منى الجبوري تكتب:

تهديد طهران يتجاوز بلدان المنطقة

على مر أكثر من أربعة عقود، وعلى الرغم من العديد من الاحداث والتطورات التي ألقت ظلال الشبهة على نشاطات مريبة ومشبوهة للنظام الايراني في البلدان الغربية عموما والاوروبية منها خصوصا، فقد ظل النظام يحرص كثيرا على تأكيد رفضه القاطع لكل ما يثار عن نشاطات مشبوهة له في البلدان الغربية ويصفها بشتى الاوصاف التي يسعى بالطبع من ورائها لإظهار برائته.

خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات، حيث طالت العمليات الارهابية التي قامت بها مجمايع تابعة للنظام الايراني وإستهدفت رموزا للمعارضة الايرانية في النمسا وألمانيا وسويسرا وإيطاليا، ومع إن الادلة كانت قاطعة وحتى ليست في حاجة الى توضيح، لكن يبدو إن بلدان الاتحاد الاوروبي وحفاظا على علاقاتها ومصالحها الاقتصادية فضلت إتفاقا ضمنيا بالكف عن ملاحقة مرتكبي تلك العمليات في مقابل تعهد للنظام الايراني بالكف عن هكذا نشاطات على أراضي الاتحاد الاوروبي وظل هذا الاتفاق ساريا حتى عام 2018، عندما قام النظام وعن طريق مجموعة يقودها السكرتير الثالث في السفارة الايرانية في النمسا بمحاولة لتفجير التجمع السنوي للمقاومة الايرانية في باريس.

ولا يبدو إن الاتفاق الذي حصل بين طهران وبروكسل وأخلي بسببه قائد العملية الارهابية لعام 2018، قد وضع حدا للشكوك والتوجسات الاوروبية من النشاطات المشبوهة للنظام الايراني على أراضيها حتى قيام الشرطة الالمانية بالقيام بإغلاق المركز الإسلامي في هامبورغ (IZH)، والذي إعترض وإحتج النظام الايراني عليه بشدة.

هذه الخطوة التي قامت بها الشرطة الالمانية، لفتت الانظار كثيرا، خصوصا وإن ألمانيا من البلدان التي تسعى دائما الى إتباع سياسة تحافظ فيها على العلاقات مع النظام الإيراني. ولكن يبدو إن ألمانيا، قد طفح بها الكيل و"سبق السيف العذل"، إذ أن المعلومات الدقيقة والوافية عن النشاطات المشبوهة لهذا المركز ولاسيما من حيث الاعداد الفكري والعقائدي الذي تقوم به لصالح النظام الايراني وأذرعه ولاسيما حزب الله اللبناني، قد حسمت أمر هذا المركز الذي كان موضع شبهات طوال الاعوام الطويلة المنصرمة.

من الملفت للنظر هنا إنه وفي تقرير استقصائي نشر مؤخرا في مجلة دير شبيغل في 10 أغسطس/آب، سلطت المجلة الألمانية الضوء على الروابط الواسعة بين المركز الإسلامي في هامبورغ والنظام الإيراني، فضلا عن دعمه المزعوم لمنظمة حزب الله الإرهابية. وتأتي هذه الكشوفات في أعقاب قرار السلطات الألمانية بإغلاق المسجد في هامبورغ، والذي يشتبه منذ فترة طويلة في أنه يستخدم كمركز للأنشطة المتطرفة.

ويوضح التقرير كيف حافظ المركز الإسلامي في هامبورغ، بقيادة محمد مفتح، على اتصال وثيق ومستمر مع قلب النظام الإيراني، وتحديدا ما يسمى “المكتب الثوري” للولي الفقیه للنظام علي خامنئي.

وكشف المحققون عن أكثر من 650 رسالة واتساب متبادلة بين مفتح ومهدي مصطفوي، نائب رئيس الشؤون الدولية في مكتب خامنئي، من أواخر عام 2021 إلى نهاية عام 2023. تضمنت هذه الرسائل تعليمات مفصلة من مصطفوي إلى مفتح، تغطي كل شيء من جهود الدعاية إلى تنسيق أنشطة المسجد بما يتماشى مع أهداف النظام.

ويسلط تقرير شبيغل الضوء أيضا على كيفية تلقي مفتح توجيهات من طهران عقب هجوم 7 أكتوبر حول كيفية تأطير الحادث. بررت الرسائل من مكتب خامنئي الهجوم، مؤكدين على الحاجة إلى “حرب طويلة على جميع الجبهات، سياسيا وعسكريا”، لتحقيق أهداف النظام.

وكشفت تحقيقات أخرى أجرتها السلطات الألمانية أن المركز الإسلامي في هامبورغ لم يكن مجرد مؤسسة دينية، بل كان بمثابة “تمثيل أجنبي مباشر” للنظام الإيراني في ألمانيا. وقد اكتشفت السلطات وثائق تحمل أختاما وطوابع من مكتب خامنئي، بما في ذلك إيصالات التبرعات المرتبطة بـ IZH. وكانت هذه النتائج حاسمة في قرار وزارة الداخلية الاتحادية، بقيادة نانسي فايسر، بحظر IZH والاستيلاء على المسجد الأزرق.

وبالإضافة إلى ذلك، يكشف تقرير شبيغل عن وجود صلات بين IZH وحزب الله. وتشير الوثائق التي عثر عليها أثناء المداهمات إلى أن أحد عملاء حزب الله المسؤول عن “العلاقات الخارجية” كان يزور المسجد الأزرق في هامبورغ بشكل متكرر.