محمد أبوالفضل يكتب:

بين إسرائيل ومصر: هل تدرك حماس أضرار الحوثيين؟

في الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي يوم الثلاثاء، جاء ذكر ما تقوم به القوات الأميركية من عمليات عسكرية ضد جماعة الحوثي في اليمن، وتطورات الأوضاع في قطاع غزة، وفهم من وصف ترامب بأن الاتصال “جيد للغاية” لأن هناك نقاطا مشتركة أو تفاهمات تحققت أو يمكن أن تتحقق بين واشنطن والقاهرة بعد فترة من التباعد في هذين الملفين.

ولأن مواقف كل طرف معلنة ومعروفة، فمصر مع الحل السياسي وترى أن الأزمة مع الحوثيين نتيجة للحرب في غزة، بينما تدعم الولايات المتحدة الخيار العسكري فيهما، ولا بد أن تكون هناك مقاربة جديدة جعلت ترامب يصف اتصاله بالسيسي بأنه “جيد للغاية”، وربما أحدهما غيّر وجهة نظره في آليات التعامل مع الأزمتين، أو أن هناك ما يدفعهما إلى اللقاء عند نقطة تُوازن بين العسكري والسياسي.

لا توجد معلومات تؤكد أن مصر والولايات المتحدة غيرتا موقفيهما لا من الحرب على غزة أو الهجمات العسكرية على الحوثيين، لكن توجد معلومات تؤكد أن المصالح الإستراتيجية بين البلدين تقتضي عدم التضحية بالآخر، فأن يحوي اتصال ترامب بالسيسي إشارة إلى ما يجري في اليمن معناه وجود شعور أميركي بحجم الخسائر التي تكبدتها مصر بسبب بطء حركة الملاحة في قناة السويس، ما يعزز تسريبات “سيغنال” مؤخرا التي أشار فيها مسؤولون أميركيون كبار إلى خسائر القاهرة وأوروبا جراء هجمات الحوثيين على بعض السفن، والتوترات في جنوب البحر الأحمر.

مصير جماعة الحوثي لن يختلف عن حركة حماس وحزب الله وإذا كانت دوائر عربية ابتلعت طعم الحوثيين بأن إسرائيل تدفع ثمن عملياتهم العسكرية فالآن لا أحد يثق بهذه السردية

مصر لم تغير موقفها من أن هذه الهجمات نتيجة للحرب في غزة، وإذا أوقفت إسرائيل عملياتها ستقف هذه الهجمات على الفور، لكن قوات الاحتلال تتمادى في توغلاتها داخل القطاع، بالتالي لا توجد في الأفق مظاهر تقول إنها ستوقف عملياتها العسكرية قبل استسلام حركة حماس، وفي أحسن الأحوال سيكون توقفها مؤقتا، حيث ترفض إسرائيل وقفا دائما لإطلاق النار ولا تريد الدخول في عملية سياسية ممتدة وشاملة مع الفلسطينيين، ما يشير إلى أن جماعة الحوثي لن توقف تهديداتها بصورة نهائية.

على الضفة الأخرى، نقلت الولايات المتحدة عملياتها العسكرية في عهد ترامب من الرد على تهديدات الحوثيين إلى تقليص أجنحتهم، وحرمان إيران من ورقة تستخدمها في جنوب البحر الأحمر، ما يعيد إلى الأذهان تكرار سيناريو إسرائيل مع حزب الله اللبناني وحركة حماس، فكلاهما وصل إلى درجة منخفضة من الضعف العسكري بعد استهدافه المستمر، وهو المصير الذي ينتظر جماعة الحوثي، فالعمليات العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة تصب في هذا الهدف.

إذا كانت إسرائيل لم تتضرر ماديا بالشكل الذي تضررت منه مصر، لماذا لا تنصح حركة حماس الحوثيين مباشرة بوقف تهديداتهم وعملياتهم التي جرى تضخيمها، لينقذوا بعضا من قوتهم العسكرية، ولا تتكبد القاهرة المزيد من الخسائر المادية؟

لا تختلف مشكلة جماعة الحوثي عن مشكلتي حركة حماس وحزب الله، أو أي من الجماعات الأيديولوجية التي ترى أن خسائرها أمام الولايات المتحدة وإسرائيل تحوي مكاسب سياسية، وهي النظرية التي سقطت مع التوترات الأخيرة، حيث خسرت حماس وحزب الله عسكريا وسياسيا، فالحركة فقدت غالبية قدراتها التسليحية، ومطلوب أن تبقى بعيدة عن المشهد العام في القطاع وخروج العديد من قادتها منه.

وخسر حزب الله جزءا معتبرا من قدراته العسكرية، وخسر أيضا حضوره السياسي المؤثر في لبنان، ولم تعد شعبية كليهما تحظى بتأييد كبير في صفوف الفلسطينيين واللبنانيين، وحتى المشاعر الإيجابية التي حصداها في بعض الأوساط الشعبية عربيا على مدار السنوات الماضية بدأت تتآكل، وبعضها يرتد عليهما سلبا.

لن يختلف مصير جماعة الحوثي عن حركة حماس أو حزب الله، وإذا كانت بعض الدوائر العربية ابتلعت طعم الحوثيين بأن إسرائيل تدفع ثمن عملياتهم العسكرية، فالآن لا أحد يثق بهذه السردية، لأن مصر هي أكبر متضرر ماديا، وسوف تزداد الخسائر مع طول الأمد الذي تشكله التهديدات للملاحة في قناة السويس، ولن تتوقف عند الحدود المادية فقط، حيث تستثمر إسرائيل التوترات في جنوب البحر الأحمر لشغل مصر عما تقوم به من تجزئة في قطاع غزة.

لا توجد معلومات تؤكد أن مصر والولايات المتحدة غيرتا موقفيهما لا من الحرب على غزة أو الهجمات العسكرية على الحوثيين، لكن توجد معلومات تؤكد أن المصالح الإستراتيجية بين البلدين تقتضي عدم التضحية بالآخر

وجاءت العمليات الأميركية المكثفة ضد الحوثيين لتنذر بأن هناك ترتيبات في هذه المنطقة يُعدّ لها الرئيس ترامب وفريقه المعاون أبعد من تقويض قوة الحوثيين العسكرية، فالرجل معروف أنه لا يقدم تضحيات مجانية، ومغرم بتوقيع الصفقات.

تحتاج مصر إلى جماعات ضغط نشطة تعمل للدفاع عن مصالحها، لأن هزيمة الحوثيين المتوقعة على يد الولايات المتحدة قد تدفع القاهرة ثمنا مضاعفا لها، فالخسائر التي تكبدتها قناة السويس على العام الماضي وأفقدتها أكثر من نصف إيراداتها يمكن أن تتزايد في المستقبل لو قرر ترامب تشييد منظومة جديدة في جنوب البحر الأحمر، كأن يفرض رسوما على المرور فيه من الجنوب، ما يؤثر على حركة الملاحة، أو تضطر مصر إلى تقديم بعض تنازلات في قناة السويس، فتخفّض تكاليف المرور، أو تتفاهم مع الولايات المتحدة التي تضع نصب عينيها السيطرة على الممرات الدولية.

في الحالتين، هناك خسائر فادحة تسببت فيها جماعة الحوثي التي استغلت الصبر المصري، ودعم الحلول السياسية على حساب العسكرية، ولم تدرك أن التوترات في جنوب البحر الأحمر ربما تتمخض عنها تحولات إستراتيجية، تستفيد منها إسرائيل وليس حركة حماس، وتتضرر منها قناة السويس أكثر من الملاحة الغربية.

وتؤكد غالبية المؤشرات الراهنة هذه المعادلة، وأن الفترة المقبلة قد تشهد المزيد من التغيرات في ما هو ثابت من توازنات تاريخية، وقد يكون الرئيس ترامب حاول طمأنة الرئيس السيسي في مبادرته للاتصال به، لكنه لم يكاشفه عن خططه اللاحقة.

الواضح أن أوان تراجع الحوثيين ذهب، بعد أن وضعوا أنفسهم بين كماشة حماس وإيران، وهما أكبر مستهدفين الآن من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وينتظرهما مصير أشد قتامة، ومعهما جماعة الحوثي التي اعتقدت أنها تنصر غزة وإذ بها تزيد وجعها، وتتسبب في أضرار بالغة لمصر، التي وجدت نفسها في موقف حرج، لا هي قادرة على الوقوف ضد جماعة الحوثيين وتبدو في خندق واحد مع إسرائيل، ولا قادرة على الصمت وهي تتكبد كل يوم خسائر مادية جديدة.

مطلوب تسليط الضوء بصراحة على حقيقة الأزمة في البحر الأحمر وما يمكن أن يترتب عنها من تداعيات خطيرة تمس مصالح مصر الحيوية، وتشكيل لوبي سياسي لكشف الحقائق أمام العالم، وهذا هو دور الإعلام المصري حاليا، لأن الصمت أو العزف على السرديات العاطفية سوف يؤدي إلى المزيد من الخسائر.