رولا القط تكتب لـ(اليوم الثامن):
الرد الإيراني على "حافة الهاوية"
تتبنى إيران سياسة "حافة الهاوية" في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وهي استراتيجية تقوم على التصعيد العسكري والسياسي لتحقيق مكاسب دبلوماسية أو اقتصادية. تعتقد طهران أن التصعيد، سواء بممارسة الضغط عبر برنامجها النووي أو عبر الدفع بوكلائها الإقليميين، قد يدفع خصومها إلى تقديم تنازلات. هذا النهج كان واضحاً في مفاوضات إيران مع الغرب بشأن برنامجها النووي، وكذلك في ردودها العسكرية الخجولة بالضد العقوبات الاقتصادية.
في سياق التصعيد الإقليمي، يعتمد النظام الإيراني على ركائز رئيسية: القمع الداخلي وتصدير الأزمات عبر الإرهاب والحروب الخارجية. هذا التكتيك يخدم مصالح طهران في تثبيت أقدامها داخلياً عبر إسكات المعارضة، وفي الوقت نفسه تحاول تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال وكلائها مثل حزب الله في لبنان والفصائل المسلحة في العراق و الحوثيين في اليمن، غير أن هذه الاستراتيجية التي تبدو ناجحة في الظاهر، تواجه الآن تحديات حقيقية، خاصة في ظل الأزمات الداخلية في إيران وتصاعد الضغط الشعبي.
حرب غزة و دورها في اخماد السخط الشعبي بما يشبه الانتفاضة داخل ايران، عندما شن النظام الإيراني الحرب على غزة، كان هدفه الأساسي الدفع نحو تحجيم الاحتجاجات الداخلية التي كانت تغلي تحت السطح. نجحت هذه الاستراتيجية مؤقتاً، إذ تمكنت من تأخير انفجار الغضب الشعبي لعام آخر. لكن هذا النجاح الهش يقف على حافة الهاوية. النظام الإيراني الآن أمام خيارين: إما الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، وهو ما سيضعه في مواجهة مع تداعيات داخلية وخارجية قد تكون كارثية، أو ترك الوكلاء يقودون المعركة كما حدث في غزة، مع الاستمرار في تقليص الرد المباشر.
لكن بغض النظر عن الخيار الذي سيتبعه، سيواجه النظام الإيراني ضغوطاً متزايدة. إذا اختار التصعيد العسكري، فإنه سيفتح الباب أمام ضربات إسرائيلية قد تؤدي إلى تفجر غضب شعبي داخلي، فيما ستفاقم الضغوط الاقتصادية والسياسية. أما إذا اختار التهدئة، فإن النظام سيبدو ضعيفاً، مما سيشجع المعارضة الداخلية على التحرك ضده، و ايضا سيزيد من شكوك الشركاء و الوكلاء الإقليميين حول النوايا الفعلية التي تقف خلف السياسات الإيرانية في المنطقة و هو ما يحدث إجمالا خلف الكواليس.
التحديات الداخلية والخارجية المرشد الإيراني علي خامنئي يدرك جيداً أن أي حرب خارجية قد تكون بمثابة قنبلة موقوتة في الداخل الإيراني. فالشعب الإيراني بات يرفض بشكل متزايد تدخلات النظام في المنطقة، ويرى أن هذه السياسات تأتي على حساب رفاهيتهم المزعومة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. في الوقت نفسه، يعتمد النظام على هذه الحروب للحفاظ على نفوذه في العراق ولبنان وسوريا، لكن هذه الاستراتيجية تبدو الآن مهزوزة.
حزب الله، الذي يعتبر ذراع إيران الأقوى في المنطقة، يعاني هو الآخر من ضغوط داخلية وخارجية متزايدة، خصوصاً بعد تصاعد الأزمات في لبنان. و يعتبر اغتيال حسن نصرالله و معه اغلب قيادات الصف الاول في حزب الله ، الذي تم مؤخراً في الضاحية الجنوبية في بيروت، اقل ما يمكن تفسيره على انه ضربة قاصمة لحزب الله وللنظام الإيراني، مما قد يؤدي إلى انهيار المشروع الإيراني في المنطقة بشكل كامل، هذا إذا لم يتم تداركه بشكل و بأهمها من قبل الجانب الإيراني سواء بافتعال ازمة لإشغال الرأي العام او من خلال اجراء ضربة عسكرية استعراضية لمحاولة ازالة الشك عن البعض من مدى جدية النوايا الإيرانية، و ايضا عملية شراء الوقت و استغلاله لإعادة هيكلة الحزب التي تضررت بشكل كبير.
اما في ما يخص الشأن العراقي و ما يتعلق بميليشيات الحشد الشعبي، فهي تواجه ضغوطا شعبية داخلية كبيرة تهدد وجودها عقائديا، ما بين تعرية فكرة الدعم الإيراني لها و حقيقة المحاولات الإيرانية للسيطرة الشاملة على العراق بكل مقدراته و لهذا الموضوع جذور تاريخيّة تعود إلى حرب الثمان سنوات بين العراق و ايران و بالطبع تلقي بظلالها على طبيعة العلاقات الحالية التي تحولت من حالة الند للند إلى حالة اخرى اشبه بالتابع و المتبوع. ضعف المواقف الإيرانية بطبيعة الحال يقوض كل جهودها السابقة و محاولاتها للسيطرة و يدفع بالإرادة الشعبية لاسقاط ايران و اذرعها عقائديا و هذا ما يخشاه وكلاء ايران في العراق.
المأزق الإيراني: ما بعد التصعيد تظهر هذه التطورات أن النظام الإيراني يجد نفسه الآن في مأزق حقيقي. فقد أدى سوء التقدير الاستراتيجي إلى تورط خامنئي في حرب إقليمية كبيرة، بينما كان الهدف الأساسي هو الهروب من الانتفاضة الداخلية. لكن هذه الحرب قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث قد تشعل غضباً داخلياً غير مسبوق في إيران.
على الرغم من سيطرة النظام الإيراني على البرلمان وإقصاء منافسيه السياسيين، إلا أن هذه الخطوات لم تحقق استقراراً داخلياً. بل على العكس، تفاقمت الأزمات، وبات الرأي العام الإيراني غير داعم لسياسات التدخل الخارجي كما كان في السابق. وفي ظل هذا المشهد الغامض، يبقى النظام الإيراني أمام تحدٍ وجودي، فإما أن يتراجع عن سياساته الخارجية أو يواجه انهياراً داخلياً.
من الواضح أن النظام الإيراني يدرك حجم الخطر الذي يواجهه. التصعيد في الخارج لم يعد يُحتمل، فيما يزداد الضغط الداخلي. هذا يجعل خامنئي ونظامه في موقف لا يُحسد عليه. التراجع عن سياسات التدخل الخارجي قد يؤدي إلى تفاقم الانتفاضة الداخلية، بينما الاستمرار في التصعيد يعني خسائر استراتيجية كبيرة في المنطقة.