حميد قرمان يكتب:
السعودية تهيئ لمعركة دبلوماسية كبرى
عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجددا إلى البيت الأبيض، في ظل أوضاع عالمية معقدة، ومشاهد سياسية مبهمة مبعثرة وتصعيد عسكري. عودة تزامنت مع بدء دول وحكومات تحركات دبلوماسية استباقية بلغات سياسية ناعمة استعدادا لمرحلة قادمة سيكرس خلالها الرئيس “الجمهوري” رؤاه ويفرض بقوة أفكاره السياسية.
وفي ظل سعي دول العالم لتأمين مصالحها وكسب ود ترامب وإدارته، دعت المملكة العربية السعودية، تتويجا لرؤية سياسية استشرافية، إلى قمة عربية وإسلامية، صدر عنها بيان سياسي يقدم أرضية صلبة لإرساء قواعد الحل وفقا لمصالح المنطقة لإنهاء فوضى قامت بها ميليشيات وحركات ذات أجندات تتبع الفلك الإيراني، واستكملتها منظومة اليمين الإسرائيلي الحاكمة في تل أبيب.
خطوات المملكة المتسلسلة منذ بدء الحرب قبل عام ونيف، اندرجت تحت بند “إستراتيجية البناء السياسي التراكمي” التي يُبنى عليها لوقف التدهور الذي يقوده مجددا من جهة اليمين الحاكم الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، ومن جهة أخرى النظام الإيراني وأذرعه الميليشياوية في الشرق الأوسط، حيث بدأت بالمواقف السياسية المتوازنة، من خلال خطاب متماثل التفت حوله دول وحكومات رأت في السعودية المكانة والقدرة على إحلال السلام، ليبدأ تشكيل نواة عربية وإسلامية تحت مسمى اللجنة السداسية العربية التي خاضت بها المملكة تحركات دبلوماسية داخل أروقة مؤسسات الأمم المتحدة، وجولات إلى دول التأثير والنفوذ الدولي، ليسفر ذلك عن توسيع هذه النواة، ليكن تحالفا دوليا تحت عنوان عريض وكبير داعم لتحقيق حل الدولتين.
ما سبق، توجته القمة العربية والإسلامية قبل أيام معدودة ببيان سياسي يعكس موقفا دبلوماسيا تمهيديا؛ يحدد خيارات إدارة دونالد ترامب القادمة، ويحقق التوازن في تماهيها مع سياساتها الداعمة لدولة إسرائيل. موقف جامع للعديد من الدول العربية والإسلامية والأوروبية والآسيوية والأفريقية تطالب من خلاله بضرورة تحقيق استقرار بات أقرب اليوم في ظل رئيس أميركي قوي، أطلق حملته الانتخابية بشعارات ووعود قدرته على إنهاء الحروب وتحقيق السلام في العالم.
أوراق المملكة العربية السعودية الدبلوماسية، ستوضع على طاولة إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي لن يستطيع إدارة ظهره لمواقف المملكة أو تجاهلها، إدراكا منه بأن العلاقة مع الرياض تصب في التقاء، ومن ثم تعزيز للمصالح الإستراتيجية بينهما؛ كمكسب سياسي تحتاجه الولايات المتحدة في ملفات دولية أخرى، بحيث أن هذه العلاقة ستمنحه هامش مناورة سياسيا في ظل تعقيد قادم مع الصين وروسيا وإيران وحتى مع شركائه في القارة الأوروبية.
ترامب يحتاج اليوم حلفاء أقوياء كالسعودية لمواجهة خصومه، وهو ما سيعمل على ترتيبه بحسابات إدارته التي ستظهر معالمها قبيل يوم تنصيبه. لذلك تدرك الدبلوماسية السعودية امتلاكها لمفاتيح يحتاجها الرئيس ترامب في فترة رئاسته المقبلة على تغييرات سياسية على المسرح الدولي برمته لن يستطيع تحييد المملكة عن الانخراط والمشاركة في صنعها. فتهيأت المملكة لمعركة دبلوماسية كبرى متسلحة بأوراق سياسية جامعة وقوية تستطيع من خلالها تحصيل نقاط سياسية لتحقيق السلام والاستقرار في منطقة تنتظر سياسات ترامب الذي يقف أمام مفترق طرق، إما إنهاء الحرب أو ازدياد نيرانها لتحرقه قبل أن يستقر في البيت الأبيض.