أ. د. سهير علي أحمد تكتب لـ(اليوم الثامن):
الدفاع عن الحقوق كمسار للنضال الوطني: أكثر من مجرد اعتراض على الوضع
كلمة لا بد منها: يمكن للإنسان أن يقضي حياته في توجيه الانتقادات لأي وضع يعيشه، منتقدًا الظروف والسياسات والأشخاص من حوله، ولكن هل النقد وحده يكفي؟ النقد بلا حلول هو مجرد صوت في الفراغ، لا يغير شيئًا ولا يضيف قيمة حقيقية. المساهمة الفعلية في بناء المجتمعات وتحسين الأوضاع تتطلب أكثر من مجرد الإشارة إلى الأخطاء؛ إنها تحتاج إلى القدرة على تقديم معالجات حقيقية، ورؤية واضحة لكيفية تحويل النقد إلى خطوات عملية.
من السهل أن ننتقد، لكن التحدي يكمن في القدرة على الإسهام في إيجاد الحلول. النقد الإيجابي لا يُبنى على الشكوى فقط، بل على السعي لتحسين الواقع بطرح أفكار وإجراءات ملموسة. فإذا لم نكن مستعدين لتحمل مسؤولية المشاركة في الإصلاح، سيبقى نقدنا مجرد كلمات عابرة. قد يساهم الإنسان في تغيير وضعه ووضع الآخرين فقط عندما يتخذ خطوات جدية نحو الحلول.
وانطلاقا من هذه الكلمة، وردا على بعض التدوينات والمقالات التي قرأتها خلال الساعات الماضية، حول مزاعم وادعاءات بعض الاخوات الجنوبيات بأن هناك من يحاول جاهدا تجريدهن من انتمائهن الوطني، وهذا أمر نرفضه رفضا باتاً.
ولا يمكن ان نسمح كسياسيين وحقوقيين وأكاديميين ومواطنيين بأن يتم تجريد أي انسان من هويته وانتمائه الوطني، الا وفق القانون، فالقوانين الوطنية والدولية تضمن حق الأفراد في تحديد هويتهم وانتمائهم بشكل مستقل، وتحمي هذا الحق من أي تدخل تعسفي. ووفقا لميثاق الامم المتحدة والاعلان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الدوليين وخاصه الحقوق المدنية والسياسية و التي تنص موادها على حق الشخص في الجنسية، حرية الفكر، وعدم التمييز. فلا يجوز لأي جهة أن تجرد شخصًا من هويته أو جنسيته إلا في حالات قانونية محددة، مثل ارتكاب مخالفات خطيرة، مع ضمان اتباع الإجراءات القانونية.
من غير المقبول أن يُجرد أي إنسان من هويته الوطنية بسبب مواقفه السياسية. ومع ذلك، قد يواجه الشخص الذي يعارض تطلعات الشعب انتقادات من المواطنين الذين يرون أن الوقوف إلى جانب الوطن وتطلعاته هو واجب وطني. فالأدوار المعارضة التي تسعى إلى استغلال "ثغرات" للنيل من المكاسب الوطنية للشعوب تُعتبر غير بناءة.
على سبيل المثال، شعب الجنوب العربي لديه قضية وطنية يعترف بها العالم بأسره. ومن غير المعقول أن يخرج شخص ليتحدى هذا الشعب بنخبه السياسية والمثقفة، ويقول لهم: "أنتم على خطأ وأنا وحدي على صواب". هذا الموقف يثير السخرية أكثر من أي شيء آخر، إذ ليس من المنطقي أن يتحدى فرد إرادة ملايين الناس الذين يدافعون عن قضيتهم الوطنية.
لقد خرج اجتماع منظمات المجتمع المدني المنعقد يوم السابع عشر من أكتوبر 2024م، ليؤكد على أهمية دور المرأة الجنوبية في النضال الوطني الجنوبي، لإيمانهن كنساء جنوبيات أن القضايا الوطنية تكتسب شرعيتها وعدالتها عندما تنطلق من نصف المجتمع، وهو المرأة، التي تلعب دورًا حيويًا في النضال الوطني والتنمية الاجتماعية. القانون يدرك أهمية مشاركة المرأة الكاملة في صنع القرار ويضمن حقوقها وفقًا للتشريعات الوطنية والدولية.
عندما تُدمج قضايا المرأة – مثل المساواة والحماية من العنف والتمكين الاقتصادي – في القضايا الوطنية، يصبح المجتمع أكثر عدالة واستقرارًا، حيث تساهم المرأة في بناء مستقبل مشترك يحقق تطلعات الجميع. ومن هنا، يُعد إشراك المرأة في القضايا الوطنية أمرًا أساسيًا لتحقيق التنمية والمساواة في المجتمع.
لم يستهدف أحدًا أو التشكيك في وطنية أي شخص، كل ما تم الاشارة إليه هو أن التوصيف الخاطئ للحرب قد يؤدي إلى كارثة كبيرة. هذا التوصيف لا يهدد فقط مكتسبات شعب الجنوب العربي، بل يمتد خطره ليشمل أمن واستقرار المنطقة بأكملها.
أنظر إلى نساء وطني الجنوبي باعتبارهن "بطلات" بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فإلى جانب دورهن الوطني في النضال السلمي والعسكري، هن أيضًا أمهات الأبطال الشجعان من منتسبي القوات المسلحة والأمن الجنوبي، وأمهات الشهداء والجرحى، وأمهات المرابطين في الثغور كافة، الذين يواجهون الإرهاب على امتداد جغرافيا الوطن، من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا، مرورًا بجزيرتي سقطرى وميون. لهذا، من الضروري اليوم تسليط الضوء على المرأة الجنوبية "النجمة والبطلة" في مجالات الطب، الهندسة، والنضال.
لقد كرم المجلس الانتقالي الجنوبي المرأة الجنوبية من خلال إشراكها في صناعة القرار السياسي، وها هي اليوم تتصدر المشهد في الدفاع عن الوطن ومكتسباته. وما الاجتماع الأخير لنساء الجنوب - ممثلات المنظمات المدنية - إلا دليل على أن المرأة الجنوبية قد استرجعت دورها الريادي في الدفاع عن الوطن، دون تخوين أو تجريد أحد من هويته وانتمائه الوطني. وفي النهاية، سيحكم التاريخ على مواقف الجميع، فنحن بشر قد نخطئ وقد نصيب.
هذه رسائل عامة وغير موجهة لشخص بعينه، أقول إن محاولات تأليب الرأي العام في الجنوب وزرع الكراهية بين أفراد الشعب أصبحت مكشوفة للجميع. عندما نتحدث عن "الجنوب العربي كدولة"، يخرج البعض ليتحدث عن "العنصرية والمناطقية والخلافات"، ويزعمون أن استقلال الجنوب سيؤدي إلى تقسيمه إلى دويلات متناحرة. وكأن هؤلاء يتوقعون أن الشعب سيقبل بخيار الاحتلال العسكري، وهو الاحتلال الذي لم يجرؤوا يومًا على إدانة جرائمه وانتهاكاته التي استمرت لأكثر من ثلاثة عقود.
أما السؤال عن "من هن نساء الجنوب؟"، فهو وإن بدا غير مهم، إلا أن الحقيقة واضحة: نساء الجنوب هن من قدمن فلذات أكبادهن شهداء وجرحى في معركة وطنية مقدسة، لتحقيق مشروع وطني لا يقبل التقسيم. إنهن نساء يشاركن في الهموم الوطنية، مثل أي نساء طبيعيات في العالم. اليوم، المعيار الوطني يعتمد على إدراك أن "هناك يمنًا محتلًا من إيران وأذرعها"، وهنا جنوبًا محررًا. فكيف يعقل أن تأتي نساء من اليمن المحتل للحديث عن قضايا الجنوب المحرر، الذي تملك نساؤه شراكة حقيقية في النضال الوطني؟ من لم يستطع الانتصار لقضيته الوطنية في صنعاء، من الصعب أن ينتصر لأي قضية أخرى.
ما أثار فضولي للرد هو ما زعمته إحدى السيدات بشأن وجود "انفصام شخصي" وخلط بين الهوية الجنوبية والهوية اليمنية. لم أكن متأكدًا عمَّن كانت تتحدث، هل تقصد النساء اللاتي رفعن شعار الجنوب ودولة الجنوب، أم أن الحديث كان عن انفصام شخصي لنساء يرفعن شعار "اليمن الواحد"، وحين يُنتقدن يرددن "نحن جنوبيات"؟ أي انفصام شخصي هو الحقيقي؟ أترك الحكم في هذا الأمر للقارئ.
اما بالنسبة لمحافظتي حضرموت والمهرة، فأعتقد ان هناك جهل ليس في قراءة الاحداث وتحليلها بعمق، ولكن في الاطلاع على الاخبار، فأنا هنا لست مسؤولة عمن من لا يتابع الاخبار والتظاهرات الحاشدة في حضرموت والتي أكدت بما لا يدع مجالا للشك ان المال السياسي العابر للحدود لا يمكن ان يعيق المشاريع الوطنية.
ولكن هذا الطرح يعزز موقف الجنوبيات الرافض لانعقاد ما يسمى بالقمة النسوية، فالبيانات وبعض المواقف الإقليمية الممول لبعض المشاريع تقف وراء خلق ازمة جديدة في الجنوب، فهل من الطبيعي ان نصدق هذا الطرح، وشعب الجنوب في حضرموت يخرج عن بكرة أبيه ليؤكد على تمسكه بالمشروع الوطني ووثيقة فك الارتباط المعلنة في الـ21 من مايو 1994م، في مدينة المكلا من قبل الرئيس علي سالم البيض.
ولنساء الجنوب، أقول: اعملن بكل صدق وإخلاص، واحترمن وجهات النظر المختلفة، فمواقفكن مشرفة ودوركن بطولي. والله ولي التوفيق.
مقالة خاصة بـ(اليوم الثامن) - استاذ القانون العام، محاضرة في كلية الحقوق بجامعة عدن، ورئيس هيئة المرأة المساعده لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، تكتب لـ"مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات"