ميلاد عمر المزوغي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الحرس الثوري الإيراني.. تهديد عالمي يقابله عجز عربي عن الاستثمار في البحث النووي

 من العاصمة الإيطالية روما خرج مؤتمر "إيران حرة 2025" برسائل حادة تعكس حجم التوتر الدولي تجاه النظام الإيراني. ففي هذا الحدث البارز، صعد السناتور الإيطالي جوليو تيرزي، وزير الخارجية الأسبق ورئيس لجنة السياسات الأوروبية في مجلس الشيوخ، ليصف إيران منذ عام 1979 بأنها دولة إرهابية، ويؤكد أن الحرس الثوري يمثل التهديد الأكثر خطورة على الأمن العالمي. لم يكن خطاب تيرزي مجرد إدانة لفظية، بل جاء محمّلاً بأرقام وصور دامغة عن واقع الداخل الإيراني، من مذبحة عام 1988 التي أودت بحياة ثلاثين ألف معارض، إلى تصاعد الإعدامات في السنوات الأخيرة حيث شهد عام 2024 وحده ما يقارب ألف حالة إعدام، فيما تجاوز العدد ستمائة في نصف عام 2025 فقط. بالنسبة لتيرزي فإن هذه الجرائم ليست شأناً داخلياً، بل هي وجه آخر لسياسة التمدد الخارجي التي يقودها الحرس الثوري عبر الإرهاب والتخريب في أوروبا والشرق الأوسط.

لم يكن العمدة الأمريكي رودي جولياني أقل حدّة في خطابه، إذ وصف النظام الإيراني بأنه يعيش لحظاته الأخيرة بعدما فقد سيطرته على العراق وسوريا وتراجعت أذرعه مثل حزب الله والحوثيين. حمل جولياني الغرب مسؤولية تمكين هذا النظام عبر سياسات الاسترضاء وتمويله بمليارات الدولارات خلال فترات سابقة، ورأى أن البدائل التي تُطرح أحياناً مثل رضا بهلوي لا تمثل مشروعاً حقيقياً للتغيير لأنها تفتقد للشرعية النضالية. بالنسبة له، فإن الأمل الوحيد يكمن في المقاومة الإيرانية بقيادة مريم رجوي، وهي التي قدّمت خطتها العشرية لإعادة بناء إيران على أسس ديمقراطية تقوم على إلغاء عقوبة الإعدام وفصل الدين عن الدولة واحترام الحريات العامة.

المؤتمر لم يقتصر على نقد الداخل الإيراني، بل سلط الضوء على التهديد المباشر الذي يشكله النظام على المنطقة العربية عبر دعم ميليشياته في لبنان واليمن والعراق. هذه الرسالة حملت بُعداً عربياً واضحاً، فهي تؤكد أن مواجهة إيران ليست شأناً أوروبياً أو أمريكياً فقط، بل قضية أمن قومي عربي بالدرجة الأولى.

غير أن المفارقة الكبرى تتجلى حين نضع هذا المشهد في مواجهة واقع العالم العربي في المجال النووي. فبينما تُصوَّر إيران كتهديد نووي محتمل، نجد أن الدول العربية تمتلك مراكز بحوث نووية لكنها بقيت أقرب إلى مؤسسات أكاديمية بلا أثر عملي. مفاعل تموز العراقي دمّرته إسرائيل عام 1981، وليبيا سلّمت برنامجها النووي مقابل ضمانات لم تُحترم، أما المراكز الأخرى المنتشرة في المنطقة فلا تقدم سوى أوراق بحثية تُركن في الأدراج أو تحجز مكانها في أرشيفات المؤتمرات.

هذا الواقع يفتح الباب أمام تساؤلات مؤلمة: لماذا لم تتحول المراكز البحثية العربية إلى مشاريع طاقة نووية سلمية قادرة على توليد الكهرباء وتقليل الاعتماد على الوقود المستورد؟ ولماذا يظل حضور المؤتمرات والندوات بلا مردود ملموس؟ بل الأدهى أن كثيراً من الكفاءات العلمية العربية اضطرت إلى التوجه نحو التدريس الجامعي في مواد عامة، بدلاً من العمل في مشاريع بحثية حقيقية، ما جعل المراكز البحثية هياكل إدارية أكثر من كونها مؤسسات استراتيجية.

النتيجة أن العرب يقفون في موقع المتفرج بين خصم يبني قوته عبر برنامج نووي وحرس ثوري يعبث بالمنطقة، ومجتمع دولي يتعامل مع التهديد الإيراني كأولوية قصوى، بينما يكتفي العالم العربي بالاعتماد على المظلة الدولية لحمايته من دون أن يمتلك أوراق ردع أو قوة علمية مستقلة.

إن الرسالة الأبرز من مؤتمر روما لا تقتصر على ضرورة تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية أو عزل النظام الإيراني سياسياً واقتصادياً، بل تتجاوز ذلك لتدق جرس إنذار للعالم العربي: إن مواجهة التهديد الإيراني لا يمكن أن تظل حكراً على الخارج، وإن غياب الاستثمار الجاد في البحث العلمي والنووي هو الوجه الآخر من الضعف العربي الذي لا يقل خطورة عن التهديد الإيراني نفسه. فالعجز في هذا المضمار يكرّس التبعية ويجعل المنطقة رهينة للتوازنات الدولية، فيما يواصل الآخرون استخدام العلم والتقنية كورقة قوة وابتزاز.