عبدالرحمن الخضر يكتب لـ(اليوم الثامن):

تحالف السلام.. السعودية والإمارات في مواجهة التحديات

تتبوأ المملكة العربية السعودية اليوم موقعاً متميزاً على الساحة الدولية، حيث أثبتت الأحداث أنها ليست مجرد لاعب إقليمي فاعل، بل قوة دولية ذات تأثير عميق في صياغة التوازنات العالمية. لقد أصبحت الرياض، عاصمة المملكة، مركزاً لصناعة القرار، ومحطة تجمع بين القوى العظمى، وجسراً للتواصل يعزز الاستقرار العالمي. في هذا السياق، يمكننا تحليل الدور السعودي كـ "رقم صعب" في المعادلة الدولية، وكيف أسهمت رؤيتها الاستراتيجية في تعزيز السلام العالمي، مع التركيز على الإنجازات الأخيرة وتطلعات المستقبل، بالإضافة إلى الدور المساند لدولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز هذه الجهود.

 

منذ تأسيسها، سعت المملكة العربية السعودية إلى ترسيخ مكانتها كمرجعية سياسية واقتصادية في المنطقة العربية والإسلامية. ومع تطور الظروف الدولية، وتسارع وتيرة الأزمات العالمية، برزت المملكة كقوة لا يمكن تجاهلها، سواء بفضل موقعها الجيوسياسي المميز، أو بسبب مواردها الاقتصادية الهائلة، أو من خلال رؤيتها السياسية المتوازنة التي تجمع بين القوة والدبلوماسية. إن هذا المزيج جعل من السعودية شريكاً موثوقاً للدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، روسيا، والصين، فضلاً عن كونها صوتاً قوياً في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين.

ما يميز المملكة هو قدرتها على التكيف مع التحولات الدولية، حيث استطاعت أن تحول التحديات إلى فرص. ففي وقت كانت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا تشهد توتراً غير مسبوق بسبب الأزمة الأوكرانية، استطاعت الرياض أن تلعب دور الوسيط المحايد، مما عزز من مكانتها كـ "رقم صعب" يصعب على أي طرف تجاوزه في الحسابات السياسية.

 

إن الإنجاز التاريخي الذي تحقق بتوسط المملكة للتقريب بين واشنطن وموسكو يعد شاهداً على الدور السعودي الريادي. فقد كانت العلاقات بين القوتين العظميين على حافة الهاوية، مع تصاعد التوترات في أوكرانيا وتبادل التهديدات التي أثارت مخاوف من حرب عالمية ثالثة. لكن المملكة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، استطاعت أن تبادر بجهود دبلوماسية مكثفة أثمرت عن لقاء تاريخي في الرياض. هذا اللقاء لم يكن مجرد حدث عابر، بل نقطة تحول أعادت التوازن إلى النظام الدولي، حيث تم الاتفاق على حلول مرحلية للأزمة الأوكرانية، مما خفف من حدة الصراع وأعاد الأمل في استقرار الأسواق العالمية والأمن الدولي.

يعود نجاح هذه الوساطة إلى عدة عوامل. أولاً، المصداقية التي تتمتع بها المملكة كدولة تحترم التزاماتها وتسعى لتحقيق المصالح المشتركة. ثانياً، رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد، والتي جعلت من السعودية مركزاً اقتصادياً وسياسياً عالمياً، مما عزز من قدرتها على التأثير في القرارات الدولية. ثالثاً، العلاقات المتوازنة التي تربط المملكة بكل من الولايات المتحدة وروسيا، حيث تمتلك الرياض قنوات اتصال مفتوحة مع الطرفين، مما جعلها الوسيط المثالي.

 

إن التزام المملكة بتعزيز السلام العالمي ليس وليد اللحظة، بل هو جزء من رؤيتها الاستراتيجية التي ترى في الاستقرار الدولي ضماناً للتنمية والازدهار. فمن خلال جهودها في حل الأزمة الأوكرانية، أكدت المملكة أن السلام ليس مجرد شعار، بل خيار عملي يتطلب مبادرات جريئة وحلولاً مبتكرة. وقد أشار المراقبون إلى أن هذا الإنجاز قد يكون بداية لمعالجة قضايا أخرى عالقة، أبرزها القضية الفلسطينية، التي لطالما كانت في صلب اهتمامات المملكة.

في هذا السياق، يمكن القول إن المملكة تسعى إلى بناء نموذج جديد للعلاقات الدولية يقوم على الحوار والتعاون بدلاً من الصراع والمواجهة. وهذا ما يجعلها داعماً رئيسياً للسلام العالمي، حيث تؤمن بأن استقرار المنطقة والعالم لا يتحقق إلا بحل القضايا العادلة، وعلى رأسها إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.

 

لا يمكن الحديث عن الدور السعودي في حل قضايا المنطقة دون الإشارة إلى الشراكة الاستراتيجية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تلعب أبوظبي من خلالها دوراً مسانداً وداعماً لجهود الرياض. فقد أثبتت الإمارات، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أنها حليف موثوق يشارك المملكة رؤيتها في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي. ويبرز هذا الدور بشكل خاص في معالجة الأزمة اليمنية، حيث تعمل الإمارات جنباً إلى جنب مع السعودية لدعم تسوية سياسية شاملة تكفل إنهاء الصراع وتحقيق تطلعات الشعب اليمني.

بعد الجهود المشتركة التي قادتها المملكة والإمارات لإزاحة الاحتلال الحوثي لشمال اليمن، برزت أبوظبي كشريك أساسي في صياغة حلول مستدامة للأزمتين اليمنية والجنوبية. فمن خلال دعمها العسكري والسياسي، ساهمت الإمارات في تعزيز موقف التحالف العربي بقيادة السعودية، مما مهد الطريق لمفاوضات سياسية تهدف إلى إعادة الاستقرار إلى اليمن. إن هذا التعاون ليس مجرد تنسيق تكتيكي، بل يعكس رؤية مشتركة بين البلدين تركز على تحقيق السلام والتنمية في المنطقة، مع مراعاة تطلعات الشعوب وحقها في العيش بأمان وكرامة.

 

رغم هذه الإنجازات، تواجه المملكة تحديات كبيرة في الحفاظ على هذا الدور الريادي، وكذلك الإمارات كشريك استراتيجي. فالتوازن بين مصالح القوى العظمى ليس بالأمر السهل، كما أن استمرار الأزمات الإقليمية، مثل الوضع في اليمن وسوريا، يتطلب منهما جهوداً مضاعفة. ومع ذلك، فإن المملكة والإمارات تمتلكان من المقومات ما يؤهلهما لتجاوز هذه التحديات، سواء من خلال قوتهما الاقتصادية، أو بفضل قيادتهما الحكيمة التي أثبتت قدرتها على اتخاذ قرارات مصيرية في أوقات حرجة.

في المستقبل، من المتوقع أن تستمر المملكة في تعزيز دورها كوسيط دولي، وربما تشهد الرياض المزيد من اللقاءات التاريخية التي تجمع قادة العالم لحل النزاعات الكبرى، بمساندة أبوظبي التي ستظل شريكاً أساسياً في هذه المسيرة. كما أن طموحات رؤية 2030 السعودية ورؤية الإمارات 2071 ستدفع البلدين ليكونا لاعبين أكثر فاعلية في قضايا المناخ، الطاقة، والاقتصاد العالمي، مما يعزز من مكانتهما كرقمين صعبين في المعادلة الدولية.

 

في الختام، يمكن القول إن المملكة العربية السعودية أثبتت أنها ليست مجرد دولة نفطية أو قوة إقليمية تقليدية، بل شريك استراتيجي عالمي يساهم في صنع السلام وإعادة تشكيل النظام الدولي، بدعم لافت من دولة الإمارات العربية المتحدة. إن جهودهما المشتركة في التقريب بين الولايات المتحدة وروسيا، وحلحلة الأزمة الأوكرانية، ومعالجة الأزمة اليمنية، ليست سوى نموذج لما يمكن أن تحققه قيادة حكيمة ومبادرة. حفظ الله المملكة وقيادتها، ممثلة بالملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وحفظ الله الإمارات وقيادتها، ممثلة بالشيخ محمد بن زايد، فخراً للعرب والمسلمين، ورمزاً للعزة والكرامة في عالم متغير.