د. عبدالمنعم همت يكتب:
التوازن بين الهوية الثقافية والانفتاح في السعودية
منذ إطلاق رؤية 2030، باتت هيئة الترفيه في المملكة العربية السعودية تجسد تحولًا ثقافيًا عميقًا. لا يقتصر دور الهيئة على تنظيم الفعاليات، بل يمثل تجسيدًا لرغبة المجتمع في إعادة صياغة هويته الثقافية والتفاعل مع العالم الخارجي. في سياق هذا التحول، يتم تسليط الضوء على أهمية الترفيه كوسيلة لتحقيق التوازن بين المحافظة على القيم الثقافية والانفتاح على الثقافات الأخرى. يمثل هذا الانفتاح فرصة لتحسين جودة الحياة، مما يسهم في تشكيل صورة جديدة للمملكة.
تسهم الهيئة في خلق بيئة ثقافية نابضة بالحياة، حيث تم إدخال فعاليات فنية وموسيقية كانت غير متاحة من قبل. هذه الفعاليات تعمل على تنويع التجارب الثقافية وتعزيز الانتماء الجماعي. ومع ذلك، يترافق هذا الانفتاح مع تحديات تتعلق بالصراع بين القيم التقليدية والرغبة في التغيير. يشعر البعض بالقلق من أن هذه التغيرات قد تؤدي إلى فقدان الهوية الثقافية، مما يطرح تساؤلات حول كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على التراث والانفتاح على التحديث.
من خلال فهم العلاقات الثقافية والاجتماعية، يمكن لهيئة الترفيه أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز القيم الاجتماعية الإيجابية، وتقديم تجربة ترفيهية شاملة تدعم الرؤية الوطنية
من جهة أخرى، تبرز ظاهرة التفاوت الاجتماعي كقضية رئيسية في هذا السياق. رغم أن الفعاليات التي تنظمها الهيئة تساهم في دفع عجلة الاقتصاد، إلا أنها غالبًا ما تكون محصورة بفئات معينة من المجتمع. وهذا التفاوت قد يعزز الإحساس بالتهميش لدى شرائح واسعة من المجتمع، مما يهدد تحقيق العدالة الاجتماعية. تتطلب هذه الحالة تفكيرًا عميقًا حول كيفية ضمان أن يكون الترفيه متاحًا للجميع، بحيث لا يصبح وسيلة للفصل الطبقي بل أداة لتعزيز التماسك الاجتماعي.
تجسد هيئة الترفيه نموذجًا جديدًا للعلاقة بين الدولة والمجتمع، حيث يعبر هذا النموذج عن التفاعلات المعقدة التي تتشكل بين الرغبة في التحديث والتمسك بالهوية. في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى تعزيز النمو السياحي وجذب الاستثمارات، تواجه ضغوطًا من تيارات محافظة تعبر عن مخاوف من أن يؤدي هذا الانفتاح إلى تهديد القيم الاجتماعية والدينية.
يظهر التحليل الاجتماعي أن هيئة الترفيه ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل تعكس صراعًا أعمق بين قيم الاستمرارية والحداثة. هذا الصراع يعبر عن رغبة الأفراد في تحقيق التوازن بين الاستمتاع بالحياة والتشبث بالتقاليد. في هذا السياق، يصبح من الضروري إجراء حوار مجتمعي شامل يستوعب جميع وجهات النظر، مما يسهل فهم القلق الذي يشعر به الأفراد من الفئات المحافظة.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تسهم البرامج التعليمية والتثقيفية في تعزيز الوعي الثقافي وتعميق الفهم المتبادل بين الأجيال. هذه البرامج من شأنها خلق جسور للتواصل بين الأفراد، مما يعزز من القدرة على التكيف مع التغيرات الثقافية والاجتماعية. عندما يتم تقديم الترفيه كعنصر من عناصر التبادل الثقافي، يصبح أداة لتعزيز الهوية الوطنية بدلاً من أن يكون تهديدًا لها.
تعتبر الحاجة إلى إدماج القيم الثقافية في الفعاليات الترفيهية أمرًا حيويًا. فعندما يتم تضمين العناصر الثقافية المحلية في الفعاليات، يصبح الترفيه أداة تعزز من الفخر بالهوية الوطنية، وتساعد في بناء مجتمع متماسك. من المهم أن تعمل هيئة الترفيه على تقديم فعاليات تعكس التنوع الثقافي في المجتمع السعودي، مما يسهم في تعزيز روح الانتماء والولاء للوطن.
ظاهرة التفاوت الاجتماعي تبرز كقضية رئيسية في هذا السياق. رغم أن الفعاليات التي تنظمها الهيئة تساهم في دفع عجلة الاقتصاد، إلا أنها غالبًا ما تكون محصورة بفئات معينة من المجتمع
علاوة على ذلك، يتعين على الهيئة أن تأخذ في الاعتبار الاحتياجات المختلفة لفئات المجتمع. من خلال تقديم فعاليات متنوعة، يمكن تحقيق الوصول الشامل وتعزيز الشعور بالعدالة الاجتماعية. إذا استطاعت هيئة الترفيه تحقيق هذا التنوع، فإنها ستسهم في بناء مجتمع يعبر عن تطلعات جميع أفراده، ويعزز من التماسك الاجتماعي.
تحتاج التحولات الثقافية إلى التعامل بحذر، حيث يجب أن تكون عملية التغيير مدروسة وتتسم بالتدرج. يساعد التدرج في إدخال التغييرات على تقليل الصدمات الثقافية التي قد تنتج عن التغيرات السريعة. يجب على المجتمع أن يحصل على الوقت الكافي لاستيعاب هذه التحولات، مما يمنح الدولة فرصة لضبط سياساتها بما يتناسب مع ردود الفعل المجتمعية.
ورغم ما تحققه هذه التحولات من تقدم، لا بد من التنبه إلى أن التيارات المتطرفة تترقب أي تعثر في هذه المسيرة. فهذه التيارات، وإن كانت في حالة كمون حاليًا، لن تتردد في استغلال أي إخفاق أو توتر في المجتمع لتأجيج رفض مجتمعي للتحديث. ستعمد إلى الاستفادة من التركيبة القبلية والاجتماعية لبث الشكوك حول التحولات، بهدف عرقلة الجهود التي تسعى نحو بناء مجتمع مستنير يعزز القيم الثقافية والحداثية في آن واحد.
من خلال فهم هذه العلاقات الثقافية والاجتماعية، يمكن لهيئة الترفيه أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز القيم الاجتماعية الإيجابية، وتقديم تجربة ترفيهية شاملة تدعم الرؤية الوطنية. إن تحقيق هذا التوازن بين التحديث والمحافظة يتطلب عملًا جماعيًا وشاملاً من جميع مكونات المجتمع.