ضياء قدور يكتب لـ(اليوم الثامن):
أزمة بقاء النظام الإيراني.. مظاهرات 8 فبراير ومستقبل مجهول في ظل التحولات الإقليمية
بينما يواجه النظام الإيراني واحدة من أكبر أزماته الوجودية، يستعد الآلاف من الإيرانيين للتجمع في باريس يوم السبت 8 فبراير 2025، للتعبير عن مطلبهم بتغيير النظام ودعمهم للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (NCRI)، باعتباره البديل الديمقراطي الوحيد للنظام الحاكم في إيران. هذه المظاهرة تمثل تأكيدًا على الرفض الشعبي لأي شكل من أشكال الديكتاتورية، سواء كانت دينية أو ملكية.
يأتي هذا التجمع في ظل تراجع النظام الإيراني إقليميًا ودوليًا، خاصة بعد سقوط بشار الأسد والانهيارات المتتالية التي تعرض لها مشروع طهران في تأجيج الحروب بالوكالة. هذه التطورات وضعت النظام في أضعف حالاته خلال العقود الأخيرة، مما دفعه إلى تكثيف القمع الداخلي لمنع أي انتفاضات شعبية، بالتوازي مع تسريع برنامجه النووي كوسيلة للبقاء. ومع ذلك، فإن سقوط الديكتاتور السوري يعد مؤشرًا قويًا على أن مصير نظام الملالي لن يكون مختلفًا.
خيارات خامنئي للحفاظ على النظام
يجد النظام الإيراني نفسه أمام خيارين رئيسيين:
- التفاوض مع الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة: يمكن أن يؤدي هذا المسار إلى تقديم تنازلات بشأن البرنامج النووي وتقليص الدعم للجماعات المسلحة، مقابل تخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية.
- التصعيد والمواجهة: من خلال استمرار السياسات العدائية، وتعزيز القوى التابعة له في المنطقة، وتسريع برنامجه النووي لانتزاع تنازلات أكبر من الغرب.
يعتقد بعض المسؤولين في طهران، ومنهم خامنئي نفسه، أن الولايات المتحدة غير مستعدة لخوض مواجهة عسكرية مع إيران، وبالتالي ستسعى إلى التفاوض في نهاية المطاف. لكن هل لا تزال هذه الاستراتيجية ناجحة؟
حقائق جديدة تحد من قدرة النظام على المناورة
على عكس السنوات السابقة، يجد النظام الإيراني نفسه في وضع أكثر هشاشة، حيث لم تعد التكتيكات الدبلوماسية كافية للخروج من المأزق. من أبرز العوامل التي تقيّد خياراته:
- انكشاف دور إيران في دعم الإرهاب إقليميًا ودوليًا.
- تراجع نفوذها الإقليمي، ولا سيما بعد الانسحاب التدريجي لقواتها من سوريا.
- الضغوط المتزايدة على البرنامج النووي، مع احتمال تفعيل آلية "سناب باك" في أكتوبر 2025، مما قد يؤدي إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة.
- تزايد الاحتجاجات الشعبية ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
الانقسامات الداخلية حول مسألة التفاوض
لم يعد الجدل الداخلي في إيران محصورًا بين "الإصلاحيين" و"المتشددين"، بل بات يعكس صراعًا وجوديًا داخل أركان النظام نفسه. هناك فريق يرى أن التقارب مع الغرب قد يساعد في تأمين استمرار النظام، بينما يعتبر فريق آخر أن التنازل في هذه المرحلة سيؤدي إلى انهيار متسارع للنظام، حيث سيُنظر إليه كضعفٍ يدفع الغرب والشعب الإيراني إلى المزيد من الضغوط لإسقاطه.
هل يمكن مقارنة إيران بالصين؟
يستشهد مؤيدو التفاوض بتجربة الصين، التي تمكنت من تعزيز علاقاتها مع الغرب دون تغيير نظامها السياسي. لكن هذه المقارنة غير واقعية، لأن:
- الصين كانت قوة اقتصادية وعسكرية صاعدة، في حين أن إيران تعاني من أزمات مالية حادة وانهيار اقتصادي متفاقم.
- الوضع الدولي تغيّر، ولم يعد العالم مستعدًا لقبول إيران نووية.
- النظام الإيراني يواجه معارضة داخلية منظمة وانتفاضات شعبية متصاعدة، مما يجعله أكثر هشاشة.
سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه إيران
الإدارة الأمريكية الجديدة تتبنى مقاربة متعددة الأوجه في التعامل مع النظام الإيراني:
- هناك تيار داخل واشنطن يدعو إلى الحوار والدبلوماسية، معتقدًا أن العقوبات الاقتصادية كفيلة بإجبار طهران على تقديم تنازلات.
- على الجانب الآخر، هناك تيار يطالب بتشديد الضغوط والمواجهة المباشرة، مؤكدًا أن النظام لن يتراجع إلا تحت ضغط حقيقي وحاسم.
العقبات التي تعترض خامنئي في التفاوض
إذا قرر خامنئي الدخول في مفاوضات مع الغرب، فسيواجه تحديات كبرى، أبرزها:
- النظام في أضعف حالاته تاريخيًا، مما يضعف موقفه التفاوضي.
- التخلي عن المشروع النووي يعني خسارة أحد أهم أوراق الضغط الاستراتيجية للنظام.
- تقديم تنازلات في المفاوضات قد يعمّق الخلافات الداخلية ويُضعف قبضته على الحكم.
- هناك خطر تفكك الأجهزة الأمنية إذا شعر قادة الحرس الثوري بأن النظام بات على وشك الانهيار.
- اقتراب موعد اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مارس 2025، الذي قد يدفع نحو تفعيل آلية العقوبات الدولية.
- انتهاء العمل بقرار مجلس الأمن رقم 2231 في أكتوبر 2025، مما يمنح الدول الأوروبية القدرة على إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران.
دور مظاهرات 8 فبراير في تغيير المعادلة
تأتي مظاهرات 8 فبراير في باريس في توقيت حساس، حيث تشكّل رسالة قوية للمجتمع الدولي بأن الشعب الإيراني يرفض النظام ويسعى إلى التغيير. إن مشاركة ممثلين عن الجاليات الإيرانية من مختلف المدن الفرنسية في هذه التظاهرة تعكس تزايد الدعم الشعبي للحل الديمقراطي، بعيدًا عن حكم الملالي أو عودة النظام الملكي. كما أن هذه التظاهرة تؤكد أهمية الدعم الدولي للحراك الشعبي داخل إيران، لا سيما في ظل تصاعد الاحتجاجات ضد الفقر والفساد والقمع.
خاتمة: هل يمكن للنظام تجاوز أزمته؟
مع سقوط بشار الأسد، بدأ النظام الإيراني يفقد إحدى أهم ركائز نفوذه الإقليمي، مما يعزز التوقعات بأن نهاية حكم الملالي باتت وشيكة. في ظل هذا الواقع، يواجه النظام طريقًا مسدودًا:
- إذا تفاوض مع الغرب، فسيضطر إلى تقديم تنازلات مؤلمة تهدد بقاءه.
- إذا رفض التفاوض، فسيواجه مزيدًا من العزلة والعقوبات والانهيار الاقتصادي.
لكن بغض النظر عن الخيارات التي سيتخذها النظام، فإن مستقبل إيران لن تحدده المفاوضات مع واشنطن، بل الانتفاضات الشعبية داخل البلاد. إن مظاهرات 8 فبراير في باريس ليست سوى دليل إضافي على أن الإيرانيين قرروا إنهاء حكم الملالي، وأن ساعة التغيير قد اقتربت.