نورالدين خبابه يكتب لـ(اليوم الثامن):
أي إسلام تريدونه يا معشر الفرنسيين؟
وأنا أتابع نقاشًا على قناة فضائية، استفزني النقاش، لاسيما وأن الطرف الحقيقي غائب... واستمر المشاركون في تقديم تفسيرات وانتقادات ونشر لأغاليط حول المسلمين في فرنسا، وعليه أردت أن أقدم هذا التوضيح.
إن الاعتراف بالإسلام كدين رسمي في فرنسا مع رفض مظاهره الأساسية كالحجاب والأضحية والاحتفال بالعيد وصلاة الجمعة، يُبرز تناقضًا صارخًا يعكس إشكالية حقيقية في فهم مفهوم الحرية والتعددية. هذا الموقف يطرح سؤالًا جوهريًا: هل تريدون إسلامًا على مقاسكم؟ وهل هناك رغبة فعلية في قبول الآخر؟ أم أن المسألة تتعلق فقط بترويضه وإعادة تشكيله وفق منظوركم الثقافي؟
إن الإسلام ليس مجرد هوية شكلية تُدرج في الوثائق الرسمية؛ بل هو عقيدة، ومنهج حياة، ومجموعة من القيم والممارسات التي تنبع من إيمان عميق ووعي ذاتي. وعندما تطرحون سؤالًا كـ"هل يتوافق دينكم مع مبادئنا وثقافتنا؟" فإنكم تتعاملون مع الإسلام بمنطق الوصاية الفكرية والثقافية التي تتناقض حتى مع قيم الجمهورية، وترسّخون منطق الهيمنة بدلًا من منطق التعايش الحقيقي.
إن الخوف من انتشار الإسلام ووضع حواجز أمامه لا يحل الإشكال بقدر ما يدفع إلى التعصب والتطرف والمواجهة.
من حق كل ثقافة أن تحدد إطارها القيمي، لكن احترام التعددية الثقافية يتطلب الاعتراف بالآخر كما هو، دون محاولة إعادة تشكيله أو تجريده من هويته الذاتية. فالحجاب مثلًا، ليس رمزًا سياسيًا ولا أداة استفزازية، بل هو خيار إيماني وشخصي لملايين النساء المسلمات. إصراركم على تصويره كتهديد للثقافة أو للمجتمع، هو نوع من التضليل والتشويه المقصود أو غير المقصود. جوهر الحجاب هو السترة، فقوة الفكرة هي التي تؤثر في المتلقي وليس قطعة القماش. لماذا فرضتم الكمامات أثناء فيروس كورونا؟ أتفرضون قوانين وترفضونها عندما تخالف هواكم؟
إنّ توظيف هذه القضايا في الصراعات السياسية، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات، يمثل استغلالًا لقضايا المسلمين بهدف حشد الأصوات وإخفاء أزمات حقيقية تعاني منها المجتمعات، مثل البطالة والفقر وتراجع الخدمات العامة، ناهيك عن تدهور المعيشة إضافة إلى الحروب التي في الأساس هم ضحاياها.
إن الحرية الحقيقية لا تقبل التجزئة. إما أن تشمل الجميع على اختلافاتهم، أو تصبح مجرد شعار مفرغ من مضمونه. والمطلوب من المجتمع الفرنسي، وغيره من المجتمعات التي تدّعي تبني قيم الحرية والتعدد والأخوة والمساواة، أن تراجع مواقفها بصدق، وأن تقبل بالتنوع كما هو لا كما تريده أن يكون.
قبول الإسلام كدين رسمي يعني قبول ممارسات أتباعه، واحترام قناعاتهم واختياراتهم، لا محاولة فرض نموذج ثقافي معيّن عليهم يتناقض مع ثوابتهم. ومن يرغب في الإسلام دون حقيقته، إنما يبحث عن صورة مشوّهة من دين لا وجود له سوى في خيال من يريدون إسلامًا يناسب رغباتهم وأهواءهم.
وأخيرًا، التعددية الحقيقية تقوم على الاحترام المتبادل، لا على فرض الوصاية. فالإسلام ليس مادة للتفاوض، ولا يخضع لشروط أحد. إنها مسألة عقيدة وكرامة، وهوية، وحق لا يقبل المساومة.