موسى أفشار يكتب لـ(اليوم الثامن):

طاولة التفاوض أم فخ التصعيد؟ لغز المحادثات النووية الإيرانية

تتأرجح المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة في منطقة غامضة، حيث تختلط الدبلوماسية المتعثرة بالتوترات المتفاقمة. لم يعد المسار التفاوضي مجرد حوار دبلوماسي تقليدي، بل تحول إلى ساحة معقدة تمزج بين التصريحات المتضاربة، التهديدات المتبادلة، والخطوط الحمراء المتذبذبة. وعلى الرغم من تأكيد الطرفين على رغبتهما في التوصل إلى اتفاق، فإن الواقع يشير إلى مأزق مستمر، يتأرجح بين خطاب التهدئة ونذر التصعيد.

السيناريو الأميركي: إيران تقترب من «السلاح المحرَّم»

في الخطاب الأميركي الرسمي، هناك تصعيد واضح ومباشر بشأن ما تصفه واشنطن بـ “الاقتراب الخطير للنظام الإيراني من إنتاج قنبلة نووية“. فقد قال السيناتور توم كاتن، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، إن إيران تملك الآن من اليورانيوم المخصب ما يكفي لإنتاج سلاح نووي خلال “أيام أو أسابيع”. وأضاف في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز”:

«النظام الإيراني دكتاتورية دينية، وإذا امتلك السلاح النووي، فسيستخدمه على الأرجح. هذه ليست فرضية، بل تهديد حقيقي».

ولعل ما يزيد من حدة اللهجة الأميركية هو تأكيد الرئيس دونالد ترامب أنه لا يوجد أي مبرر منطقي لإيران لمواصلة تخصيب اليورانيوم. وقال كاتن:

«إذا كانت طهران جادة، فعليها أن تتخلى عن أجهزة الطرد المركزي. عندها يمكن الحديث عن السلام. أما إذا تمسكت ببرنامجها النووي والصاروخي، فعلينا أن نسلك طريقًا آخر».

هذه التصريحات، وإن لم تكن جديدة، إلا أنها تشير إلى تثبيت موقف واشنطن الرافض لأي صيغة “وسطية” تسمح لطهران بالحفاظ على أي عنصر من عناصر برنامجها النووي العسكري المحتمل.

الرد للنظام الإيراني: لا للمساومة على السيادة الوطنية

في المقابل، يستخدم النظام الإيراني خطابًا ذا وجهين، يمزج بين اللغة الدبلوماسية الحذرة والإيحاء بالقدرة على المواجهة. وفي تصريح لقناة “راشا تودي”، قال وزير خارجية النظام عباس عراقجي إن الضغوط الأميركية بكل أشكالها لم تُجدِ نفعًا، مؤكدًا:

«الولايات المتحدة استخدمت كافة أدوات الضغط، من العقوبات القصوى إلى التهديدات العسكرية، لكننا لم نتزحزح. نحن نُجيد الدفاع عن أنفسنا».

وأوضح عراقجي أن مسار التفاوض لا يزال متاحًا، لكنه شدد على أن “المفاوضات لا يمكن أن تتم تحت الضغط أو التهديد”، مشيرًا إلى أن النظام الإيراني لن يتنازل عن ما يعتبره حقوقًا سيادية.

وفي السياق نفسه، اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية أن استخدام آلية “سناب باك” التي يُلوّح بها الأوروبيون “ليست بناءً”، وأن طهران “تُبقي باب الحوار مفتوحًا، لكن في إطار الاحترام المتبادل لا الإملاءات”.

المفاوضات في عيون النظام: فخٌ لتفكيك عناصر القوة

رؤية النظام الإيراني للمفاوضات النووية لا تنطلق من قراءة تقنية، بل من نظرة أمنية واستراتيجية أشمل. ففي افتتاحية صحيفة “كيهان” بتاريخ 21 أبريل، عبّرت الصحيفة عن شكوك عميقة تجاه نوايا واشنطن، معتبرة أن “الملف النووي ليس سوى بوابة للدخول لاحقًا إلى ملفات أكثر حساسية كالصواريخ والنفوذ الإقليمي”.

وكتبت الصحيفة: «نعرف مسبقًا أن أميركا لن ترفع العقوبات. بل ستستخدم المفاوضات كأداة لإضعاف عناصر قوتنا. أي تنازل في هذا المسار سيكون تمهيدًا لحرب لا مفر منها».

كما تحدثت الصحيفة عن الدور المعرقل للكونغرس الأميركي، مشيرة إلى أن القوانين العقابية مثل كاتسا وآيسا صوّت عليها الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء، ما يعني أن “الاتفاق النووي سيكون هشًا، لا سند قانوني له، وقابل للإبطال في أي لحظة”.

الواقع التقني: مسارٌ دون جدول زمني

رغم الخطاب العالي النبرة، فإن المفاوضات لا تزال جارية على مستوى الخبراء. غير أن المتحدث باسم وزارة الخارجية أشار إلى أن الجلسات الأخيرة “لم تدخل في التفاصيل”، وأن الحديث ما زال “محصورًا في تحديد الأطر العامة”. وأضاف:

«لسنا ضد التقدم، لكن لا نملك جدولًا زمنيًا واضحًا. ننتظر من الطرف الآخر أن يُظهر حسن نية حقيقي».

ردًا على سؤال من وكالة الصحافة الفرنسية حول احتمال التوصل لاتفاق قبل أكتوبر، أجاب:

«نحن جاهزون. لكن السرعة لا تعتمد علينا فقط. الطرف الآخر هو من يملك مفتاح الحل».

مفاوضات بلا خريطة، ونوايا لا تُبشّر باتفاق

ما يجري اليوم بين طهران وواشنطن يُشبه السير في حقل ألغام دبلوماسي: كل طرف يُبدي “مرونة مشروطة”، ويُلوّح في الوقت نفسه بخيارات قصوى. واشنطن لا تُخفي استعدادها للتحرك العسكري، وطهران لا تُبدي تهاونًا في ملفات تعتبرها “سيادية”.

وفي ظل فقدان الثقة، وتعدد السقوف السياسية، وصعوبة التوصل إلى “صيغة وسط”، يبدو أن المفاوضات الحالية مرشحة للاستمرار، ولكن من دون اختراق حقيقي.

وإذا استمر هذا المسار، فإن الأسئلة ستتزايد: هل نحن أمام مفاوضات عبثية تُستخدم لشراء الوقت؟ أم أننا أمام مرحلة تمهيدية لانفجار قادم لا يُستبعد فيه الخيار العسكري؟

الجواب حتى الآن… معلق في الهواء.