عبدالجليل السعيد يكتب:
تأثير السردية الإسرائيلية على الجبهات السياسية
في ظل اتساع رقعة الحرب بين إسرائيل وإيران ومليشياتها، إلى جانب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ضد حركتي حماس والجهاد الإسلامي، هناك حربٌ أخرى تتعلق بالمعلومات والأخبار والمواقف وسياقات السردية والخطاب هنا وهناك.
أولاً: لدى إسرائيل كدولة رأي عامٌ يراقب كل ما يقوم به المستوى السياسي المتعلق بالحكومة الحالية بزعامة بنيامين نتنياهو، والمستوى العسكري الذي يتلقى أوامره من "الكابينت الحكومي المصغر" والمعني بإدارة شؤون المعارك والجبهات، لاسيما نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، وهامش الكذب أحياناً غير مسموح به لأن الحساب عسير جداً داخل إسرائيل
ثانياً: كما أن حيوية وسائل الإعلام الإسرائيلية من حيث واقع الانقسام في الإطار الإسرائيلي بين اليمين واليسار باتت تضيق رويداً رويداً، بعد التصعيد الخطير الجاري في لبنان، و إذا كانت المعلومة هي أول ضحية في الحرب، فإن السردية الإسرائيلية تقوم على أساس تمسك إسرائيل بما تسميه توازن الردع وهيبة الدولة في ظل ما عصف بها بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
ثالثا : خطاب إيران ومليشياتها يحيط به الآن غموضٌ غير بناء، لاسيما التخبط الحاصل في صفوف مليشيات حزب الله المنكوبة بضربات إسرائيل النوعية والموجعة منذ اغتيال حسن نصر الله على الأقل، فعلى الرغم من اجتهاد نعيم قاسم نائب الأمين العام للحزب عبر خطابات ثلاثة، تقمص في آخرها شخصية حسن نصر الله القتيل، ومحاولاته الفاشلة -بحسب مراقبين - إضفاء طابع القوة على مناوشات حزبه مع إسرائيل، إلا أن أكثر من مليون لبناني باتوا في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يحتاجون إلى مساعدات عاجلة تعجز عنها الدولة اللبنانية.
رابعاً: التغول الإيراني في لبنان بات حبيس هواجس الماضي، والسؤال الكبير: لمصلحة من قام حزب الله في لبنان بما قام به بعيد انطلاق ما سماه يحيى السنوار "طوفان الأقصى"؟، الحزب آنذاك زعم مساندة غزة، فلا هو أسند جبهة القطاع ولا هو ساند نظرائه الفلسطينيين فيما يطلق عليه محور المقاومة، وأضحت مليشيات حزب الله بحاجة إلى من يساندها ويساعدها، في ظل عجزها حتى عن دفن أمينها العام القتيل حسن نصر الله.
خامساً: وفي مقابل تخبط حزب الله بلبنان، تبدو الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي عاجزةً عن تقديم خطاب مقنع يجبر الحزب ومن خلفه إيران على وقف إطلاق النار، أو حتى هدنة طويلة الأمد أو قصيرة الأجل لترتيب الأوراق داخل لبنان، وهذا نتاج جهود إيرانية سلبية على مدى عقود، جعلت من الجغرافية اللبنانية مستودعاً لصواريخ إيرانية ومنصات لإطلاقها بغية تحسين شروط إيران التفاوضية مع الولايات المتحدة عند اللزوم.
سادساً: الإشارة إلى مصطلح ابتدعته إيران قبل سنوات وأسمته "وحدة الساحات" صار مطلباً إسرائيل الآن، فالمسؤولين في تل أبيب يرفعون أصواتهم علناً وهم يطالبون بإطلاق سراح الرهائن الذين في عهدة حماس فوراً، إن قبلوا بوقف الاجتياح البري الإسرائيلي لجنوب لبنان، والسحر انقلب على الساحر كما يقول المثل، وصحيح أن إيران في معرض الرد على إسرائيل حين أطلقت صواريخها ومسيراتها مرتين نحو إسرائيل، لكن هذا لا يلغي تسليح إيران لمليشياتها على مدى سنوات طويلة تحت ذريعة تحرير فلسطين، وحين دقت ساعة الحرب وجدنا إيران تتلطى خلف وساطات ومحادثات، وها هو وزير خارجية إيران الجديد عباس عراقجي وقد افتضح أمره في العراق حين جالس السفيرة الأمريكية في بغداد، وفاوض وقايض وبحث مع واشنطن الثمن المطلوب.
سابعاً: الحرب الإسرائيلية الإيرانية الآن لا تعني شيئاً لكثير من الدول العربية، وحتى بعض الأحزاب في لبنان على سبيل المثال لا تخجل من قول ذلك، وترى حزب الله فصيلاً عسكرياً يتبع الحرس الثوري الإيراني، وحرب إسرائيل على الحزب عبثٌ يمارسه الساسة في تل أبيب وطهران على أراض عربية ذات سيادة.
أخيراً .. ليس من مصلحة المنطقة أبداً أن تكون الدولة الوطنية غائبة، لأن هناك مليشيات مؤدلجة تنفذ أجندات دخيلة، لكن في المقابل لا يجوز لإيران كما إسرائيل أن تغفلا عوامل المواجهة المحتومة، إن سمحت الولايات المتحدة لهذا الصراع أن يتدحرج بطريقة مباشرة وغير مسبوقة، والحل يكمن وراء ذلك في إرغام إسرائيل وإيران على إيقاف العبث بالشرق الأوسط وإنهاء دوامة العنف الدامية.