د. خليل حسين يكتب:
من اتفاق الهدنة الى القرار 1701
حاز لبنان على عشرات القرارات الدولية، ويصل الى حدود المئات المتصلة بالوضع اللبناني ربطا بقضايا إقليمية أخرى عربية ام غبر عربية. وتكاد هذه القرارات بمعظمها تتصف بخصوصيات متماثلة، لجهة النوع والقوة القانونية التي ترتكز عليها عادة القرارات الدولية.
وبالنظر لوضع لبنان الجيوسياسي في منطقة تعج بالقضايا الملتهبة، علاوة على خصوصية أوضاعه الداخلية، لجهة التركيبة الاجتماعية والسياسية والديموغرافية، وآثارها الواضحة في علاقاته الخارجية، وتداخل الكثير من الفواعل الإقليمية والدولية في سياقات الواقع اللبناني، برزت بعض القرارات الدولية بطبيعة واهمية خاصتين، وبدأت تتردد وتتماهى مع الكثير من المناسبات والقضايا التي يمر بها لبنان، وبات بعضها الآخر بمثابة النصوص الدستورية التي ينبغي اتباعها وعدم الخروج عنها، رغم عدم ضرورة وصول هذه القرارات الى مستويات تجبر التعاطي فيها، كضرورة لازمة.
أولى هذه القرارات الأكثر حضورا في الحياة السياسية اللبنانية ذات الطابع الدولي، اتفاقية الهدنة اللبنانية الإسرائيلية الصادرة في آذار 1949 ضمن قرار دولي وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وهو كغيره من اتفاقيات الهدنة الموقعة بين بعض الدول العربية وإسرائيل، كسوريا والأردن ومصر بعد حرب العام 1948. وقد أسس هذا القرار لمسار وإطار طويل لطبيعة الواقع اللبناني في الصراع العربي الإسرائيلي وارتبط وضعه بالعديد من القرارات الصادرة عن مجلس الامن ذات الصلة. ورغم تغير وتبدل الكثير من الظروف التي رافقت صدوره آنذاك، ظل مرجعا رئيسا للربط والفصل في سياقات طرح حلول الازمة اللبنانية المتواصلة.
ظل هذا الواقع مقبولا الى حد بعيد خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وتغيرت أهمية التعاطي معه بتغير الظروف اللاحقة، ومن بينها دخول عمل المقاومة الفلسطينية من جنوب لبنان بعد حرب العام 1967 واتفاقية القاهرة 1969 الذي وضع اطارا لوجود المقاومة الفلسطينية في لبنان. ومع الواقع الجديد بدأت القرارات الدولية تصدر تباعا وبشكل مكثف نسبيا بعد العام 1970، وصولا الى العام 1978 الذي شكل تاريخا مفصليا مع القرار 425/1978 والقرار 426/1978 وهو يشكل في طبيعته اطارا تنفيذيا من الناحية المبدئية للأول، ذلك بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان وقيام إسرائيل بفرض شريط حدودي، استمر حتى العام 2000، والذي سبقه عدة اجتياحات إسرائيلية كان اكبرها نسبيا في العام 1972 الذي وصل الى مدينة صور والذي عاد وانسحب منها سريعا.
ومع اجتياح إسرائيل للبنان في العام 1982 وهو الاجتياح الاوسع والاضخم حيث وصلت لبيروت، حيث صدر العديد من القرارات أهمها 508 و509 و520، وهي قرارات دعت الى انسحاب إسرائيل وجميع القوى غير اللبنانية من لبنان، ومن بينها أيضا القوات السورية التي دخلت في اطار قوات الردع العربية في العام 1976 الى لبنان إضافة الى قوات المنظمات الفلسطينية التي تم سحب معظم قواتها العسكرية من لبنان الى تونس.
في العامين 1993 و1996 نفذت إسرائيل عمليتين عسكريتين واسعتين ضد لبنان، ما لبثت ان عادت الى حدود الشريط المحتل المنشئ في العام 1978 بعد صدور قرارات عن مجلس الامن متصلة بالأزمة، إضافة الى ما سمي آنذاك اتفاق نيسان 1996، وهو في إطار دولي تم التوافق عليه خارج نطاق مجلس الامن لكن كان برعاية دوله الدائمة، والذي نظم طبيعة ومدى العمليات العسكرية بجهة حماية المدنيين على جانبي الحدود بين لبنان وإسرائيل.
لقد شكل اغتيال الرئيس رفيق الحريري تحولا في الحياة السياسية اللبنانية وما يرتبط بها من ظروف وصراعات إقليمية ودولية، حيث صدر العديد من القرارات كان ابرزها 1595/2005، ولاحقا العديد من القرارات ذات الصلة بلبنان 1655/2006 والقرار 1680 و1697/2006، وصولا الى القرار 1701/2006، الذي شكل حجر الرحى في احاطة الواقع اللبناني، لاسيما التوصل لوقف اطلاق النار والعمليات العسكرية القائمة حاليا في لبنان.
في واقع الامر يشكل القرار 1701 مرجعا رئيسا للوضع القائم. الا ان إسرائيل المعنية الآخرى بتطبيقه والتي وصلت خروقاتها له الى اكثر من 33000 خرق منذ صدوره، وفي ظل الواقع القائم حاليا، ترفض تطبيقه وفقا للصيغة الصادرة فيه، وهي تسعى عبر الوسيط الأميركي اموس هوكشتاين الى محاولة تعديله عبر إضافة نصوص ذات طابع تنفيذي، وهو امر يرفضه لبنان، للعديد من الأسباب العملية والقانونية.
في المبدأ، ثمة مطالبة بإعادة صياغة القرار 1701 وللقرارات السابقة التي استند اليها، كالقرار 1595 و1680 وغيرهأ، وهي قرارات تم الاستناد عليها في بنية القرار. فمن الناحية القانونية هي تعتبر قرارات قائمة رغم نسخها قانونا بفعل الاستناد وحلول قرار جديد محلها أي القرار1701. ومن حيث الإجراءات القانونية، ثمة تجاوز في حالة السعي للتعديل. فالقرار الدولي لا يعدل قانونا الا من الجهة التي انشأته، وفي هذه الحالة يعتبر مجلس الامن هو من أصدره وينبغي ان يعمل على تنفيذه ولو عبر استعمال القوة رغم انه صدر وفقا للفصل السادس لا السابع الذي يلزم استعمال القوة في حال عدم التنفيذ، باعتبار ان الحالة القائمة حاليا تهدد الامن والسلم الدوليين.
غريب المفارقات، ان إسرائيل التي تسعى الى تعديل القرار 1701، للقبول بوقف إطلاق النهار، هي نفسها لم تلتزم به يوما، بل تعتبر الدولة الأكثر رعاية في الالتزام بالقرارات الدولية، حتى القرار الذي اتخذه مجلس الامن لقبولها عضوا في الأمم المتحدة، وضع شرط قبول إسرائيل بقرار التقسيم، وهي سابقة في الأمم المتحدة، تعليق شرط قبول العضوية على القبول بتنفيذ احد قرارات المجلس.