محمد خلفان يكتب:

اغتيال نصرالله: هل يتأثر مشروع الإسلام السياسي في الشرق الأوسط؟

يعتقد أحد الأصدقاء اللبنانيين أن أحد أكبر المكاسب السياسية لحادثة اغتيال أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله، مؤخراً، هو احتمالات نهاية مشروع الدولة الدينية في المنطقة بشقيه السني والشيعي مع صعود احتمالات نشوء الدولة المدنية التي تسمح للجميع بالعيش المشترك ويكون الولاء للدولة فقط وليس للطائفة أو لحزب عابر للحدود وهو أمر طال انتظاره من المواطن العربي منذ الخمسينات من القرن الماضي حيث بدأت الانقلابات وعمليات التخوين لمشروعات سياسية فكرية وطائفية.

فحسب اعتقاد هذا الصديق أن حزب الله اللبناني هو امتداد لدولة إقليمية وهي إيران الدولة التي لديها مشروعها الخاص في المنطقة المتمثل في تصدير الثورة وتسند جماعات وتنظيمات مختلفة عنها أيديولوجياً تتبنى مشروعها مثل الإخوان المسلمين. كما ساهمت في صعود حزب الله وتقويته من طهران بعد عام 2006 بالسلاح والخبرة وجعلته دولة داخل دولة وأحد أذرعها القوية في المنطقة.

المعنى أن إيران بعد عام 2003 وبعد احتلال العراق وسقوط نظامه، استغلت اللحظة بموافقة أميركية كاملة وكانت النتيجة احتلال أربع دول عربية وعربدة سياسية في المنطقة مستفيدة من باقي التنظيمات المنتشرة في المنطقة لاستكمال مشروعها ومنها “حماس”.

أتفق مع هذا الطرح عندما أتذكر محتوى كتاب “صحوة الشيعة” الذي ألفه نصر رضا فالي عام 2007 وهو أستاذ في كلية جونز هوبكنز للدراسات المتقدمة في واشنطن والذي مهد من خلال تركيزه على التطرف والإرهاب الذي تمارسه الجماعات السنية مستشهدا بالذي حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001 مما سمح للإرهاب الذي تمارسه التنظيمات المدعومة من إيران باستغلال ذلك، فكانت النتيجة زيادة وتيرة الصراع الطائفي في المنطقة لدرجة أن هذا الإرهاب أصبح بدعم من الدولة خاصة بعدما توسعت إيران في عدد من الدول العربية.

كل تنظيمات الإخوان المسلمين تجاهلت (عمداً) نعي مقتل حسن نصرالله. فهل بدأنا مرحلة أن يكون الولاء للوطن وليس للطائفة أو الأيديولوجيا مهما كان نوعها

ورغم الاختلافات الموجودة بين تنظيمات الإسلام السياسي النسخة السنية والنسخة الشيعية لكن المظلة الكبرى لهذه التنظيمات هي إيران الثورة. والدليل أن الكثير من أعضاء تنظيم القاعدة وجودوا مأوى وملاذا لهم في إيران بعد طردهم من أفغانستان، بل لا يزال بعضهم موجودا فيها، وسيف العدل زعيم التنظيم خير مثال. المصلحة السياسية أوجدت نقاطا مشتركة بين الطرفين وكانا يقتربان من المساحات التي يمكن أن يتعاونا فيها منذ أيام سيد قطب الذي كان يدعو إلى التعاون، وربما هذا يفسر حالة المباركة من تنظيم الإخوان المسلمين للثورة الإيرانية عام 1979 وأنهم يرون في تلك الثورة الإلهام، وربما يفسر كذلك حالة تعاون حركة “حماس” مع الحرس الثوري الإيراني فالمشروع السياسي واحد وهو إقامة الدولة الدينية في المنطقة.

علينا متابعة تداعيات حادثة مقتل حسن نصرالله للتأكد من أن هذا المشروع يسجل نهايته من خلال التركيز على نقطتين. النقطة الأولى: هل القضاء على قادة حزب الله اللبناني وبعض قيادات الحرس الثوري الإيراني سيقتصر على الضاحية الجنوبية في لبنان فقط، أم سيشمل الداخل الإيراني حيث لا بد من هدم “المعبد” على رؤوس الجميع، للتخلص منهم.

النقطة الثانية: ملاحظة نوعية المنزعجين من عملية مقتل حسن نصرالله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ستجدهم من نوعية المنتمين إلى تيارات الإسلام السياسي أو المتعاطفين خفية معه بشقيه السني والشيعي. فلو رفعنا الألوهية عن حسن نصرالله فهو إنسان ارتكب العديد من الأخطاء ضد الإنسانية سواء داخل لبنان من خلال عمليات الاغتيال السياسي وخارجه ومارس العديد من السياسات لعرقلة تشكيل الحكومات اللبنانية، وهذه النتيجة طبيعية.

قد يكون سيناريو صديقي اللبناني تخيليا وأن ما يعتقده ليس إلا ”حلما“ ولكن هذا لا يمنع من الأخذ به وفق طريقة التفكير في (السيناريو غير المحتمل)، أو لأن أصل العلوم “الخيال” كما أنه من حق كل إنسان أن يحلم.

لقياس مدى صحة اعتقاد صديقنا سنجد أن موضوع التخلص من الإسلام السياسي بدأ منذ عام 2013 لتحل محله الدولة الوطنية أو المدنية عندما قررت دول عربية وضع حد لتنظيم الإخوان المسلمين (الشق السني) من الدولة الدينية، والتي كانت مشروعا لإعادة الخلافة الإسلامية بعد إسقاطها من مصطفى أتاتورك في العام 1924، في حين أن الشق الشيعي لهذه الدولة كان من خلال المشروع الإيراني في المنطقة أو ما يعرف بتصدير الثورة التي جاءت في عام 1979 فربما نحن الآن في نهايته.

على كل يمكن تسجيل ملاحظة مهمة يمكن أن تفسر لنا مرحلة العجز والفشل التي وصل إليها الإسلام السياسي في المنطقة. فقد تجاهلت كل تنظيمات الإخوان المسلمين (عمداً) نعي مقتل حسن نصرالله. فهل بدأنا مرحلة أن يكون الولاء للوطن وليس للطائفة أو الأيديولوجيا مهما كان نوعها.