منى الجبوري تكتب:
اقتصاد إيران في مهب الريح: مركب هش وسط أمواج التقلبات الدولية
ذهب الثلج وبان المرج! هذا ما يحدث الان في إيران بعد كل تلك الضجة التي رافقت عملية إنتخاب وفوز مسعود بزشكيان بالرئاسة في إيران، ذلك إنه وبعد كل تلك التصريحات المغرقة في التفاؤل وكل تلك التأكيدات على إن بزشكيان قد يكون المنقذ للنظام ويحقق المعجزة بتغيير وتحول نوعي إيجابي في الاقتصاد الايراني المتأزم، فإنه وفي اعتراف مفاجئ، أعلن محمد رضا عارف، النائب الأول لحكومة بزشكيان، أن الحكومة واجهت عجزا هائلا في الميزانية بلغ ألف تريليون ريال في النصف الأول من العام.
عارف، الذي كان يتحدث في المؤتمر الوطني لرؤساء الجامعات يوم السبت، 14 سبتمبر 2024، صرح أيضا: "نحن نواجه اختلالات في مختلف القطاعات، وهذه القضية جدية للغاية". جاءت تصريحاته استجابة لتفاقم الوضع الاقتصادي، الذي شهد نقصا كبيرا في الميزانية خلال ستة أشهر فقط.
وأشار النائب الأول للإدارة إلى أن الميزان التجاري للبلاد كان سلبيا بمقدار 17 مليار دولار العام الماضي، مما أضاف ضغوطا مالية إضافية على الحكومة. هذا الاتجاه السلبي في التجارة ساهم في زيادة الضغوط المالية على الحكومة. لكن الذي يمكن إستخلاصه من هذه المقارنة بين العام المنصرم والعام الحالي بخصوص العجز في الميزانية، هو إن توريث الاوضاع السيئة في مختلف المجالات من حكومة لأخرى في إيران في ظل النظام الحاكم في إيران، يبدو كسنة صارمة ليس بوسع أية حكومة تغييرها وتفاديها حيث تبدو كل التصريحات الرنانة والبراقة للرؤساء المتعاقبين وكأنها مجرد هواء في شبك!
ومن دون أدنى شك، فإن عجز الميزانية الذي أشار إليه عارف، "عجز بقيمة ألف تريليون ريال"، يعد تحذيرا خطيرا لمعیشة الشعب. ويعتقد المحللون أنه للتعامل مع هذا العجز، قد تلجأ الحكومة إلى اتخاذ إجراءات مثل زيادة الأسعار وتقليل حصة البنزين، بالإضافة إلى رفع أسعار مصادر الطاقة الأخرى. ويمكن أن تكون لهذه الإجراءات تأثيرات واسعة على السكان، ما قد يؤدي إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية الحالية.
ووفقا لتقرير "إكو إيران" الصادر في 28 يوليو 2024، قدرت الإيرادات المتوقعة للسنة المالية الحالية بـ 1598 تريليون ريال، في حين كانت النفقات المتوقعة 1878 تريليون ريال. أسفر هذا التقدير عن عجز تشغيلي بقيمة 280 تريليون ريال، وهو ما يقل بمقدار 1.5 مرة عن العام السابق. ومع ذلك، فإن العجز التشغيلي هو جزء واحد فقط من المشكلة؛ إذ إن الديون والالتزامات خارج الميزانية جعلت العجز الإجمالي في الميزانية أكبر.
وعلى سبيل المثال، أفاد مركز أبحاث البرلمان بأن بالإضافة إلى العجز التشغيلي البالغ 280 تريليون ريال، هناك عجز بقيمة 271 تريليون ريال في قسم "التحويلات المستهدفة". علاوة على ذلك، تدين الحكومة لمنظمة الضمان الاجتماعي بمبلغ 150 تريليون ريال. ويعد تخصيص 136 تريليون ريال لـ "تعزيز القدرات الدفاعية" عاملا آخر في العجز.
وحلل تقرير مركز الأبحاث العجز في ثلاث فئات: "العجز التشغيلي"، و"عجز الميزانية العامة"، و"العجز في البنود خارج الميزانية". ووفقا للتقرير، قدر العجز التشغيلي في مشروع قانون الميزانية لعام 2024 بـ 305 تريليون ريال، في حين كان عجز الميزانية العامة المتوقع 272.5 تريليون ريال. وبالإضافة إلى ذلك، تم الإعلان عن العجز في البنود خارج الميزانية بمقدار 557 تريليون ريال، ليصل الإجمالي إلى عجز قدره 1134 تريليون ريال.
ومع ذلك، في 8 سبتمبر 2024، أفادت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية فجأة بتخفيض كبير في عجز الميزانية. وادعوا أن العجز، الذي كان في البداية متوقعا أن يكون 355 تريليون ريال، تم إدارته ليصل إلى 75.5 تريليون ريال فقط بنهاية أغسطس. وذكرت وكالة الأنباء الحكومية "إيرنا" أن إجمالي الموارد المتاحة للحكومة حتى نهاية أغسطس بلغت 971.5 تريليون ريال، في حين بلغت النفقات العامة 1047 تريليون ريال، مما يشير إلى عجز قدره 75.5 تريليون ريال. وادعوا أن هذا العجز قد تم تغطيته من خلال إدارة الخزانة.
واستغرق الأمر ستة أيام فقط بعد هذه التقارير المتفائلة ليعترف عارف بالحقيقة: لقد واجهت الحكومة عجزا قدره ألف تريليون ريال في النصف الأول من عام 2024. هذا العجز الهائل في الميزانية، الذي تم السعي لإخفائه من خلال تقارير مضللة، اتضح أنه كبير جدا ولا يمكن إخفاؤه أو تجاهله.
والملفت للنظر هنا هو إن هناك بعض الاسباب وراء هذا العجز الضخم ترتبط بالإسراف في إنفاق السلطات الحاكمة. على سبيل المثال، خصصت الحكومة 110 تريليون ريال كـ "مساعدات" للمؤسسات الدينية التابعة للنظام. وهذا المبلغ يضاف إلى 15 تريليون ريال تدفع للحوزات الدينية. بالإضافة إلى ذلك، حصلت المؤسسات الدينية على 57 تريليون ريال في العام الحالي، حيث استخدم 15 تريليون ريال منها للمعيشة الخاصة للنظام.