د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
مواقع سرية تكشف خرق طهران للاتفاقيات الدولية!
ماذا وراء السياسة غير الشفافة المُتبعة مع نظام الملالي الحاكم في إيران المتعلقة بالملف النووي؟
قد يكون مشروع نظام الملالي النووي مشروعا خطيرا وملفاً شائكاً بالنسبة لدول منطقة الشرق الأوسط لكنه ليس كذلك بالنسبة للنظام العالمي الذي سمح وسهل وصول برنامج الملالي النووي إلى ما هو عليه اليوم، كذلك لا يمثل هذا المشروع خطورة على الدول غير العربية المجاورة لإيران التي لا يتجرأ ملالي إيران على التطاول عليها، ووفقاً لذلك يجب أن يختلف التعاطي مع الملف النووي للملالي من منطقة لأخرى، وعلى العرب ألا يتعاطوا مع هذا الملف وفقاً للطريقة التي يتعاطى بها النظام العالمي معه فببساطة لا يهدد هذا المشروع أحدا غير العرب.
تثير السياسة غير الشفافة التي يتبعها المجتمع الدولي، وخاصة بعض القوى الكبرى، تجاه النظام الإيراني في ملفه النووي؛ تساؤلات عميقة حول الأسباب الكامنة وراء هذا النهج. فبدلًا من اتخاذ مواقف حازمة وواضحة، نجد أن التعامل مع إيران يتميز بالغموض والتردد، مما يفتح الباب أمام تفسيرات متعددة. فما هي الأسباب الحقيقية وراء هذه السياسة غير الشفافة؟ وما هي التداعيات المحتملة لهذا النهج؟
المقاومة الإيرانية تفجّر فضيحة نووية مدوية:
في مؤتمر صحفي عقده المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم الجمعة 31 يناير 2025 كشفت السيدة سونا صمصامي، ممثلة المجلس في الولايات المتحدة، إلى جانب السيد علي رضا جعفر زاده، نائب ممثل المجلس، عن معلومات وصفت بـ"الخطيرة والموثوقة" تتعلق بالبرنامج النووي السري للنظام الإيراني. وأكد المسؤولان أن النظام الإيراني لم يتخلّ أبدًا عن طموحاته النووية، بل يعمل بسرية تامة على تطوير تقنيات نووية متقدمة، في انتهاك واضح وصريح للاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها الاتفاق النووي لعام 2015.
أوضحت سونا صمصامي خلال كلمتها في المؤتمر أن الأدلة التي حصلت عليها المقاومة الإيرانية من داخل إيران تُظهر أن النظام يواصل عملياته النووية بعيدًا عن أعين المجتمع الدولي، متجاوزًا كافة القيود التي فُرضت عليه. وأشارت إلى أن الهدف الحقيقي لهذا البرنامج ليس فقط تعزيز قدرات إيران النووية، بل إنتاج أسلحة نووية يمكن استخدامها في أي مواجهة مستقبلية مع الغرب أو دول المنطقة.
مواقع نووية سرية غير خاضعة للرقابة الدولية
من جانبه، كشف علي رضا جعفر زاده عن مواقع سرية لم يعلن عنها النظام الإيراني، مؤكدًا أن هذه المنشآت تُدار من قبل الحرس الثوري الإيراني وتعمل بسرية كاملة لضمان عدم اكتشافها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن بين هذه المواقع:
- منشأة سرية في منطقة "سقز" بمحافظة كردستان: هذه المنشأة تقع تحت الأرض وتم تجهيزها بأحدث المعدات الخاصة بتخصيب اليورانيوم. وفقًا للمصادر الداخلية، فإن الموقع يستخدم أجهزة طرد مركزي متطورة من طراز IR-6 وIR-9، والتي تتمتع بقدرة أعلى على تخصيب اليورانيوم مقارنة بالأجهزة القديمة.
- موقع في "أبردة" قرب مدينة شيراز: وهو مركز أبحاث نووي متقدم يتم فيه اختبار وقود نووي جديد يمكن استخدامه في صنع رؤوس حربية نووية صغيرة الحجم، مما يسمح بتحميلها على صواريخ باليستية.
- موقع في "سرخة حصار" بالقرب من طهران: يعد هذا الموقع واحدًا من أكثر المنشآت سرية، حيث يتم فيه تطوير أنظمة التفجير الضرورية لتصنيع سلاح نووي. وتؤكد المعلومات الواردة أن العلماء العاملين في هذا الموقع على صلة وثيقة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، ما يشير إلى نية طهران في تسليح هذه الصواريخ برؤوس نووية مستقبلاً.
تكتيكات التمويه والمراوغة التي يتبعها النظام الإيراني
وفقًا لما أكده جعفر زاده، فإن إيران تستخدم عدة وسائل للتحايل على المجتمع الدولي وإخفاء برنامجها النووي، ومن بين هذه الوسائل:
- نقل المعدات بين المواقع: حيث يتم نقل أجهزة الطرد المركزي والمواد النووية بين المنشآت المختلفة كل بضعة أشهر، مما يجعل من الصعب على المفتشين الدوليين تحديد الأماكن الدقيقة التي تجري فيها عمليات التخصيب.
- بناء منشآت تحت الأرض: حيث يتم إنشاء مختبرات سرية على عمق كبير تحت الأرض، مما يجعل من الصعب اكتشافها عبر الأقمار الصناعية أو من خلال عمليات التفتيش التقليدية.
- إخفاء العلماء النوويين: فقد قامت إيران خلال السنوات الأخيرة بعزل بعض العلماء العاملين في البرنامج النووي في مواقع سرية، حيث يُمنعون من الاتصال بالعالم الخارجي، لتجنب أي تسريبات معلوماتية.
- إصدار معلومات مضللة للوكالة الدولية للطاقة الذرية: يقوم النظام بتقديم بيانات زائفة حول حجم المواد النووية المخزنة وطبيعة الأبحاث الجارية، بينما تُجرى العمليات الفعلية في مواقع غير مصرح بها.
تحذير من خطورة استمرار البرنامج النووي الإيراني
أكد المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية خلال المؤتمر الصحفي أن النظام الإيراني يستخدم برنامجه النووي كأداة للابتزاز السياسي والضغط على المجتمع الدولي. فبدلاً من الالتزام بالمعاهدات الدولية، يواصل ملالي طهران تهديد الاستقرار العالمي عبر تطوير أسلحة دمار شامل يمكن استخدامها في أي لحظة.
وحذرت سونا صمصامي من أن التساهل مع النظام الإيراني قد يؤدي إلى كارثة، حيث أن امتلاك هذا النظام لسلاح نووي يعني تهديدًا مباشرًا للمنطقة والعالم، خاصة في ظل دعم طهران المستمر للجماعات الإرهابية والمليشيات المسلحة في الشرق الأوسط، وشددت صمصامي على أن الحل الوحيد لوقف هذا التهديد هو إعادة فرض عقوبات صارمة على النظام الإيراني، إلى جانب تشديد الرقابة الدولية على جميع منشآته النووية، بما في ذلك المواقع غير المعلنة.
دعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة
في ختام المؤتمر، دعا المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية إلى اتخاذ إجراءات فورية لمواجهة هذه التهديدات، من بينها:
- إعادة تفعيل العقوبات الدولية المفروضة على إيران، خاصة تلك المتعلقة بالبرنامج النووي والصاروخي.
- توسيع صلاحيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتمكينها من إجراء عمليات تفتيش مفاجئة دون قيود.
- وقف كافة أشكال التعاون التقني أو الاقتصادي مع النظام الإيراني في المجالات التي قد تساهم في تعزيز برنامجه النووي.
- دعم الشعب الإيراني في نضاله ضد النظام الحاكم، باعتبار أن التغيير الديمقراطي في إيران هو السبيل الوحيد لإنهاء هذه التهديدات.
مفاجآت محتملة؛ ماذا يمكن أن يحدث؟
إذا استمرت سياسة المهادنة، فقد تنتهي بمفاجآت غير سارة للجميع. فمن المحتمل أن تقترب إيران من عتبة امتلاك السلاح النووي، مما قد يدفع دولًا إقليمية، مثل السعودية وتركيا، إلى السعي لامتلاك أسلحة نووية أيضًا، في سيناريو يشبه سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط. كما أن تصاعد التوترات قد يؤدي إلى مواجهات عسكرية مباشرة، خاصة مع إسرائيل التي تعتبر البرنامج النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا لها. وقد شهدنا بالفعل هجمات على منشآت نووية إيرانية، مثل الهجوم على منشأة نطنز ذلك الذي نُسب لإسرائيل.
يبقى الملف النووي الإيراني قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، وفي هذا الإطار لا تبدو سياسة المهادنة وسيلة لتجنب الصراع كما يدعي البعض وإنما هي المسبب في إدامة الصراع، وقد تؤدي في النهاية إلى مفاجآت غير محمودة العواقب. فالتوصل إلى حل دائم يتطلب إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف، ومراعاة مصالح الشعوب في المنطقة، وليس فقط المصالح السياسية والاستراتيجية للدول الكبرى.
في النهاية ونتيجة لسياسة المهادنة والاسترضاء القائمة قد تكون المفاجأة الأكبر، وهي أن يجد العالم نفسه أمام خيارات صعبة: إما التعايش مع إيران نووية وغير منضبطة، أو الدخول في مواجهة قد تكون نتائجها كارثية على الجميع.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي