د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

إيران بين الثورة والنظام.. ذكرى فبراير ومسار الشعب نحو التغيير

هل تُسقِط الثورة الوطنية الإيرانية ثورة فبراير عام 1979 التي لا تزال قائمة إلى اليوم؛ هل تسقط دكتاتورية ولاية الفقيه ورأسها ونظامها كما أسقطت دكتاتورية الشاه في حينها...؟

قد تقلب إرادة الشعوب الطاولة على رؤوسهم ومن خلفهم وتذهب بمخططاتهم أدراج الرياح في لحظات..  

يحتفل الشعب الإيراني ومعه أحرار العالم بذكرى ثورته المجيدة التي أطاحت بدكتاتورية الشاه وشرطي الغرب في المنطقة، ولقد كانت الثورة الوطنية الإيرانية ثورة فبراير شباط 1979 من أعظم الأحداث التي شهدها التاريخ الإيراني المعاصر بعد الثورة الدستورية إذ كانت هذه الثورة امتدادا واصلاحا لمسار الثورة الدستورية، وجسدت تلك الثورة إرادة جميع الإيرانيين على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم وكانت أمل خلاصٍ لهم لولا تآمر الغرب وقواه الرجعية على الشعب الإيراني وثورته والإصرار على أن يبقى للغرب شرطيا في إيران ولا فرق في ذلك عندهم إن كان الشاه هو الشرطي أو أن يتم استبداله بـ "مُلا" من خلال سرقة الثورة وتسميتها بالثورة الإسلامية والعبث بمشاعر المواطنين والاحتيال عليهم، وجاءت الطائرة الفرنسية بالشاه المعمم ليكون خليفة للدكتاتورية الشاهنشاهية وبنفس النهج مع اختلاف الشعارات والملابس لتدخل إيران المعاصرة في أحلك مراحلها ظلاما ودموية بقيام نظام الملالي الثيوقراطي الذي يحكم إيران منذ عام 1979، وكان الدم والعنف والاستبداد وسيلتهم لضمان استمرار حكمهم؛ حكموا بإسم الإسلام والشيعة فشوهوا الإسلام والمذهب الجعفري وعززوا الرذيلة وطغى على حكمهم الفساد والخروج كأن لم يكونوا على ملة الإسلام أبدا، ولم يسلم من بطشهم ووحشيتهم عرقاً ولا ديناً ولا طائفةً، وكان الشيعة من أكثر ضحاياهم، ولما امتد وبائهم إلى لبنان والعراق كان الشيعة الخُلص من أكثر ضحاياهم وأشدهم بؤساً. 

يحيي الشعب الإيراني ومقاومته هذه الأيام الذكرى السنوية للثورة الوطنية الإيرانية التي سلبها الملالي وأسسوا نظام حكمهم على إثرها بدعم من قوى الاسترضاء والمهادنة الغربية التي لا تزال تواظب على دعمها لنظام الملالي على الرغم من افتضاح التوافق بين الطرفين وإعلان الملالي مرارا وتكرارا بأنهم يروضون قوى الاستكبار وفق رؤيتهم، وتصريح الملالي بهذه المنطق صحيح فهم بالفعل وبشكل أو بآخر يتبعون سياسة المساومة والابتزاز مع الغرب إلى حد خروج الأخير عن عما يدعيه من شعارات غير مكترثٍ بقضاء أو تشريع أو ما يدعيه من قيم حضارية...

قرابة 46 سنة من الجحيم عاشها ويعيشها الشعب الإيراني تحت حكم نظام ولاية الفقيه كانت كافية لكشف كافة ألاعيب ومكر هذا النظام ومعرفة من يقف ورائه، ومن هذا المنطلق حدد الشعب الإيراني خياراته ووقف مع مقاومته ووحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق ليحقق أهدافه بنفسه وينال حريته ويقيم جمهوريته الحقيقية وفق قيم الديمقراطية والعدل والمساواة واحترام حقوق الجميع وفقا لبرنامج المواد العشر الذي تبنته السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لقيادة المرحلة الانتقالية بعد سقوط مشروع الملالي في إيران والمنطقة.

لم يكن نظام الملالي الحاكم في إيران بتلك القوة التي يصعب الإطاحة بها نظراً لطبيعتهم وطريقة إدارتهم للبلاد لكن دعم الغرب لهم مكنهم من الاستمرار في السلطة رغم طابعهم الدموي وحملات الاعدامات المستمرة والانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان؛ إلا أن الغرب كان أكثر منهم وقاحة بتغاضيه عن جرائمهم رغم عدم إنكارهم لتلك الجرائم، ولم يكتفي الغرب بذلك فقدم العراق على طبق من ذهب لملالي إيران ليعززوا بأموال العراق قدراتهم التسليحية وتشكيلاتهم العصابية وتطوير برنامجهم النووي والصاروخي لمساومة وابتزاز وتركيع المنطقة بما يشتهي الغرب ويأمل، وقد كان العراق منذ احتلاله في عام 2003 وحتى اليوم مخرجا للملالي من أزماتهم ووسيلة للتحايل على العقوبات الدولية المفروضة عليهم وبعلم القوى الغربية التي تندد وتهدد وتتوعد ويتعالى صوتها بشأن برنامج الملالي النووي وقدراته التسليحية.

نعلم مدى أهمية نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران بالنسبة للغرب في المنطقة، ولولاه ما كان يمكن هدم غزة على رؤوس أهلها والسعي اليوم لتفريغها من سكانها لتستقر سلطات الاحتلال في فلسطين، وتكون مستعمرة أمريكية يتم تحويلها إلى ميناء كبير ومنطقة عالمية حرة، وتموت القضية الفلسطينية وتصبح فلسطين طي النسيان.. ومن هنا كيف يمكن للغرب أن ينسى أو يتجاهل أهمية ملالي إيران وما قدموه من هدايا للمحتل أولا وللغرب ثانيا، أو أهمية وجود الملالي في إدارة الصراعات الإقليمية وفرض أتاوات على دول المنطقة، وهنا لا علاقة للغرب بمحن وكوارث الشعب الإيراني وشعوب المنطقة لطالما الأمر لا يتعلق بهم ولا بمصالحهم..؛ لكن ما لا يدركه الغرب هو إرادة الشعوب التي قد تقلب الطاولة على رؤوسهم وتذهب بمخططاتهم أدراج الرياح في لحظات كما فعلتها في سوريا بعد سنوات من الجحيم وتستر الغرب؛ هذا ما يجب أن يدركه المجتمع الدولي بقيادة الغرب ويتماشى معه فالقادم في إيران والمنطقة سترسمه إرادة الشعوب.

تُرى هل يقف المجتمع الدولي الذي يصرخ من البرنامج النووي لملالي إيران إلى جانب الشعب الإيراني ويعترف بحقه وحق وحدات المقاومة في مواجهة النظام وقواه القمعية...؟ وهل هناك خلاف فعلا بين المجتمع الدولي ونظام الملالي يقوده إلى ضرورة إسناد الشعب الإيراني في مسعاه لإسقاط الدكتاتورية في إيران وتغيير النظام، وهذا ما يجب أن يقدمه العالم اليوم للشعب الإيراني في ذكرى ثورته، ولن يكون هناك خيارا سوى مجابهة النار بالنار وهذا حق مشروع على الغرب أن يعترف به تاركا أساليب التحايل والمناورة التي يدعم بها نظام الملالي بشكل مباشر أو غير مباشر.. وغدا سيحتفل الشعب الإيراني بثورته وسينتصر على الطغاة ويتلقى العزاء في دكتاتورية ولاية الفقيه.

د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي