ضياء قدور يكتب لـ(اليوم الثامن):

تصعيد الخطاب الإيراني: هل يعكس قلقاً على بقاء النظام؟

في الأسابيع الأخيرة، عبّر بعض من أئمة الجمعة والمسؤولين في إيران عن قلقهم بشأن مستقبل البلاد والوضع الحالي لها. وتجلت هذه المخاوف بشكل خاص في أعقاب التحولات الداخلية والخارجية للبلاد، وكذلك ردًا على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتزايدة. تشير تصريحات هؤلاء المسؤولين وأئمة الجمعة بوضوح إلى أن إيران على أعتاب فترة معقدة وحساسة.

أحد هذه التصريحات هو كلام أحمد علم الهدى، إمام جمعة مشهد، الذي أشار في خطبته الأخيرة إلى المفاوضات النووية والتجارب السابقة في إطار الاتفاق النووي (برجام). قال علم الهدى: «ألم نتفاوض بشأن الاتفاق النووي؟ ماذا كانت النتيجة؟... كل دولة دخلت في المفاوضات أصبحت تعيسة، أسيرة، والولايات المتحدة سيطرت عليها»، معبّرًا عن قلقه من استمرار المفاوضات النووية ومن احتمالية فشل دول أخرى في مواجهة الهيمنة الأمريكية. هذه الكلمات تشير بشكل مباشر إلى معارضة أي نوع من التفاعل أو التفاوض الجديد مع الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة. هذه المخاوف تعكس فقدان استقلالية البلاد وسيطرة القوى الخارجية على المسارات الداخلية لإيران.

وفي السياق ذاته، عبر سيد حسن خميني، حفيد الخميني، عن قلقه بشأن مستقبل جمهورية إيران الإسلامية ونجاحها أو فشلها في مسار التحولات السياسية والاجتماعية. وأوضح في لقاء مع المحافظين قائلًا: «ما يثير القلق هو أن جمهورية إيران الإسلامية قد تفشل... كنا في السابق نواجه الطاغوت... والآن، بعد أن تحققت أركان الجمهورية الإسلامية، ربما لا نستطيع أن نجعل محتواها إسلاميًا». هذا التصريح يعتبر بمثابة تحذير للسلطات الإيرانية من التهديدات الداخلية والخارجية التي قد تحول دون تحقيق أهداف الجمهورية الإسلامية وتؤدي إلى انحرافها عن مسارها.

وفي نفس السياق، حذر محمد علي موحدي كرمكاني، إمام الجمعة المؤقت في طهران، من أن الاتفاق النووي مع القوى الكبرى (برجام) لا يعني المصالحة مع الولايات المتحدة. وأكد على أن «هذا الاتفاق لا يعني المصالحة مع أمريكا»، محذرًا من أولئك الذين يسعون لفتح الطريق للتسلل الأمريكي إلى إيران. وهو يعبر عن قلقه من قبول الهيمنة الأمريكية والغربية في العمليات السياسية والاقتصادية للبلاد. هذه التصريحات تمثل تأكيدًا على ضرورة المقاومة ضد الضغوط الخارجية وضرورة الحفاظ على استقلال البلاد من أي تدخل خارجي.

أما سيد أحمد خاتمي، إمام الجمعة المؤقت في طهران، فقد أدلى بتصريحات حادة ضد دعم الولايات المتحدة لنظام الاحتلال الإسرائيلي، حيث قال: «الأشخاص الذين يطهرون أمريكا في الداخل، هم شركاء في جميع جرائم إسرائيل وأمريكا». هذه التصريحات لا تهاجم السياسات الخارجية الأمريكية والإسرائيلية فحسب، بل تشير أيضًا إلى قلق كبير من هذا المسؤول الإيراني بشأن التوجهات الداخلية في البلاد، لا سيما أولئك الذين يسعون لتحسين العلاقات مع الغرب. خاتمي يؤكد أن أي تغيير في هذه السياسات يعني دعمًا للكيان الصهيوني وللمصالح الأمريكية.

وفي نفس السياق، نقل سيد يوسف طباطبائي نژاد، إمام جمعة أصفهان، عن أحد أقاربه قائلاً: «أحد أقاربنا ركب سيارة أجرة، وقال له السائق: لدي خبر سيسعدك، وعندما سأل عن الخبر، قال السائق: في عيد النوروز المقبل، عندما تجلس إلى مائدة هفت سين، هذا النظام لن يكون موجودًا». هذا التصريح، الذي يعكس استياء الناس واحتجاجهم على الوضع الحالي، يعبر عن مشاعر الغضب والتطلع لتغيير جذري في البلاد. هذه التصريحات، التي نقلها الناس العاديون، تشير إلى زيادة انعدام الثقة العام في الحكومة، خاصة فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد.

يمكن تفسير هذه التصريحات والقلق الذي أبداه المسؤولون الإيرانيون وأئمة الجمعة على أنه علامة على عدم اليقين بشأن مستقبل النظام والسياسات الحالية في إيران. هذه المخاوف، التي تنبع في الغالب من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في البلاد، والمشاكل السياسية الداخلية، والتحولات الدولية، تعكس الانقسامات والتحديات التي قد يواجهها النظام الإيراني في المستقبل القريب.

التحليل السياسي:

تعكس هذه التصريحات انقسامًا عميقًا داخل النظام الإيراني. من جهة، يتحدث المسؤولون الدينيون والسياسيون مثل أئمة الجمعة عن التهديدات الداخلية والخارجية، مؤكدين على ضرورة الحفاظ على استقلال البلاد والمقاومة ضد الضغوط الخارجية. من جهة أخرى، يعبر بعض هؤلاء المسؤولين عن قلقهم من الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد وآثاره المستقبلية على النظام.

يبدو أن النظام الإيراني يمر في فترة حساسة ومعقدة، حيث أن استمرارية السياسات الداخلية والخارجية قد تخلق انقسامات اجتماعية وسياسية عميقة. في نفس الوقت، يمكن أن تتحول الضغوط الاقتصادية والعقوبات إلى تحديات حقيقية للحكومة، بالإضافة إلى تزايد عدم الرضا الشعبي عن الوضع القائم. في مثل هذه الظروف، تعكس هذه المخاوف التي ظهرت في تصريحات المسؤولين الإيرانيين احتمال عدم القدرة على السيطرة على الأزمات الداخلية والخارجية. قد تكون هذه بداية لتغيرات في سياسات النظام الإيراني تتطلب إعادة تقييم استراتيجياتها الداخلية والخارجية.