمي ولا تقصر نظرها على مستقبلها السياسي فقط، وتدرك أن وضع الدول العربية المعتدلة في زاوية حرجة لا يصب مطلقا في مصلحة دولة إسرائيل
بعض الخبراء يرون أن في التعامل مع هذا الفصيل الإيراني (حركة حماس) يجب أن لا يتم تكرار الأخطاء في التعامل مع بقية التنظيمات المؤدلجة، التي تتوالد وتتكاثر ويتم تفريخها من نفس الفكرة مع اختلاف المسميات مع ميل أجيالها الجديدة للعنف والدموية بمستويات تفوق سابقاتها، وأن هذا ما حدث مع تنظيمات الإرهاب التقليدية بداية من “الجهاد” وصولا إلى “داعش” مرورا بجيلين أو ثلاثة من هذه التنظيمات الإرهابية، وأن حركة حماس قد تندثر ثم لا تلبث أن تظهر كطائر العنقاء في ثوب تنظيم جديد أكثر دموية وأشد عنفا وتطرفا.
إسرائيل من جانبها ترى إمكانية لترويض الأفكار واجتثاث أيديولوجية الإرهاب من الأرض الفلسطينية، ولكن هذا الأمر يظل، برأيي، مرهونا بمآلات الصراع، وفرص إيجاد تسوية سياسية تضمن للفلسطينيين والإسرائيليين العيش بكرامة وأمان جنبا إلى جنب في إطار ثقافة تعايش مشترك تناصرها وتدعمها العديد من الأطراف الإقليمية المؤثرة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
بلا شك أن إسرائيل يجب أن تفصل تماما بين مصير وحركة حماس ومصير الفلسطينيين، وألا تخلط الأوراق في هذا الشأن، أو تتبنى سياسات عقاب جماعي تفقدها أي فرص للعيش بسلام في محيطها العربي والإسلامي، والنقاش هنا يجب أن يتمحور حول الأجيال الشابة وليس حول الأنظمة والحكومات، لأن هذه الأجواء هي بيئة عمل مثالية لتنظيمات الإرهاب لتفريخ أجيال جديدة من الإرهابيين يهددون دول الإقليم والعالم وليس إسرائيل فقط.
حكومة بنيامين نتنياهو يجب أن تنظر إلى مستقبل الإسرائيليين في المحيط الإقليمي ولا تقصر نظرها على مستقبلها السياسي فقط، وتدرك أن وضع الدول العربية المعتدلة في زاوية حرجة لا يصب مطلقا في مصلحة دولة إسرائيل ولا شعبها على المدى البعيد، وأن تدرك أيضا أن إحراج حكومات هذه الدول أمام شعوبها ليس مصلحة إسرائيلية مطلقا، وعليها أن تتذكر مشهد الهجوم الإيراني ضد دولة إسرائيل والذي حصلت فيه إسرائيل على دعم دول عربية مجاورة أسهمت بدور ما في التصدي للهجوم بغض النظر عن فاعليته وأهدافه الحقيقية، وألا تضع الدعم الأميركي المضمون نصب عينيها فقط، فأمن إسرائيل الحقيقي يبدأ من وجود بيئة سلام إقليمية مواتية، بموازاة نزع فتيل الصراع بينها وبين الفلسطينيين وإنهاء أسباب الصراع في إطار تسوية دائمة وعادلة تضمن حقوق الطرفين وتعيد للشعب الإسرائيلي الشعور بالأمن والسلام والاستقرار جنبا إلى جنب مع الشعب الفلسطيني.