محمد خلفان يكتب:
الخليجيون: إعلامنا واحد
على وزن الأغنية التقليدية المرافقة لكل لقاءات القادة الخليجيين وكذلك البطولات الرياضية “خليجنا واحد وشعبنا واحد”، والتي عادة ما تعبر عن رغبة أبناء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في وحدة العمل الخليجي المشترك، والتي بلا شك يذكرها الكثيرون من أبناء المنطقة تتكرر وكأنها نشيد وطني خليجي يرفع من عزيمة أبنائه أثناء مواجهتهم التحديات.
هذا النغم الجميل أعاده المتداخلون على مساحة “قلم من رصاص” في منصة (X) الذي استضاف الشيخ عبدالله بن محمد آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام، الأسبوع الماضي مدشنًا بذلك مبادرة إعلامية إماراتية لإيقاف الحسابات المسيئة للعلاقات الخليجية عبر تجاهلها؛ حيث تفاعل العديد من الإعلاميين الخليجيين مع تلك المبادرة إما من خلال المساحة أو عبر حساباتهم لاحقًا؛ لأنهم يرفضون الإساءة لدولهم وحكامهم وكأنهم يقولون هذه المرة: إعلامنا واحد.
“خليجنا واحد” هي تعويذة خليجية يتم استدعاؤها من أجل شحذ همم أبناء الخليج بكل أعمارهم، للوقوف صفًا واحدًا ضد التحديات التي تواجه هذه الدول. وفي وقتنا الحاضر هناك العديد من التحديات ضد دول الخليج بفعل نجاح هذه الدول الست ليس في استمرار العمل المشترك الذي قارب نصف قرن، وإنما في استمرار تحقيق الإنجازات التنموية المبهرة. وأكبر نوع من التحديات التي يواجهها أبناء الخليج يأتي بالدرجة الأولى من الإعلام، خاصة بعدما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي “الساحة” المناسبة لإدارة معارك التشكيك والتخريب لهذا الكيان السياسي والاقتصادي والعسكري والرياضي الناجح، وبالتالي فإن المواجهة الخليجية لا بد أن تكون من نفس الأداة وهي الإعلام ومن نفس الجنود الإعلاميين الخليجيين، فهم الأقدر والأنسب للدفاع عن أوطانهم.
وبغض النظر عمن يقف وراء تلك الحسابات الإعلامية التي تبث أفكارًا لتعكير العلاقات بين أبناء دول مجلس التعاون، وهو ما يعرف بـ“الذباب الإلكتروني”، علينا أن ندرك أن من يقوم بهذا العمل إنما يستهدف المصلحة الخليجية. فتخريب العلاقة بين أبناء الإقليم الخليجي هو أمر بالغ الضرر على كل الإقليم وفي كل المجالات الحياتية وليس ضد دولة بعينها، هذا الإدراك والفهم لامسهما أبناء الخليج في تفاعلهم مع مبادرة دولة الإمارات.
سيظل الاعتماد على الإعلام الخليجي الوطني، كإحدى الأدوات التي تدافع عن ثقافة وتقاليد أهل هذه المنطقة، بل يكاد يكون واحدًا من الأسلحة في الدفاع عن الأمن الوطني لهذه الدول باعتباره سلطة رابعة في العرف التقليدي، ولكنه السلطة الأولى في زماننا الحالي، فالحرب الإعلامية أحد أهم الأسلحة الحديثة وأصبحت التقنيات والتكنولوجيا المتقدمة جزءًا من خطط الصراع والتخريب وأداة لإنزال الهزيمة بفعل كسر العادات والتقاليد والتشكيك في الرموز والثوابت.
التفاعل الإيجابي مع المبادرة خليجيًا أكد لنا بقوة ترابط أبناء الخليج مع بعضهم البعض من منطلق إيمانهم بأنهم قادرون على مواجهة التحديات الداخلية (بعض المغردين من داخل دول المنطقة، ولكن فكرهم خارج الوطن الخليجي) والتحديات الخارجية، كما يحتاج إلى تنسيق مواقفهم الإعلامية كما هو الحاصل في التنسيق السياسي على المستوى القيادي وهذا تقريبًا ما أشارت إليه الكثير من الحسابات الخليجية بعد ساعات فقط من إطلاق المبادرة.
إن الاتساق في المواقف والتكامل في الدفاع عن المصلحة الخليجية جعلا من هذه الدول وشعوبها القوة العربية والإقليمية ذات التأثير الأبرز.
الإمارات، كانت على الدوام من مؤيدي العمل الخليجي والعربي فهي التي استضافت القمة الخليجية التأسيسية في مايو عام 1981، بل كانت عاملاً مؤيدًا لكل مصلحة خليجية سواء من خلال توطيد العمل الخليجي المشترك أو في دعم مواقفها في المحافل الدولية، واليوم هي تعيد التفكير في المصلحة الخليجية من خلال العودة إلى ثقافة احترام التاريخ الخليجي وثقافته، عبْر رفض الإساءة إلى هذا التاريخ لما تشكله هذه الإساءة من خطورتها على مصلحة الشعوب الخليجية ومجتمعاتها، والمطلوب في هذه المبادرة ليس التفاعل مع المسيئين الذين يحاولون استفزاز أبناء الخليج، وإنما المطلوب هو عدم التفاعل معهم حتى بالرد عليهم.
ما نريد أن نخلص إليه نقطتان: النقطة الأولى، أثبت العمل الخليجي أنه قوة مؤثرة في الظروف الصعبة والمحطات المفصلية، والعالم اليوم يمر بمشهد سياسي وأمني معقد ومتشابك تديره تنظيمات وأيديولوجيات لها مصالحها في تخريب المجتمعات الناجحة. والنقطة الثانية، أن الإعلام الهادف والمسؤول يضيء عقول الناس بأفكار وطنية من أجل الحفاظ على المكتسبات التي حققتها الأجيال الماضية، وهذا هو الدور المنتظر من الإعلام الخليجي.
تحقيق النقطتين السابقتين لن يتم إلا عبر توحيد الصف الإعلامي الخليجي كما هو الصف السياسي على المستوى القيادي، لتوكل إليه مهمة التصدي لكل من يحاول الإساءة إلى أي رمز خليجي أو دولة خليجية.