منى أحمد تكتب لـ(اليوم الثامن):
"الزُبيدي وبهلوي" رسالتا سلام لشرق أوسط جديد
في الشرق الأوسط، حيث تصطرع المصالح السياسية والدينية والطائفية، يبرز كل من "عيدروس الزبيدي" في اليمن ورضا بهلوي في إيران كرؤيتين جديدتين تحملان رسائل سلام واستقرار للمنطقة. كلاهما، وإن اختلفت خلفياتهما السياسية والتاريخية، يشتركان في هدف بناء شرق أوسط جديد، يقوم على مفهوم الدولة المدنية بعيداً عن التطرف الديني والتدخلات الخارجية التي طالما مزقت نسيج المنطقة. السؤال الرئيسي الآن هو: هل يلتقط المجتمع الدولي هذه الرسائل، وهل سيتحرك لدعم هذه التحولات التي قد تكون مفتاحاً لسلام دائم في المنطقة؟
عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، يطرح رؤية سياسية تقوم على حل الأزمة اليمنية عبر إيجاد حل عادل للقضية الجنوبية، بعيداً عن هيمنة الأيديولوجيات المتطرفة أو التدخلات الإقليمية التي عمقت الأزمة. في ظل الحرب الأهلية التي أنهكت اليمن، يسعى الزبيدي إلى بناء دولة جنوبية قائمة على مبادئ الحداثة، والانفتاح السياسي، والتعاون مع الجوار العربي. رسالته واضحة: استقرار اليمن يكمن في تمكين القوى المحلية الحقيقية من قيادة مصيرها، بدلاً من أن تكون ساحة للتدخلات الخارجية المتناحرة.
أما رضا بهلوي، ابن شاه إيران، فيحمل رسالة تختلف في تفاصيلها لكنها تشترك في الهدف النهائي. بهلوي يسعى إلى تحويل إيران إلى دولة مدنية علمانية، تفصل بين الدين والسياسة، وتبتعد عن التدخل في شؤون الدول الأخرى. النظام الإيراني الحالي، الذي يقوم على فكرة تصدير الثورة ودعم الجماعات المسلحة في المنطقة، أوجد بيئة من التوترات المستمرة. بهلوي يريد تغيير هذا النهج جذرياً، ويؤكد على أهمية أن تكون إيران جزءاً من النظام الدولي الجديد، لا تهديداً له. يدعو إلى بناء علاقات حسن الجوار وإلى احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية، مما يتيح فرصة حقيقية لتهدئة التوترات مع دول الجوار مثل السعودية وإسرائيل.
رسالة الزبيدي وبهلوي تشكل فرصة حقيقية لإعادة صياغة خريطة الشرق الأوسط السياسي. إذا تم أخذ هذه الرؤى بجدية، فإن من الممكن أن يكون لها تأثير كبير على النزاعات المستمرة في المنطقة. المجتمع الدولي، وخاصة القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قد يجد في هذه الرسائل فرصة لتعزيز استقرار الشرق الأوسط، بعيداً عن المصالح الضيقة والصراعات العسكرية التي لم تجلب سوى الدمار.
إحدى العقبات الرئيسية أمام نجاح هذه الرؤى هي التردد الدولي في اتخاذ مواقف واضحة تجاه القوى المحلية التي تسعى للتغيير. المجتمع الدولي غالباً ما يتجنب اتخاذ خطوات جريئة، خاصة عندما يتعلق الأمر بدعم حركات سياسية قد تزعج توازن القوى القائم في المنطقة. في حالة اليمن، قد يجد المجتمع الدولي أن دعم الزبيدي يتعارض مع محاولاته للحفاظ على وحدة اليمن، حتى لو كانت تلك الوحدة غير واقعية في ظل الصراعات المستمرة. أما في إيران، فإن المجتمع الدولي قد يتردد في دعم رضا بهلوي خوفاً من تأثير ذلك على توازن القوى في منطقة الخليج ومخاوف من عودة النظام الملكي.
لكن الفرصة ما زالت قائمة. التحولات في المنطقة، سواء في اليمن أو إيران، يمكن أن تفتح فصلاً جديداً من الاستقرار والتعاون إذا ما تم دعمها بالشكل الصحيح. رسالة الزبيدي وبهلوي ليست فقط دعوة للسلام الداخلي في بلديهما، بل أيضاً رسالة للمنطقة بأسرها بأن الاستقرار يمكن أن يتحقق من خلال الحوار الداخلي والتعاون الإقليمي. فإذا التقط المجتمع الدولي هذه الرسائل، وعمل على دعم التحولات المدنية والسياسية في البلدين، فإن الشرق الأوسط قد يشهد تغييرات جذرية نحو الأفضل.
في الختام، المجتمع الدولي أمام مفترق طرق. عليه أن يختار بين استمرار التردد في التعامل مع قوى التغيير المحلية أو الانخراط الجاد في دعم رؤية جديدة للشرق الأوسط. رسالة الزبيدي وبهلوي هي فرصة حقيقية للسلام، وإذا ما استجابت لها القوى الدولية، فقد تكون بداية لمرحلة جديدة في تاريخ المنطقة، تقوم على أسس مدنية، وتضع نهاية لصراعات استمرت لعقود طويلة.