أديب العيسي يكتب لـ(اليوم الثامن):

كيف يمكن للوفاق السياسي أن يعزز القضية الجنوبية؟

تواجه القضية الجنوبية  تحديات كبيرة ومعقدة، تعكس تطلعات الشعب الجنوبي نحو الاستقلال وإعادة بناء دولته، وفي هذا السياق تبرز الحاجة الملحة لتحقيق الوفاق السياسي بين مختلف القوى الجنوبية كأحد أهم العوامل الحاسمة لتحقيق النصر والاستقرار. 
إن الوحدة الداخلية والاتفاق السياسي الجنوبي لا مفر منهما لضمان تجاوز المرحلة الراهنة، إذ أن التفكك والخلافات الداخلية تهدد بتقويض جميع المكاسب التي تم تحقيقها حتى الآن.
يتضح من تاريخ الصراعات في العالم أن أي حركة أو قضية وطنية لا يمكن أن تحقق أهدافها إذا كانت القوى الداعمة لها منقسمة أو تعاني من صراعات داخلية. وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على الجنوب اليمني، الذي يواجه تحديات سياسية وأمنية واقتصادية متزايدة. 
إن تحقيق الوفاق السياسي بين مختلف الفصائل والأطراف الجنوبية هو الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه مستقبل مشرق للجنوب، حيث أن توحيد الجهود وتجاوز الخلافات يمكن أن يضمن تنسيقًا أكبر في مواجهة التحديات المشتركة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
إن غياب الوفاق السياسي الجنوبي يؤدي إلى عدة مشكلات قد تعرقل مسار التحرر الجنوبي فالانقسامات والصراعات بين الفصائل الجنوبية تضعف الجبهة الداخلية، ما يسهل على الخصوم استغلال هذه الثغرات وزرع الفتن وتفكيك القوى الوطنية.
وعند غياب وحدة الصف، تضعف قدرة الجنوب على فرض شروطه في المفاوضات السياسية والدبلوماسية، سواء مع الأطراف اليمنية أو القوى الدولية.
وبدلاً من التركيز على تطوير البنية التحتية وتحقيق التنمية الاقتصادية، تستهلك القوى الجنوبية طاقتها في النزاعات الداخلية، مما يؤخر جهود إعادة بناء الجنوب وتنمية موارده.
لا يمكن الحديث عن انتصار حقيقي للقضية الجنوبية بدون وفاق سياسي شامل يجمع كافة الأطراف. فالانتصار العسكري وحده لا يضمن الاستقرار ولا بناء دولة قادرة على الصمود في وجه التحديات المستقبلية.
إن النصر يتطلب أيضًا انتصارًا سياسيًا يتمثل في إقامة دولة مدنية مبنية على أسس العدالة والمساواة والتعددية، تضمن حقوق جميع أبناء الجنوب.
من أجل تحقيق الوفاق السياسي الجنوبي، لا بد من اتخاذ عدة خطوات أساسية، تبدأ بالحوار البناء كأساس تقوم عليه عملية المصالحة وتوحيد الجهود. على كافة الأطراف أن تكون مستعدة لفتح قنوات تواصل فعالة ومستمرة للتفاوض حول النقاط الخلافية.
إن إشراك جميع القوى السياسية الجنوبية في العملية السياسية بشكل عادل يضمن تمثيلًا متساويًا ويحمي من هيمنة فصيل معين على حساب آخر، كما يجب أن تكون مصلحة الجنوب العليا هي المعيار الرئيسي في اتخاذ القرارات السياسية، والابتعاد عن المصالح الشخصية أو الفئوية.
ولا بد من التركيز بشكل جدا على تعزيز دور المؤسسات الوطنية الجنوبية وضمان استقلاليتها وشفافيتها يساهم في تحقيق الوحدة السياسية ويمنع تكرار الصراعات الداخلية.
الوفاق السياسي الجنوبي ليس خيارًا يمكن تجاوزه أو تأجيله؛ بل هو ضرورة ملحة لتحقيق النصر الحقيقي والنهائي. بدون هذا الوفاق، سيبقى الجنوب عرضة للانقسامات والصراعات التي تعيق تقدمه وتؤثر على استقراره. وعلى جميع القوى الجنوبية أن تدرك أن الانتصار لا يتحقق إلا بتوحيد الصفوف والعمل المشترك، فالوحدة الداخلية هي الحصن الذي سيحمي الجنوب من التحديات المستقبلية ويضمن له مكانته المستحقة بين دول العالم.