عوني القلمجي يكتب لـ(اليوم الثامن):
من هذا الذي يُحيي عظام بهلوي ونظامه، وهل يحيى؟
مثل ابن الشاه غريبٌ عليه مصطلح الوطنية؛ فالوطنية بالنسبة له أن يكون هو وجده وأبيه ومن يأتي بعده سلاطين تخضع لهن العباد وتوضع تحت تصرفه وتلبية لرغباته خزائن البلاد، ومن هنا لم يأتي تحركه مصادفة أو بدوافع وطنية أو نتيجة صحوة ضمير تفرض عليه المطالبة باستعادة ما يسميه بـ مُلك ابيه وإنما جاء بدفع من جهات أجنبية، وعلى وجه التحديد من الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني لاستخدامه كرسالة للابتزاز أو ورقة ضغط على نظام الملالي وعلى رأسه علي خامنئي لردعه عن محاولة استثمار حرب غزة ضد الكيان الصهيوني كفرصة للتمدد أكثر في منطقتنا عبر ركوبه موجة الدفاع العالمية عن غزة، وعن حقوق الشعب الفلسطيني بمناوشات استعراضية هزيلة ضد الكيان الصهيوني. حيث اعتبرتها الولايات المتحدة، برغم محدوديتها ويتمها وانضباطها خروجا على النص شبه المكتوب بينها وبين نظام الملالي، والذي يضمن مكتسبات مهمة مقابل الخدمات التي قدمها للأمريكان في احتلال المنطقة، وخاصة احتلال العراق، وما تحركات رضا بهلوي في حقيقة الأمر إلا مسعى إلى تقييد المعارضة الوطنية الإيرانية، ودعما مباشرا لنظام الملالي لإخراجه من مأزقه وأزماته المتتالية وإبقائه على رأس الحكم في إيران.
اليوم وبعد مرور أكثر من أربعة عقود على سقوط نظام محمد رضا بهلوي عبر ثورة شعبية عامة ؛ يطل علينا اليوم ابنه رضا بهلوي مرتديا لباس المعارض الشرس الذي لا يشق له غبار لنظام الملالي في طهران، مطالبا بأسقاطه واستعادة ملك ابيه، لينعم الشعب الإيراني على حد تعبيره بالعيش الرغيد في ظل نظام مدني ديمقراطي؛ يأخذ على عاتقه إعادة بناء إيران على أسس مدنية وحضارية، ويضمن فيها المواطن حريته كاملة غير منقوصة بعد ان فقدها على يد نظام ملالي طهران الذين انتهجوا سياسة قمعية ضد اية معارضة او انتقاد او تظاهرة سلمية حتى وان كانت مطلبية تبدأ بالاعتقالات، وتمر بالتعذيب حتى الموت، وتنتهي بالإعدامات بطرق بشعة لم يشهدها العالم من قبل، ومنها الاعدامات العلنية بالرافعات الهيدروليكية التي تستخدم في الأعمال الإنشائية الكبيرة.
الحقيقة أن هذا ليس هذا كل شيء، فتحركات ابن الشاه المفضوحة في هذا التوقيت بالذات لم يكن بعيدا عن نضالات الشعب الإيراني وحركته الوطنية المعارضة على رأسها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمته المحورية منظمة مجاهدي خلق التي تهدد النظام بالسقوط خاصة بعد التصاعد الملحوظ لوحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق بالداخل في الآونة الأخيرة؛ حيث قامت الحركة بمحاولات جادة لإسقاط النظام من الداخل عن طريق القيام بتظاهرات عامة في جميع انحاء إيران ارتقت إلى مرتبة الثورات الشعبية الوطنية العارمة، وقد وجدنا نموذجا لها في الانتفاضات الشعبية التي حدثت في إيران خلال السنوات 2018 و2019 و2022 التي أثبتت أن الشعب الإيراني مُصِرٌ على إسقاط هذا النظام مهما طال الزمن وغلت التضحيات. وقد اعترف النظام نفسه بقوة هذه الانتفاضات، وكان اخرها اعتراف خبراء النظام بحالة عدم الاستقرار التي يعيشها النظام، والخشية من ثورة شعبية قد تكون رايتها حمراء وليست بيضاء هذه المرة.
لا تخشى أمريكا أبداً من خروج نظام الولي الفقيه عن النص المرسوم له، فتحركات هذا النظام تدور وفق المسموح له به، وتعلم أمريكا والغرب بأنه لن يتجاوز الخطوط الحمر وأن ضبطه وإعادته للحظيرة أمر ميسور سواء كان بالترغيب أو بالترهيب هديد حتى في ظل الأزمات الحادة التي يعيشها النظام خاصة بعد تعرضه لضربات شديدة كالتي تلقاها في المنطقة من قبل الكيان الصهيوني، وأبرزها اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله وأركان من قيادته، وفي مقدمتهم فؤاد شكر، القائد العسكري الميداني للحزب مما أسهم في إضعاف النظام، وجعلت من سقوطه أمراً قابلا للتحقيق رغم امتلاكه أجهزة امنية قوية، وحرس يمتلك أنواع الأسلحة لمواجهة أي انقلاب عسكري أو انتفاضة شعبية مسلحة قد تطيح بالنظام، وهذا ما لا تتمناه الولايات المتحدة؛ فانتصار حركة الشعوب يشكل خطراً على المصالح الامريكية ويقزمها، وبعبارة أخرى تستخدم أمريكا ورقة ابن الشاه لتخدير الشعب الإيراني لقطع طريق الوصول الى السلطة على المقاومة الإيرانية؛ غير أن الامر لن يفلح فابن الشاه "الصايع" في ملاهي أمريكا وباراتها ورقة محترقة على الرغم من كل الدعم الإعلامي المقدم له، إضافة الى تأييد البعض من المنتفعة من بقايا نظام أبيه في أمريكا.
يقولون تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وقد جاءت الرياح بالفعل بما لا تشتهيه أمريكا والكيان الصهيوني وخاصة عند الرهان على هكذا رميم، فالشعب الإيراني لن يقبل بابن الشاه بديلا لنظام الملالي على الرغم من القهر الذي يعيشه وهم يعلمون ذلك. فهو شعب عريق ومتمرس في النضال، ويدرك جيدا أن البدائل التي يفرضها هؤلاء ليست أقل سوءا من النظام القائم حتى وإن قدمت بعض المكتسبات المتواضعة. فالشعب الإيراني قد حسم أمره على إسقاط هذا النظام، والإتيان بحكومة وطنية ديمقراطية تضمن تحقيق طموحات كافة مكونات الشعب الإيراني كاملة غير منقوصة، ورفض أنصاف الحلول.
وتلك الأيام نداولها بين الناس، وتمر عصور الطواغيت على البشر للاعتبار، ولم يسبق أن سمعنا بأن عاد طاغوت ونظامه من مدفنه، وعليه فإن احتمال عودة ابن الشاه بنظام أبيه، أو استعادة عائلة بهلوي لامتيازاتها لتبقى محل شك داخل إيران وأمر بعيد المنال، فسجل نظام الشاه المخلوع مليء بالخيانة والعمالة، وقد حمل عار رتبة شرطي الخليج التي تقلدها الشاه في منطقة الشرق الاوسط وتوارثها الملالي من بعده، ويرى الشعب الايراني في عودة رضا بهلوي سفهٌ ومحاولة مثيرة للشفقة لاستعادة الماضي الذي لن يجلب له سوى الخيبة؛ الأمر الذي يجعل من عودة النظام الشاهنشاهي إمكانية غير قابلة للتحقيق.
فقد هذا العالم رصانته وحيائه بما يُقدِم عليه من عيث بابن الشاه، عبثٌ لن ينتج عنه سوى إعادة تمكين الملالي من كرسي السلطة، أما أن يأتي ابن الشاه الطاغية المخلوع ليحكم بعد أكثر من أربعة عقود من الظلم والاضطهاد على يد نظام الولي الفقيه الذي التزم بنهج الشاهنشاهية وبأبشع أنواع العنصرية فهو ليس من سخرية الاقدار فحسب، وإنما أيضا محاولة مختلة لضخ الحياة في ظلال باهتة لتاريخ مات، ولم يسبق أن أحيى العزيز الكريم رميم طواغيت.